خلص معهد WilsonCenter الدولي إلى أن الفشل أحبط رؤية 2030 التي روج لها طويلا ولي العهد محمد بن سلمان وأن إدمان السعودية على النفط مستمر.
وقال الكاتب ديفيد أوتاواي في دراسة نشرها المعهد، إن الحاكم الفعلي للسعودية محمد بن سلمان لا ينوي إنهاء “إدمان المملكة على النفط” الذي طال شجبه.
وأضاف أوتاواي، أن بن سلمان يخطط لتوسيع طاقته الإنتاجية على الفور بما لا يقل عن مليون برميل يوميا في إظهار للتحدي لدعوات منتجي النفط إلى التنويع بعيدا عن الوقود الأحفوري والتنبؤات التي لا تعد ولا تحصى بأن عصر النفط يقترب بسرعة من نهايته.
وتستند خطة بن سلمان لزيادة الطاقة السعودية إلى أكثر من 13 مليون برميل يوميا إلى ما يبدو أنه تنبؤ خيالي للانهيار شبه الكامل لإنتاج النفط في الولايات المتحدة وروسيا، بحلول نهاية هذا العقد بالنسبة للأول والثاني.
ويقول إن المملكة العربية السعودية يجب أن تكون مستعدة لتكثيف سد النقص القادم في إمدادات النفط.
ويأتي حسابه في مواجهة الطفرة الحالية في تطوير مصادر الطاقة المتجددة التي تعتمد على الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين ودراسات متعددة مثل دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي، محذرا من “اتجاه قوي ومستمر نحو الانخفاض في الطلب العالمي على النفط”.
وحثت الدول العربية المنتجة الخليجية على وجه الخصوص على تسريع وتوسيع إصلاحاتها الرامية إلى تنويع اقتصاداتها استعدادا لمستقبل ما بعد النفط المقبل “عاجلا وليس آجلا”.
وقد أصدرت الوكالة الدولية للطاقة ومقرها باريس للتو تقريرا عن المقترحات الطموحة التي قدمها الاتحاد الأوروبي وإدارة بايدن للوصول إلى انبعاثات الكربون الصفرية الصافية بحلول عام 2050، مشيرة إلى أنه لجعل ذلك ممكنا “لا حاجة للاستثمار في إمدادات الوقود الأحفوري الجديدة”.
وفي الواقع، سيتعين خفض إنتاج النفط في جميع أنحاء العالم بشكل كبير من 90 مليون برميل يوميا في عام 2020 إلى 24 مليون برميل. وسرعان ما سخر وزير الطاقة النفطي السعودي، الأمير عبد بن سلمان، شقيق ولي العهد، من التقرير ووصفه بأنه “تتمة لفيلم لا لاند”.
وفي حين أن الطلب في الغرب قد يكون آخذا في الانخفاض، فإن محمد بن سلمان يحسب أنه لن يزداد إلا في الشرق، وخاصة في الصين والهند، طوال هذا العقد، ثم سيصمد لعقود قادمة.
إن ولي العهد السعودي لا يرفض رفضا قاطعا هذه الرؤية لعالم ما بعد النفط فحسب. ويبدو أنه تخلى أيضا عن هدفه المعلن المتمثل في ممارسة إدمان المملكة على النفط – وهو أحد الأهداف الرئيسية لرؤيته 2030 التي أعلن عنها قبل خمس سنوات فقط.
وبدلا من ذلك، أصبح تثبيته الفوري، كما انعكست في مقابلته في نيسان/أبريل على التلفزيون الوطني السعودي، المنافسة الثلاثية على حصة السوق بين السعودية وروسيا والولايات المتحدة، التي تعتبر حاليا أكبر ثلاثة منتجين في العالم.
وفي حين أن الطلب في الغرب قد يكون آخذا في الانخفاض، فإن محمد بن سلمان يحسب أنه لن يزداد إلا في الشرق، وخاصة في الصين والهند، طوال هذا العقد، ثم سيصمد لعقود قادمة.
وربما يعكس تبريره لزيادة الإنتاج السعودي أيضا قناعته بالمنافسة الإضافية على حصة السوق من الأعضاء العرب في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الذين يضعون خططا مماثلة للاستفادة من احتياطاتهم في أسرع وقت ممكن في ضوء التحول المتسارع للغرب من النفط والغاز إلى مصادر الطاقة المتجددة.
ويبرز التغيير الجذري في تفكير ولي العهد، الذي أصبح أيضا قيصر المملكة الاقتصادي. في عام 2016، كان مفعما بالتفاؤل بأن المملكة يمكن أن تركل إدمانها على النفط وبسرعة أيضا. و
قال في معرض تقديمه لخطة رؤية 2030 للتغلب على الإدمان الوطني: “أعتقد أنه بحلول عام 2020، إذا توقف النفط يمكننا البقاء على قيد الحياة. نحن بحاجة إليها، لكنني أعتقد أنه في عام 2020 يمكننا العيش بدون نفط”.
وفي حينه أكد بن سلمان للسعوديين أن رؤيته “ليست حلما بل واقعا سيتحقق”. وقد أثبتت رؤيته بالفعل أنها حلم.
في عام 2020، قدمت شركة النفط السعودية الحكومية العملاقة، أرامكو السعودية، ما مجموعه 110 مليار دولار إلى خزائن الحكومة في شكل أرباح وإتاوات وضرائب دخل، على الرغم من أنها شهدت خفض أرباحها بأكثر من النصف إلى 49 مليار دولار بسبب الركود العالمي الذي أثاره الوباء.
وحددت ميزانية الحكومة في ذلك العام بمبلغ 272 مليار دولار، واضطرت إلى اللجوء إلى إصدار سندات في الداخل والخارج لتغطية معظم العجز البالغ 79 مليار دولار. وفي عام 2019، وفرت مبيعات النفط للحكومة إيرادات بلغت 159 مليار دولار.
كما تقوم بخفض دعم الغذاء والغاز والكهرباء وإجبار الآلاف من أفراد العائلة المالكة على البدء في دفع تكاليف الكهرباء والمياه وأسعار تذاكر الطيران المحلية.
وقد ركز التدافع لإيجاد مصادر بديلة للدخل في الغالب على ضغط الأموال من السعوديين. ومع ذلك، لا توجد ضريبة دخل في المملكة، فقد فرضت الحكومة ضريبة القيمة المضافة على معظم المبيعات، التي حددت أولا بخمسة في المائة، وبالتالي رفعت إلى 15 في المائة في عام 2020.
كما تقوم بخفض دعم الغذاء والغاز والكهرباء وإجبار الآلاف من أفراد العائلة المالكة على البدء في دفع تكاليف الكهرباء والمياه وأسعار تذاكر الطيران المحلية. كما فرضت ضريبة إقامة سنوية على العمال الأجانب وأفراد الأسرة في المملكة الذين تدوم ما بين ثمانية وعشرة ملايين.
ويبدو أن محمد بن سلمان مقتنع بأن الإجابة القصيرة والطويلة الأجل على الأزمة المالية المتفاقمة في السعودية هي ضخ المزيد من النفط.
وفي مقابلته التي أجريت معه في نيسان/أبريل، اعترض بشكل مباشر على إجماع محللي الطاقة الغربيين الذين يتوقعون تحولا متسارعا من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وأكد أن القضية الحقيقية لن تكون انخفاض الطلب بل نقص العرض بشكل رئيسي بسبب الهبوط الهائل المتوقع في الإنتاج الأمريكي والروسي.
وقال “إن الولايات المتحدة على سبيل المثال لن تكون دولة منتجة للبترول خلال 10 سنوات ” ، وعدل هذا التوقع قليلا بإضافة انه بدلا من 10 ملايين برميل يوميا ” لن تنتج ” مليونى برميل بحلول ذلك الوقت.
ويتناقض هذا التوقع مع تقرير صدر في شباط/فبراير عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية والذي توقع أن يزداد إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام إلى ما بين 13 و14 مليون برميل يوميا بحلول عام 2030 وأن يبقى عند هذا المستوى حتى عام 2050. وقد يظل الإنتاج الأمريكي “عند مستويات قياسية للسنوات الثلاثين المقبلة”، على الأقل إذا استمرت الأسعار.
وبلغ متوسط إنتاج النفط الخام 11.3 مليون برميل يوميا في عام 2020، بانخفاض يقرب من مليون برميل عن العام السابق بسبب الركود الناجم عن الوباء.
ومع ذلك، فإن محمد بن سلمان يتمسك بأن إمدادات النفط ستنخفض بشكل أسرع بكثير من الطلب على النفط، ويجب أن تكون المملكة العربية السعودية مستعدة “لزيادة إنتاجها لتغطية الحاجة إلى النفط”.
وفي حالة روسيا، ادعى ولي العهد أن إنتاجها سينخفض من 11 مليون برميل يوميا إلى مليون برميل “أكثر أو أقل” في غضون 20 عاما.
ومع ذلك، تشير دراسة حديثة للبرلمان الروسي إلى أن إنتاجه النفطي سوف يصل إلى ذروته عند ما يقرب من 14 مليون برميل بحلول عام 2029 يليه انخفاض بنحو الربع فقط بحلول عام 2035.
ويتوقع جزء من توقعاته زيادة الحاجة إلى النفط في المملكة نفسها، والتي قدر أنها ستصل إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا لتلبية “فرص هائلة” في صناعاتها البتروكيماوية والتصنيعية الآخذة في التوسع.
وقد بدأت شركة النفط الحكومية أرامكو بالفعل في توسيع حقل الزلوف البحري، وهو أحد أكبر حقولها، مما رفع الإنتاج هناك من 800 ألف برميل يوميا إلى 1.4 مليون برميل. كما تستثمر 18 مليار دولار لإضافة 550 ألف برميل يوميا من مستودعين بحريين آخرين في مرجان وبريري.
وإجمالا، ستضيف هذه المشاريع أكثر من مليون برميل إلى قدرتها الإنتاجية المعروفة التي تبلغ 12.3 مليون برميل. وكان هذا هو المبلغ الذي قفزت إليه من 9.6 مليون برميل يوميا في ربيع عام 2020 لإجبار الشركات الروسية والأمريكية على خفض إنتاجها عن طريق إغراق السوق بالنفط الرخيص.
كما ستكون نيوم موقعا لأول إنتاج للمملكة من “الهيدروجين الأخضر”، الذي يطلق عليه لأن الطاقة اللازمة لإنتاجه ستعتمد فقط على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
كما أن السعودية تعمل في مجال الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ولكن يبدو أن الأساس المنطقي لذلك الآن هو في الغالب توفير المزيد من النفط للتصدير.
فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تعتمد مدينة محمد بن سلمان الخيالية الجديدة، نيوم، التي من المقرر أن تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، على طاقة الرياح والطاقة الشمسية فقط لسكان متوقعين يبلغ عددهم مليون نسمة.
وقد وجد محمد بن سلمان أن السعودية بحاجة متزايدة إلى التعاون مع روسيا، وذلك جزئيا للتعامل مع المنافسة من الولايات المتحدة التي صدرت العام الماضي أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا، على الرغم من الركود الاقتصادي الناجم عن الوباء.
ولم يكن ذلك سهلا لأن روسيا تضغط من أجل زيادة إنتاجها، في حين كافحت المملكة العربية السعودية لخفض إنتاج أوبك. بل إنها أخذت من جانب واحد مليون برميل يوميا من السوق في كانون الثاني/يناير.
كل هذا على وشك أن يتغير وفى 2 يونيو صوتت الاوبك على استعادة المليونى برميل يوميا التي كانت قد خفضتها فى وقت سابق بحلول يوليو ، واشارت السعودية الى اعتزامها استعادة خفضها بمقدار مليون برميل . ومن الواضح أن إمدادات إضافية ستكون وشيكة لتغذية الانتعاش الاقتصادي في مرحلة ما بعد كوفيد.
وأيا كانت الخلافات السعودية الروسية حول السياسة النفطية، يبدو أن محمد بن سلمان يتفق تماما على نقطة واحدة مع رئيس لجنة الطاقة البرلمانية الروسية. ونقل عنه مؤخرا قوله ” ان كل ما يمكن انتاجه يجب أن ينتج بينما مازال هناك طلب على بيعه”.