على إيقاع مغادرة الوفد العماني لصنعاء، شهدت المواقف الأمريكية في ملف اليمن تناقضاً واضحاً، فما أبعاد هذه التطورات، أهي انعكاس لفشل واشنطن استغلال علاقة عُمان بصنعاء لتمرير اجندتها، أم أن صنعاء طرحت تصوراً جديداً خلط أوراق واشنطن في مسارها الجديد في اليمن؟
كانت واشنطن تعول على نجاحها بإحراج صنعاء، نظرا للعلاقات التي تربطها بسلطنة عمان، وبما يؤدي في نهاية المطاف لتمرير المقترحات الامريكية والهادفة أصلا وباعتراف الخارجية الامريكية وقف التقدم في مأرب او بعبارة اكثر دقة انقاذ حلفائها من هزيمة وشيكة في اخر معاقلهم شمال اليمن، أو الخيار الأخر أن ترفض صنعاء المسعى العماني الجديد ما يضعها في مواجهة مع اخر منافذها للعالم، وكان ذلك واضحاً من تصريحات المبعوث الإمريكي إلى اليمن قبيل وصول الوفد العماني وتهديده بتشديد الحصار على صنعاء، لكن صنعاء التي استقبلت الوفد العماني برحابة ونظمت له لقاءات مع كبار القادة والمسؤولين وضعت كما يقول محمد عبدالسلام، رئيس الوفد المفاوض، تصوراً جدّياً من شانه ان يُفضي إلى أمن واستقرار اليمن وجيرانه في إشارة إلى تفهم المخاوف العمانية من تداعيات استمرار الحرب، وهذا التصور يوقد على معالجة الازمة الإنسانية التي تعمل عليه السلطنة مرورا بخطوات أخرى ووصولا إلى الحل النهائي.
هذه التصور، رغم ما حققه من خرق في جار الحرب والحصار حتى اللحظة، لا يبدو أنه يعجب الولايات المتحدة، التي سارعت للتحرك مجددا عبر مبعوثها إلى اليمن، تيم ليندركينغ، والذي بدأ حراكه الجديد بطرق البوابة الأوروبية بلقاء مع السفير الفرنسي لدى واشنطن مرورا بتنظيم لقاءات للمجلس الأوروبي بمشاركة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ووصلا إلى مناقشة وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن دون عوائق.
هذا التحرك يأتي بموازاة عملية شد وجذب تضمنتها مواقف أمريكية أخرى موازية كفرض عقوبات على شركة صرافة وشخصيات يمنية بحجة أنهم “حوثيين” والتلويح بفتح كافة الجبهات في اليمن، كما ورد في بيان للخارجية الامريكية تضمن تأكيداً امريكياً على ضرورة استئناف المحادثات السياسية في اليمن، في حين تحدّث المبعوث الأمريكي خلال لقاء المجلس الأوروبي عن ضرورة وقف ما وصفه الهجوم على مأرب مقابل رفع كلي للحصار ولو وصفه بفتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء دون قيود.
عملية “العصا والجزرة” هذه جزء من سياسية أمريكا الخارجية، وقد سبق وأن استخدمتها في مواطن عدة في علاقتها مع ايران وحتى مع حلفائها في الرياض وابوظبي، لكن هذه الخلطة لا يبدو انها قد تفلح في اليمن، فإضافة القادة في صنعاء بند خروج القوات الأجنبية من كافة الأراضي اليمنية كشرط للانخراط في عملية وقف اطلاق شامل، أثار قلق واشنطن التي استبقت بيان المجلس السياسي في صنعاء الأخير بالتقليل من شأن وجودها العسكري وتبريره بمحاربة “الإرهاب” مع التقليل أيضا من تأثير دعمه للتحالف السعودي – الإماراتي، وخلط أوراقها بالفعل فهي الآن بين خيارين لا ثالث لهما إما خروج القوات الأجنبية من اليمن بما فيها قواتها التي إعادة نشرها بعد سحبها من أفغانستان وتحاول التمويه عليها بوحدات صغيرة منتشرة على طول السواحل اليمنية والمدن الخاضعة لسيطرة التحالف، أو القبول بالأمر الواقع ولم تعد تجد مبرراً وحجة لإقناع أطراف إقليمية تسوق مقترحات واشنطن سوى مواصلة التصعيد تارة ومماشاة صنعاء في أخرى على امل ان يشفع ذلك لواشنطن قبل حلفائها الذين لا يزالون في وضع لا يحسدون عليها في ظل مؤشرات هزائم سياسية وعسكرية.