قالت جماعات حقوقية إن السعودية قد تعدم قريبا متظاهرا مدانا بجرائم يُزعم أنه ارتكبها عندما كان قاصراً، وتخشى تلك المنظمات من أن يكون تنفيذ حكم الإعدام جزءا من عملية إعدام جماعية مقبلة.
يمكن أن يتم تنفيذ الإعدام في “مصطفى آل درويش”، 26 عاما، في أي لحظة؛ بسبب جرائم يُزعم أنه ارتكبها عندما كان مراهقا، فقد استنفد استئنافه النهائي على حكم الإعدام الصادر بحقه، نهاية مايو/أيار، ولا يتطلب تنفيذ الحكم بحقه سوى توقيع الملك.
وتم نقل قضية “مصطفى”، مؤخرا، من أعلى محكمة سعودية إلى رئاسة أمن الدولة بعد سلسلة من الاستئنافات.
وقالت الباحثة في “المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان“، “دعاء دهيني”، لإذاعة “دويتشه فيله”: “هذا يعني أنه لم يعد هناك أي خطوات قانونية يمكن اتخاذها”.
وأضافت: “عائلة مصطفى بالسعودية مستاءة وخائفة للغاية”.
توقيع الملك
وقال “آل درويش” إنه اعترف بارتكاب جرائم مختلفة تحت التعذيب. فيما قالت عائلته إنه لم يكن لدى “مصطفى” تمثيل قانوني مناسب، وإنهم لم يتمكنوا من معرفة ما يحدث لابنهم.
و”آل درويش” هو أحد أفراد الأقلية الشيعية في المملكة، وتقول منظمات حقوقية إن تلك الطائفة تعاني من التهميش والاضطهاد من قبل الأغلبية السنية، وأن عقوبة الإعدام تستخدم لقمع المعارضة الشيعية في البلاد.
في مارس/آذار 2020، أصدر العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبدالعزيز” مرسوما ينص على أن الجرائم التي يرتكبها القاصرون (أقل من 18 عاما) لن يُعاقب عليها بالإعدام، وأن الأحكام ستقتصر بدلا من ذلك على السجن 10 سنوات.
وأكدت “هيئة حقوق الإنسان” السعودية المدعومة من الدولة في البلاد هذا المرسوم.
في مارس/آذار 2021، تم تغيير أحكام العديد من المحكومين من القاصرين وفقا لذلك. كانوا جميعا أعضاء في الأقلية الشيعية. فقد كانت أعمار كل من “علي محمد النمر”، و”داود المرهون”، و”عبدالله الزاهر” تتراوح بين 15 و 17 عاماً عندما تم القبض عليهم لأول مرة. وكان الثلاثة ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم، لكن يمكن الآن إطلاق سراحهم بحلول عام 2022، بالنظر إلى الفترة التي قضوها في السجن.
ومع ذلك، لا يبدو أن المرسوم الملكي الصادر العام الماضي ينطبق على جميع القاصرين المحكوم عليهم بالإعدام. ومن بين هؤلاء “آل درويش” ورجل آخر يدعى “عبدالله الحويطي”، والذي أدين بتهمة “القتل والسطو المسلح” عام 2017، عندما كان يبلغ من العمر 14 عاما.
ويدعي “الحويطي”، 18 عاما حاليا، أنه بريء، وأنه اعترف بما نسب له من اتهامات تحت التعذيب وهناك ادلة تثبت انه لم يكن في موقع الجريمة وقت حدوثها.
وقال المستشار القانوني بـ”المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان”، “طه الحاجي”: “وعود السلطات السعودية بعدم إعدام القاصرين كانت موضع ترحيب، لكن حتى بعد تقديمها، كنا قلقين بالفعل بشأن إمكانية الالتفاف عليها”.
منذ عام 2018، كان لدى السعودية قانون يمنع عقوبة الإعدام على الجرائم التي يرتكبها الأحداث، لكنه الأمر في الممارسة العملية مفتوح للتفسير ويمكن التحايل عليه.
وبحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش”، اتُهم بعض المذنبين القصر “بالسعي لزعزعة النسيج الاجتماعي من خلال المشاركة في الاحتجاجات ومواكب تشييع الجنازات” و “ترديد شعارات معادية للنظام”. وصنف المدعون هذه الجرائم على أنها خطيرة للغاية بموجب الشريعة الإسلامية، وطلبوا بناءً على ذلك بإنزال عقوبة الإعدام بحق مرتكبيها.
وقال نائب مدير قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”، “مايكل بيج”، في بيان، إن “خبراء العلاقات العامة السعوديين يروجون للإصلاحات القضائية على أنها تقدم، بينما يبدو أن المدعين يتجاهلونها بشكل صارخ ويستمرون في العمل كالمعتاد”.
وأضاف “بيج”: “إذا كانت المملكة جادة في إصلاح نظام العدالة الجنائية، فعليها أن تبدأ بحظر عقوبة الإعدام ضد القاصرين في جميع الحالات”.
انعدام الشفافية في النظام القضائي السعودي يعني أن ظروف الاعتقال يمكن أن تتغير أيضا، بحسب ناشطين في “المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان”.
وقالت “دهيني”: “السلطات تتلاعب بالشروط والأحكام”؛ فـ”على سبيل المثال، سيبقون الشخص في السجن لسنوات، ثم قد يضيفون شيئا إلى لائحة الاتهام، ويقولون إن هذا الشخص كان بالغًا عندما ارتكب هذه الجريمة”.
إعدامات جماعية تلوح في الأفق؟
إضافة إلى التطورات المقلقة في قضايا عقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها قاصرون، قال ناشطون في “المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان” إنهم قلقون أيضا بشأن الإشارات الواردة من المملكة حول احتمال تنظيم عملية إعدام جماعية بحق محكوم عليهم بالإعدام.
في أبريل/نيسان 2019، نفذت المملكة عملية إعدام جماعية طالت 37 رجلا، بينهم شخصان كانا طفلين وقت ارتكاب جرائمهما، وفي يناير/كانون الثاني 2016، نفذت عملية إعداد جماعية شملت 47 رجلا.
وتعد السعودية رائدة على مستوى العالم في مجال عقوبة الإعدام. وكانت عمليات الإعدام في المملكة أقل من المتوسط في عام 2020؛ حيث أبلغت هيئة حقوق الإنسان في البلاد عن إعدام 27 شخصا العام الماضي. لكن ذلك جاء بعد عام قياسي في عمليات الإعدام في عام 2019، عندما تم إعداد العقوبة في 184 شخصا.
وقالت الناشطة “جييد بسيوني”، التي تقود منظمة “ريبريف” المناهضة لعقوبة الإعدام والتي تركز على الشرق الأوسط، إن انخفاض الإعدامات المنفذة في عام 2020 يمكن أن يُعزى إلى عدد من العوامل. وفي الغالب كان لهذه القضايا علاقة بالوباء، ولكن أيضًا بسبب “وقف غير رسمي واضح لتنفيذ أحكام الإعدام في جرائم المخدرات غير العنيفة”.
علامات مقلقة
يخشى ناشطون “المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان” من أن عدد الإعدامات على وشك الارتفاع مرة أخرى، وأشاروا إلى أن العديد من عمليات الإعدام الـ27 في عام 2020 نُفذت في نهاية العام.
وقالت “دهيني”: “هناك عدد من القضايا الأخرى تقترب من خياراتها القانونية الأخيرة في الشهرين المقبلين”.
وهناك حاليا 53 شخصا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم بالسعودية، وفقا لإحصاءات “المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان” في مارس/آذار الماضي.
ويخضع 16 من هؤلاء إلى إجراءات استئناف نهائية، وتم الانتهاء من 3 أحكام بالإعدام، بما في ذلك حكم “آل درويش”.
ومن بين السجناء البالغ عددهم 53 سجينا، ارتكب 5 جرائم عندما كانوا دون سن الثامنة عشرة، وينتمي جميع المحكوم عليهم بالإعدام تقريبا إلى محافظة القطيف، موطن الأقلية الشيعية في البلاد.
وقالت “دهيني”: “كل هذه الخطوات التي يتم اتخاذها الآن ستكون لها عواقب، ونشعر بأن شيئا ما يجري التحضير له”.
وقالت “بسيوني”: “المشكلة هي أنه كانت هناك فجوة مستمرة بين ما تقوله السلطات السعودية بشأن إصلاح العدالة الجنائية وما تفعله”.
وأوضحت: “في الماضي، تبع الحديث عن إنهاء عقوبة الإعدام للأطفال إعدامات جماعية، وعندما نقول إن مصطفى آل درويش وعشرات آخرين معرضون لخطر الإعدام؛ فذلك لأنه قد يحدث بجرة قلم”.
ولم ترد السفارة السعودية في برلين على طلب “دويتشه فيله” للتعليق.