وصل رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام الى مطار صنعاء الدولي في زيارة مع وفد المكتب السلطاني العماني، يوم السبت الماضي، وأكد محمد عبد السلام أنه استكمالا للجهود التي بذلت بسلطنة عمان نحن اليوم في صنعاء لمناقشة كل ما له مصلحة على المستوى الوطني والمنطقة عموما.
ويبدوا أن الوفد العُماني يحمل خلال زيارته إلى صنعاء ملفات جوهرية وأساسية، تتمثل بوقف إطلاق النار، وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، والتهيئة لعودة المفاوضات السياسية.
فعقب أسبوع من الحراك الدبلوماسي المكثف وغير المسبوق للمبعوث الأممي مارتن غريفيث، والمبعوث الأمريكي تيم ليندر كيينغ، ووزيرة الخارجية السويدية آن ليند، ومن دون نتيجة تُذكر، أو على الأقل أفق واضح، طار وفد من المكتب السلطاني العُماني على جناح السرعة إلى العاصمة اليمنية صنعاء، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ سنوات، ويُرجح أنها بطلب أمريكي مباشر، لكونها جاءت بعد يوم واحد من اتصال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بنظيره العماني بدر بن حمد البوسعيدي.
الوفد العُماني قدم من مسقط على متن طائرة صغيرة تابعة لسلاح الجو السلطاني، برفقة الوفد الوطني المفاوض المقيم هناك منذ العام 2018، في زيارة تهدف إلى “استكمال الجهود التي بُذلت في السلطنة خلال الفترة الماضية، والتباحث في فرص الدفع بعملية ترتيبات الوضع الإنساني وعملية السلام”، كما صرح رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام فور وصوله إلى مطار صنعاء.
انزعاج العدوان ومرتزقته
أزعجت زيارة الوفد العُماني للعاصمة صنعاءَ تحالُفَ العدوان ومرتزِقتَه بشكل كبير؛ لما تترجمُه هذه الزيارة من كسر للعزلة الدبلوماسية التي حاولوا فرضَها على صنعاء؛ ولما تمثله من دليل واضح على فشل مساعي الابتزاز ومقايضة المِـلَـفِّ الإنساني بالمِـلَـفَّات العسكرية والسياسية التي حاولوا فرضها خلال الفترة الماضية على طاولة المفاوضات، الأمر الذي يقطعُ الطريقَ أمام العدوّ الراغب بإطالة أمد العدوان والحصار، كما يقلق مرتزِقته الذين يقتاتون على تحقيق تلك الرغبة.
ظهر ذلك الانزعـاج بوضوح في محاولات هستيرية للتشويش على المشهد الدبلوماسي إعلامياً، حَيث لجأت وسائل إعلام المرتزِقة بسرعة وبشكل مرتبك، عقبَ الإعلان عن وصول الوفد، إلى التشكيكِ في نوايا سلطنة عمان وموقفها تجاه اليمن، متَّكئِين على الخطاب غير الجديد الذي تموله دول العدوان، والذي يتهم السلطنة بأنها تساعد صنعاء عسكريًّا وسياسيًّا، على الرغم من أن وزيرَ خارجية المرتزِقة كان قد وصل في اليوم نفسِه إلى مسقط!
وسائلُ الإعلام السعوديّة حاولت هي الأُخرى التعاطيَ مع الأمر وفقاً للسياق نفسه، وحاولت صحيفةُ “الشرق الأوسط” التقليلَ من شأن زيارة الوفد العُماني، بشكلٍ طفولي، من خلال وصفها أنها “غير مجدولة”، محاولةً تحميلَ سلطنة عُمان وِزْراً وهمياً لقيامها بهذا الدور، بمقابلِ محاولة إضفاء أهميّةٍ كبيرة على زيارة المرتزِق بن مبارك “المجدولة” إلى مسقط، ووصفها بأنها تأتي ضمنَ الجهود المُستمرّة لإرغام صنعاء على القبول بالمقترحات الأمريكية والأممية التي سبق رفضُها!!
اختلاق جريمة وتسيسها للتشويش
تطور انزعاج مرتزقة العدوان، من زيارة الوفد السلطاني لصنعاء، ووصلت محاولات تشويش المرتزقة للزيارة لاحقاً إلى اختلاق “جريمة” وهمية تم اتّهامُ صنعاء بارتكابها في مأرب، لكنها لم تكن أكثرَ تماسكاً من محاولة التشكيك في النوايا العُمانية، إذ وُلِدَت هذه الدعايةُ مشوهةً منذ البداية وحاملةً دلائلَ زيفها وأهدافها المشبوهة بشكل واضح.
فإضافةً إلى جانب الحقيقة المترسخة على الواقع، في أن قواتِ الجيش واللجان الشعبيّة لا تستهدفُ المدنيين، عَجِزَ العدوُّ الذي يمتلكُ عشراتِ القنوات والمراسلين والنشطاء في مأرب، عن تقديمِ أي دليل بسيط يشيرُ إلى وقوع “المجزرة” المزعومة، فضلاً عن إثبات مسؤولية صنعاء عنها.
وزعم مرتزقة العدوان، عن سقوطَ العديد من الضحايا لكن كُـلّ ما قدمه كان صورةً واحدةً تظهر جَسَداً محترقاً ملفوفاً بكيسٍ أبيضَ، وبعد قُرابةَ 24 ساعة من مطالبات نشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بتصوير مكان الحادث المزعوم وبقية الضحايا، بثت وسائلُ إعلام العدوّ صورة أُخرى تظهر جسداً محترقاً (مختلف بشكل كامل عن السابق لكنها زعمت أنه لنفس الضحية) إلى جانب جسد أكبر قليلًا، موضوعين في كيسين أبيضين، داخل ما بدا أنه مستشفى، الأمر الذي لا يتضمنُ أَيْـضاً أيَّ دليل مهني على وقوع “الجريمة” المزعومة أَو على طبيعتها أَو حتى على مكانها أَو عدد ضحاياها.
لم يخفِ العدوُّ مسعاه الحقيقيَّ من وراء اختلاق هذه القصة منذ البداية، إذ دفع بمرتزِقته وعلى رأسهم حزب الإصلاح، نحو محاولة توظيف الكذبة لاتّهام صنعاء بأنها “تعرقل جهود السلام” ولخلق “رأي عام” موجِّهٍ للتأثير على موقف سلطنة عمان ووفدها المتواجد في صنعاء لبحث مِـلَـفَّات السلام والمِـلَـفِّ الإنساني.
ونظراً لفشلِ المرتزِقة في الترويج لكذبة “جريمة مأرب” بالشكل المطلوب، دخل العدوّ نفسه على الخط، إذ تبنى كُـلٌّ من السفير البريطاني في اليمن، والقائم بأعمال السفير الأمريكي، الرواية، وتم استصدارُ مجموعة من “الإدانات” من قبل الأطراف الإقليمية المعروفة التي يلجأ إليها النظامُ السعوديّ بشكل متكرّر لهذه المهمة.
حقيقة استهداف محطة مأرب
وكانت وضحت مصادر محلية بمحافظة مأرب، وأكدت وجود 9 محطات بترول مدنية بمحيط المنطقة العسكرية الثالثه، مؤكداةً ان جميع المحطات التسع سليمة.
كما أكد المصدر ان القصف طال محطة القاعدة الادارية العسكرية، وهي احدى المحطات العسكرية الثلاث المتواجدة داخل حرم المنطقة العسكرية الثالثه. وأضاف المصدر “فكيف سقط مدنيين في هذا الاستهداف الذي طال هدف عسكري (محطة القاعدة الاداريه) بداخل المنطقة العسكرية الثالثه؟!
الحوثي يطالب بتحقيق دولي
على ذات السياق، طالب عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، بتحقيق لجان مستقلة في الموضوع بخصوص ما قيل في مأرب اليوم أو ما هو حاصل من قتل لأطفال والمدنيين في جميع المحافظات ممن استهدفتهم أمريكا وتحالفها. موكداً أنه سأل وزارة الدفاع، وأفادته أن “الجيش واللجان الشعبية” قصفت فقط معسكرا بمدينة مأرب السبت الماضي.
وأكد الحوثي أن ما أثبتته التحقيقات فستلتزم الوزارة بدفع التعويضات وأي شيء يلزم عليها، فنحن حريصين كماهم الأخوة بالدفاع على أن يلتزم الجميع بالتوجيهات التي أصدرها قائد الثورة منذ اليوم الأول للعدوان، وهو الرد على مصدر النيران وعدم استهداف المدنيين كما هو موجود بالقانون اليمني.
الفشل أمريكي يلجأ إلى “الوسيط العماني”
ونتيجة فشل الأمريكي في فرض الحلول الجاهزة والمعلبة عبر المبعوثين الأمريكي والأممي، لجأ إلى استراتيجية تعدد الوسطاء، ووقع اختياره على الوسيط العُماني هذه المرة، وهو يعرف أن صنعاء تقدر عالياً سلطنة عُمان، التي تحترم حق الجوار، والتي أدت دوراً إيجابياً على الصعيد الإنساني والسياسي، ورفضت باكراً في عهد السلطان قابوس الانخراط في تحالف العدوان على اليمن.
وهو النهج الذي مضى عليه السلطان هيثم، وبالتالي قد تعتقد واشنطن بأن الوسيط العُماني سينجح في هذه المهمة، كما نجح في التوسط للإفراج عن عدد من الجواسيس الأميركيين الذين احتجزتهم الأجهزة الأمنية في صنعاء، ما يرجح نجاح السلطنة في تحقيق اختراق ما، وخصوصاً أنها تتبنى مدرسة خاصة لا تشبه نظيراتها في الخليج، إذ تنتهج الحياد الموضوعي بعدم التدخل في شؤون الدول.
ولعمان تجربة تأريخية في التوسط وتقريب المسافات بين الأطراف المتباعدة، من الاتفاق النووي الإيراني، إلى المصالحات في الخليج والتكامل الخليجي، مروراً بموقفها المحايد حيال الأزمتين السورية والليبية، وصولاً إلى الملف اليمني.
وتحظى عمان في الملف اليمني خصوصاً باحترام الفرقاء اليمنيين، على اختلاف مشاربهم السياسية ومذاهبهم، كما أن دورها الإيجابي في اليمن نابع من إدراكها أهمية موقعها الجيوسياسي المجاور لليمن، والمطل على الخليج، وبالتالي فإنها تتأثر باستقرار الوضع أو تأزمه في محيطها الجيوسياسي.
على المستوى الدولي، إن للسلطنة علاقات طيبة مع إيران، وأيضاً مع أمريكا، لكن التحدي الأكبر يتمثل في أن علاقاتها ليست مثالية مع السعودية والإمارات، بسبب الأدوار السلبية للرياض وأبو ظبي ضد السلطنة نفسها، وهو ما يهدد مهمتها في اليمن.
ملفات مباحثات الوفد العماني
الملفات الخاضعة للبحث والنقاش في صنعاء هي النقاط الإشكالية والجدلية بين أطراف الحرب المحلية والإقليمية والدولية. وهناك خلاف شديد في ما يتعلق بترتيبها وما يمثل الأولوية بينها، إذ إن هناك تبايناً حاداً في مقاربات الملفات الأربعة.
فثمة طرف يتمسك بضرورة فصل الملفات الإنسانية عن الملفات العسكرية والسياسية، ويجعل الملف الإنساني أولوية على غيره، ويرفض أي مقايضة أو ابتزاز في حقوق إنسانية مكفولة لكل البشرية، ويؤكد أنّ “وصول الدواء والغذاء والمشتقات النفطية إلى الشعب اليمني حقٌ مكفول من دون قيدٍ أو شرط”.
وهي مهمة صعبة أمام الوسيط العماني، في ظل محاولة دول العدوان القفز عن الواقع الإنساني، والإبقاء على الحصار كورقة ضغط وسيف مسلط على رقاب الشعب اليمني، والسعي إلى أن تحقق بالدبلوماسية ما عجزت عنه بالحرب خلال قرابة 7 سنوات.
بل يعتبر أن إنجاز اتفاق إنساني يضمن استمرارية تدفق السفن التجارية وفتح المطارات أمام الرحلات التجارية والإنسانية وغيرها من المواضيع الإنسانية، أهم خطوة لبناء الثقة، وأهم خطوة تمهيدية للدخول في نقاشات أوسع لوقف دائم لإطلاق النار وتسوية سياسية شاملة.
وهو ما سمعه غريفيث من قائد الثورة “السيد عبد الملك الحوثي” في العاصمة صنعاء قبل أسبوع، مع ترحيب صنعاء بأي جهد دبلوماسي لرفع الحصار أولاً، والتمهيد لمفاوضات وقف إطلاق النار الشامل، وإعلانها مؤخراً على لسان السيد عبد الملك، في خطاب بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة، بأن الطريق معبّد للسلام، شرط إنهاء العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال.
مؤشرات ايجابية للزيارة
تبدو الزيارة من حيث الشكل مؤشراً إيجابياً وباعثاً على التفاؤل نسبياً، بعد أجواء مشحونة بالتشاؤم وتبادل الاتهامات بعرقلة مسار السلام، على أمل أن تدفع هذه الزيارة باتجاه حلول عاجلة لملف إنساني كارثي أنتجته الحرب الظالمة والحصار الجائر على اليمن منذ قرابة 7 سنوات، وذلك بدءاً بفتح المطارات أمام الرحلات الجوية التجارية والإنسانية المتوقفة منذ قرابة 5 سنوات، وفتح ميناء الحديدة، الشريان الأساسي لأكثر من 20 مليون نسمة، وضمان تدفق السلع والخدمات إليه من دون قيود وشروط.
وقد التقى الوفد العماني عدداً من القيادات في صنعاء، أبرزها رئيس المجلس السياسي الأعلى. ومن المرجح أن يلتقي، اليوم الإثنين، قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي. ولم ترشح حتى اللحظة أي معلومات عن خلاصات ونتائج المباحثات الدائرة في غرف مغلقة، وسط تكتّم شديد على مخرجاتها وخلاصاتها، وبالتالي مآلاتها.
ومن المتوقع إعلان النتائج بعد نضوج الأمور، ذلك أن صنعاء تثق بزيارة الوسيط العُماني وصدق نياته، لكنها في المقابل لا تثق بصدق نيات الأمريكي والسعودي. ورغم ذلك، يبدو البعض متفائلاً بإمكانية إحداث خرق في جدار الأزمة، إذ ترجّح مصادر دبلوماسية أمريكية أن “الوساطة العُمانية لا يمكن أن تتحرك من لا شيء، بل من مطلق الشعور بأن هناك فرصة مؤاتية لحل العقد ووضع السلام على المسار الصحيح”.