شكّل الجيش الإسرائيلي 14 فريقا للتحقيق في الدروس العسكرية التي تعالت من العدوان على غزة، لكن على ما يبدو أنها لن تتناول الجرائم التي ارتكبها في قطاع غزة، مثل العدد الكبير من الشهداء المدنيين وخاصة الأطفال والدمار الهائل للمباني والبنية التحتية. وستركز التحقيقات بالأساس على المعلومات الاستخبارية التي جُمعت، احتياطي الذخيرة والصواريخ الاعتراضية، الجبهة الداخلية الإسرائيلية والوعي. وستعقد هيئة الأركان العامة الإسرائيلية ورشة عمل تستمر عدة أيام من أجل استخلاص الدروس والاستنتاجات من هذا العدوان، بعد شهر ونصف الشهر.
وسيشمل كل واحد من هذه التحقيقات تطرقا إلى حرب أكبر وأوسع مع حزب الله، يعتبر الإسرائيليون أنها حاصلة لا محالة.
ونقلت صحيفة “اسرائيل هيوم”، في تقرير نشرته اليوم الجمعة، عن ضباط كبار في القوات النظامية والاحتياط في جيش العدو الإسرائيلي، تحذيرهم من أن “النشوة تسيطر على الأجواء في هيئة الأركان العامة. شعور بانتصار عسكري باهر. وهناك من يتحدث بمصطلحات حرب الأيام الستة” أي حرب حزيران/يونيو العام 1967.
وأشار المحلل العسكري في الصحيفة، يوءاف ليمور، إلى “وجود فرق كبير جدا بين الشعور بالاستياء لدى الجمهور وإدراكه بأنه لم يتغير شيئا، وبين النصوص التي تتعالى في مقر وزارة الأمن في تلأبيب التي تتحدث عن انتصار واضح. وهنا فجوة مذهلة أيضا في شكل رؤية الجيش الإسرائيلي للمعركة وبين الشكل الذي يرونه في المنطقة، كانتصار حماس أو التعادل على الأقل… وجيش العدو الإسرائيلي لم ينجح في تقليص ملموس لإطلاق القذائف الصاروخية باتجاه إسرائيل، ولم ينجح باغتيال قيادة حماس”.
وقال للصحيفة الباحث في “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، راز تسيمت، “عندنا يقيسون الكيلومترات (من الأنفاق التي استهدفت) ويعدّون الجثث. ويرى أعداءنا ذلك بشكل مختلف، وبنظرة أوسع. وبالنسبة لهم، ثبت مجددا أنه بالإمكان خوض مواجهة متواصلة مع إسرائيل والصمود فيها”.
وأشار ليمور إلى أن “الصورة الشاملة (للعدوان) أقل وضوحا وتستوجب من إسرائيل النظر إليها باستقامة وإعادة التفكير”، لكنه ادعى أن هذا ما يعتزم الجيش الإسرائيلي تنفيه من خلال فرق التحقيق التي شكلها. رغم ذلك، أضاف أن “جيش العدو الإسرائيلي مقتنع بأنه انتصر. وهذا قد يعميه ويمتنع عن تحقيق معمق وصادق لكل ما ينبغي فعله”.
وقال تسيمت إنه “لا مصلحة لحزب الله بإشعال لبنان. وليس مهما للإيرانيين أن غزة تُضرب وحماس تدفع الثمن، لكن لبنان هو أمر آخر. حزب الله بالنسبة لهم هو كنز إستراتيجي، تم بناؤه من أجل ردع إسرائيل من هجوم ضد برنامجهم النووي. ولا يخاطرون بكنز كهذا مجانا”.
وأردف “لذلك، فإن احتمال مبادرة حزب الله لمعركة ضئيل جدا. وحزب الله مرتدع منذ العام 2006، ومنشغل جدا بمشاكل لبنان الداخلية – الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة وكورونا وعواقبها. والإيرانيون لن يسمحوا لحزب الله بإشعال لبنان. فمصلحتهم العليا الآن هي العودة إلى الاتفاق النووي، رفع العقوبات وترميم الاقتصاد في إيران. وهم لا يريدون توجيه النيران إليهم مرة أخرى، كمسؤولين عن انعدام الاستقرار في المنطقة”.
وتشير تقديرات الجيش الإسرائيلي إلى أن بحوزة حزب الله ما بين 80 – إلى 140 ألف صاروخ وقذيفة صاروخية، بينما تقديرات حيال غزة هو وجود 14 الف قذيفة صاروخية بحوزة حماس، قبل العدوان الأخير، التي أطلقت خلاله أكثر من 4 آلاف منها.
وقال ضابط إسرائيلي كبير للصحيفة، إن “أحد المقاييس الأساسية التي منحت المواطن الإسرائيلي شعورا بأن الأمور في غزة تحت السيطرة هي قلة الإصابات في الجبهة الداخلية الإسرائيلية. ونفذت القبة الحديدية مهمتها، وسمحت لصناع القرار بالعمل من دون ضغوط. والوضع في لبنان سيكون مختلفا”.
وأضاف أن “حزب الله رأى أن القبة الحديدية واجهت التحدي من غزة جيدا، وسيحاول التعلم من ذلك. وهو يبحث عن أعناق زجاجات. وعلى الأرجح أن نراه يزيد الرشقات، وطبعا هو يواصل العمل على تحسين دقة الصواريخ. وعلى ما يبدو أننا سنراه يحاول استهداف بطاريات القبة الحديدية نفسها. وفي جميع الأحوال، القبة الحديدية ستواجه صعوبة بالعمل مقابل أعداد القذائف الصاروخية التي بحوزة حزب الله، وسيصعب عليها إعطاء النتائج نفسها. وعدد القتلى والمصابين في إسرائيل سيكون أكبر بكثير والدمار هائل، في جميع أنحاء البلاد. والجمهور سيكون مصدوما. وهذه مسألة دراماتيكية، لأن مناعة الجبهة الداخلية هي عنصر بالغ الأهمية في القتال”.
وقال الرئيس السابق لشعبة العملية في الجيش الإسرائيلي، يسرائيل زيف، إن “وضعا كهذا يستوجب منا الانتقال فورا من القبة الحديدية إلى مفهوم الغطاء الحديدي. ليس فقط الدفاع، وإنما بناء منظومة ناجعة، تتمكن من استهداف قذائف حزب الله الصاروخية على الأرض أو من فوق سمائهم. وهذا سيكون تحولا إستراتيجيا يغير المعادلة. ولا يوجد خيار آخر”.
واعتبر رئيس شعبة التخطيط السابق ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، غيورا آيلاند، أنه “لأنهم سيخترقون الحدود، فسنكون ملزمين بالدخول إلى لبنان، والدفاع من مكان بعيد عن حدودنا. والسؤال هو إلى أي عمق ندخل. أربعة أو خمسة كيلومترات، أو أعمق بكثير، هو سؤال هام. والمهم هو أن نستوعب أنه لن يكون هناك مفرا من شن عملية عسكرية برية فورية”.
وفي حال الحرب مع حزب الله، فإن التقديرات الإسرائيلية ترى أنه سيتم استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي “في جميع قواعد سلاح الجو”. وقال مسؤول إسرائيلي رفيع أن “نصر الله سيبحث عن حل لتفوقنا الجوي، لأنه يعلم أنه من دون ذلك سيقف عاريا ومن قدرة حقيقية للدفاع عن نفسه”.
وقال آيلاند إن “الجيش الإسرائيلي مقتنع بأنه قادر على هزم حزب الله عسكريا، لكن هذه معركة تستوجب تفكيرا آخر، تجهيزا آخر، تحالفا آخر، وأنا لست متأكدا من أنه في هيئة الأركان العامة يدركون ذلك. ويجب بلورة إستراتيجية واضحة حول ضد من ومن أجل ماذا نحارب. هل نحارب حزب الله فقط، أم دولة لبنان أيضا، التي تمنحه مأوى. ولا يمكن بدء التداول في ذلك عندما تُفتح النيران”.
وحذر آيلاند من كمية الدمار والقتلى في الحرب القادمة، وأن هذا الأمر يستدعي تجهيزا واستعدادا مسبقا. “وغزة كانت دعوة للاستيقاط لمدى جهوزيتنا لحرب في الشمال. ويحظر علينا تجاهلها”.
حرب تهدد وجود إسرائيل
من جانبه، رأى مفوض شكاوى الجنود في الجيش الإسرائيلي، يتسحاق بريك، في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، اليوم، أن “إسرائيل ليست جاهزة لحرب في الشمال. نقطة”.
وأشار بريك إلى أن “حماس أثبتت قدرة على صمود صلب واستمرت في إطلاق قذائف صاروخية حتى بعد هجوم غير مسبوق لسلاح الجو والاستهداف الشديد للنى التحتية في غزة ولقسم من قادتها وبيوتهم. وحماس لم ترتدع، وأيديولوجيتها تشكل لها مصدر إيحاء. وشلّت طوال المعركة معظم الدولة، وتسببت بأضرار اقتصادية بمليار دولار. وتكلفة آلاف القنابل الدقيقة التي أنزلتها طائراتنا على أهداف في غزة كانت هائلة”.
وأضاف بريك، الذي تولى في الماضي منصبي قائد الكليات العسكرية وقائد فيلق، أن “حماس والجهاد الإسلامي سخرتا منا، عندما استمرتا بإطلاق القذائف الصاروخية دون توقف، وبضمن ذلك تجاه وسط البلاد، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة ووزير الأمن ورئيس أركان الجيش أنه سيصعب عليهم الانتعاش من الدمار الذي ألحقناه بهما. (لكن) حماس والجهاد هما اللذان قررا كتى يبدأ إطلاق القذائف الصاروخية ومتى تتوقف، ولذلك فإن سلاح الجو فشل فشلا ذريعا في مهمته الأساسية، وهي إيقاف إطلاق القذائف الصاروخية من غزة”.
ورأى بريك أنه “إذا فشل سلاح الجو في غزة بوقف إطلاق القذائف الصاروخية، فإنه سيفشل بالتأكيد في ذلك حلال حرب متعددة الجبهات. إذا سيستمر إطلاق صواريخ دقيقة ومدمرة من كافة الجهات. والعواقب ستكون وخيمة”.
ولفت إلى أنه “خلافا لغزة، في حرب متعددة الجبهات ستُطلق على إسرائيل آلاف الصواريخ والقذائف الصاروخية من مناطق تبعد مئات الكيلومترات. وحجم سلاح الجو لن يسمح بشن هجمات في متزامنة ضد مناطق كبيرة كهذه، كما أنه في الأماكن التي سيهاجمها لن يتمكن من إيقاف إطلاق الصواريخ والقذائف الصاروخية منها”.
وأضاف بريك أنه “بمقدور أعدائنا القتال أسابيع وحتى شهور بسبب مخزون الأسلحة الكبير بحوزتهم، ويشمل 250 ألف صاروخ وقذيفة صاروخية. وليس بحوزة إسرائيل احتياطي كاف من الصواريخ المضادة لصواريخ أرض – ارض التي بحوزة العدو، بسبب سعرها المرتفع”.
وشدد بريك أن “على القيادة السياسية والعسكرية التوقف عن استعراضها أمام شعب إسرائيل صورة نصر لا علاقة بينها وبين الواقع الذي نقف أمامه. وعلى قيادتنا التعقل، والدخول إلى مداولات طارئة فورا، واتخاذ قرارات حول تجهيز الجيش لحرب متعددة الجبهات وبلورة مفهوم أمني جديد. وإذا لم يفعلوا شيئا، فإنه يتوقع أن نواجه كارثة، فهذه ستكون حربا تهدد وجودنا وحياتنا في دولة إسرائيل”.