بينما واصلت الوفود الإقليمية والدولية “حجّها” الدبلوماسي بين رام الله وتل أبيب وعمّان وغزة والقاهرة والدوحة، خرج يحيى السنوار، مجدّداً، برسالة تحدٍّ للعدو. كشَف قائد «حماس» في غزة مفاصل الفشل الكبير الذي مُنيت به إسرائيل خلال «سيف القدس»، وطبيعة القوة العسكرية التي تمتلكها الحركة، ودور محور المقاومة، ولاسيما «حزب الله»، في دعم المقاومة بصورة مباشرة أثناء المعركة. كذلك، شدّد السنوار على أن لا هدنة طويلة الأمد من دون انسحاب الاحتلال من الضفة وشرقي القدس، في رسالة لا شكّ أنها وصلت إلى مسمع الوسطاء المدفوعين أميركياً، والذين لا يزالون يعزفون على ملفّ «الهدنة» مقابل «إعادة الإعمار»، التي تؤكّد حماس» أنه لن يُسمح لأحد بـ«ابتزازنا» بها أو بغيرها من الملفّات
المقاومة جاهزة بنسبة فعالية تتخطى 95% وأن ما تضرر أقل بكثير مما قاله العدو
حمل خطاب قائد حركة «حماس» في قطاع غزة، يحيى السنوار، «القليلِ الظهور على الإعلام»، خلال لقاء مع الصحافيين في غزة أمس، رسائل متعددة الاتجاهات إلى كيان العدو و»المجتمع الدولي» وجمهور المقاومة حول قوة الفصائل وقدراتها التي راكمتها على مدار سنوات بدعم من محور المقاومة، على رغم الحصار.
السنوار قال إن «الاحتلال انغرّ بالهرولة إلى التطبيع العام المنصرم، فظنوا أنهم يستطيعون فعل ما يشاؤون ولم يعلم أن تطبيعه مع فئة قليلة، لكن الأمة قلبها ينبض بحب القدس»، محذراً الاحتلال من «المساس بالأقصى»، ومردفاً: «جاهزون في محور المقاومة للمعركة الكبرى إذا ارتكب العدو حماقة كبرى في القدس والمقدسات».
وفي رسالة إلى الأطراف التي وجهت انتقاداً إلى «حماس» بعد شكرها إيران وعودتها بقوة إلى المحور، جدّد السنوار شكره للجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة «الذين لم يبخلوا عن المقاومة بالمال والسلاح والخبرات»، كاشفاً أن «الرشقات والطائرة التي أُرسلت خلال المعركة كانت بتنسيق كامل بين المقاومة في لبنان وغزة، وقد كان هناك تعاون استخباري كبير خلال المعركة بين الحزب والمقاومة».
كما أشار إلى أنه شاهد «كلام الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، وكنت على اهتمام بكلامه بأن أيّ مساس بالقدس سيؤدي إلى حرب إقليمية»، لافتاً إلى أن هذه الجولة مجرد «بروفة» لما يمكن أن يكون في حال لعب الاحتلال بالنار.
وفي رسالة إلى «المجتمع الدولي» ، قال السنوار إن لدى هذا المجتمع «الفرصة لإلزام الاحتلال بالقانون الدولي والاتفاقات الدولية، لتصبح الفرصة مهيّأة لهدنة طويلة الأمد»، موضحاً: «إذا انسحب الاحتلال من الضفة وشرقي القدس، وأقمنا دولتنا على جزء من أرضنا، ستكون الفرصة متاحة لتوقيع هدنة طويلة الأمد».
وعلى الصعيد الميداني، كشف أن الاحتلال وقع في فشل استخباراتي كبير، فهو «خطط لسنوات لعملية يغتال خلالها الصف الأول للحركة بضربة واحدة، لكنهم فشلوا في ذلك»، مشيراً إلى أن «استخبارات القسام كانت مطلعة على خطط الاحتلال الإسرائيلي، ولم تنطلِ عليها خدعة الهجوم البري، وعليه لم ينل الاحتلال من مقاتل واحد في خدعة الهجوم البري التي شاركت فيها 160 طائرة… الضرر الذي لحق في شبكة الأنفاق لم يصل إلى 5%، وستتم معالجته خلال أيام معدودة».
وبشأن حالة التصنيع، أكد قائد «حماس» في غزة أن «ورش التصنيع ومخازن الأسلحة وغرف إدارة العمليات تعمل بكفاءة تزيد على 95%»، وأن «كتائب القسام كانت تخطط لإنهاء المعركة برشقة صاروخية من 300 قذيفة نصفها على تل أبيب وغوش دان، لكن إكراماً لإخواننا في مصر وقطر والوسطاء قررنا إيقافها». وتابع: «يقولون إن ما دمره الاحتلال من أنفاق المقاومة هو 100 كلم وهذا غير صحيح، فما دُمّر سيعاد ترميمه خلال أيام، ولدينا 500 كلم من الأنفاق تحت الأرض وإسرائيل لم تلحق ضرراً سوى بـ5% منها».
وحول إعادة إعمار غزة التي باتت تمثّل الملف الأساسي الآن بعد الحرب، قال السنوار: «سنفتح المجال للجميع لإنعاش الاقتصاد في غزة، ولن نطلب قرشاً واحداً لحماس أو القسام الذي لديه مصادره المالية التي تغنيه عن أموال المساعدات للشعب الفلسطيني»، مجدداً تأكيده أن «فصائل المقاومة ليست في حاجة إلى أموال الإعمار».
واستدرك: «الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو اجتماع هنا وهناك، لا يناسب مستوى المعركة… منظمة التحرير من غير حماس والجهاد وقوتهما العسكرية لا تمثل سوى صالون ثقافي وسياسي». لكنه شدد على أننا «سعداء بتحسن الاتصالات السياسية مع السلطة، ولن تنجح المخططات الأميركية في زيادة الشقاق».
وعدت واشنطن بأنها ستقدّم 360 مليون دولار والدوحة 500 مليون
في سياق متصل، علمت «الأخبار» أن الهدف من المحادثات التي دُعيت إليها «حماس» في مصر هو «مناقشة إمكانية تهدئة طويلة الأمد وقضية الأسرى والمفقودين في غزة»، فيما حددت إسرائيل شرطَين للمحادثات: الأول أن تجري في قناتَين منفصلتَين، والآخر أن كل تقدم في إعادة إعمار غزة سيكون مشروطاً بإحراز تقدم في قضية الأسرى والمفقودين.
وعلى خط موازٍ، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، منح بلاده 360 مليون دولار «مساعدات عاجلة للفلسطينيين»، ليتبعه وزير الخارجية القطري، محمد آل ثاني، بإعلان تقديم بلاده 500 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع، في وقت تواصل فيه القاهرة اتصالاتها وزيارات وفدها الأمني لتثبيت التهدئة، بالتزامن مع الحديث إلى أطراف دولية حول «إطلاق عملية السلام» مجدداً، و«تشكيل هيئة دولية لإعادة الإعمار».
وفي إشارة إلى رغبة واشنطن في خفض التوتر وتراجع إدارة جو بايدن عن خطوات سابقة كنقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس المحتلة، أعلن بلينكن أن فتح القنصلية الأميركية في المدينة يحتاج إلى بعض الوقت، لافتاً عقب سلسلة زيارات في المنطقة إلى أن «الولايات المتحدة تعمل مع إسرائيل والسلطة والأمم المتحدة لتحديد أولويات غزة، وتجنب إطلاق دوامة العنف مجدداً، وإيجاد الظروف الأفضل وصولاً إلى حل الدولتين».
وحول طبيعة الدعم الأميركي لغزة، قال: «ما يتطلبه البناء والإغاثة للفلسطينيين أو لسكان غزة هو ليس بالاستجابة فقط وتلبية الاحتياجات الفورية مثل الصرف الصحي والكهرباء التي تم طلبها ولكن هناك حاجة أيضاً إلى آفاق حقيقية تجاه حياة أفضل للناس».
وضمن مساعي الاحتلال للتراجع عن الخطوات التي قد تؤجج الأوضاع في غزة، كشفت وسائل إعلام عبرية أنه تقرّر اليوم فتح معبر «كرم أبو سالم» وإدخال كميات من الوقود بعد يوم من فتح بحر غزة جزئياً أمام الصيادين.
في سياق ذي صلة، يواصل رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، لقاءاته للتباحث في إعادة الإعمار، إذ التقى المنسق الخاص للأمم المتحدة لـ«عملية السلام» في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، وممثل الاتحاد الأوروبي لدى فلسطين، سفين كون فون بورغسدورف، وممثل البنك الدولي لدى فلسطين، كانثان شانكار، في مكتبه في رام الله. لكن تصريحات أدلى بها ماتياس شمالي، وهو مدير عمليات «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (الأونروا) في قطاع غزة، للقناة الـ12 العبرية.
أثارت غضباً فلسطينياً، جراء قوله، إن «ضربات الجيش الإسرائيلي كانت حرفية وعلى دقة عالية، ولم تكن هناك أهداف مدنية إلا بعض الاستثناءات»، لتُعبّر «حماس» عن صدمتها من تصريحاته، متهمة إياه بأنه «نصّب نفسه محللاً عسكرياً وناطقاً باسم جيش الاحتلال»، فيما دعت «الجهاد الإسلامي إلى «عزل شمالي من مهامه»، مطالبة إدارة «الأونروا» بـ«الاعتذار وإلزام مسؤوليها بمهام عملهم في حماية اللاجئين الفلسطينيين».
وفي وقت متأخر أمس، قال شمالي: «أعتذر عن تصريحاتي وجيش الاحتلال قتل 200 من المدنيين بغزة ويجب محاسبته»، مضيفاً أنه يأسف ويعتذر، «لأن قتل الأطفال يحطّم كلّ قوانين الحرب ويجب ألا يفلت من قام بذلك من العقاب».