جاء رد فعل الرئيس الأمريكي جو بايدن على عنف كيان العدو الإسرائيلي المتزايد ضد المدنيين في قطاع غزة مخيباً لآمال كثير من الأمريكيين، الذين انتظروا منه موقفاً أكثر جدية يحترم الإنسانية ويساعده على الوفاء بعهوده بضمان احترام حقوق الإنسان.
في مقال رأي نُشر في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، قال الصحفي إيشان تارور إن شرخاً آخذ في التزايد ظهر داخل الحزب الديمقراطي، حيث يشعر المشرعون في اليسار بالإحباط من عدم رغبة بايدن في أن يكونوا أكثر انتقادًا٩٠)؛ (قاطع عدد من المنظمات الإسلامية الأمريكية الرائدة في مجال الدعوة حدث العيد الافتراضي -الأحد- لبايدن باعتبار أن الإدارة كانت “متواطئة” في مضاعفة معاناة الفلسطينيين.
من جهته، أصدر بايدن عددًا من البيانات الفاترة يحث فيها على التهدئة والتأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مع المراوغة بشأن إدانة ما فعلته القوات الإسرائيلية بالمدنيين في غزة، بل قامت الولايات المتحدة بحماية الكيان الإسرائيلي مجدداً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
حيث رفضت أن يُوجه إليها أي شكل من أشكال اللوم من خلال منع بيان يدعو إلى وقف إطلاق النار، الذي أكد نتنياهو أنه إسرائيل لن تتوقف عنه ولن تخفف من تصعيدها مهما كلف الأمر.
وتسببت غارة إسرائيلية فجر الأحد على المنطقة المحاصرةمن استشهاد 42 شخصًا، من بينهم 10 أطفال، وفقًا لمسؤولين صحفيين في غزة، كما تسبب القصف الإسرائيلي حتى الآن في استشهاد ما لا يقل عن 192 شخصًا في غزة، بينهم 58 طفلاً، منذ اندلاع القتال الأسبوع الماضي.
بينما برر كيان العدو الإسرائيلي قصفها لأهداف في غزة بأنه رد ضروري على صواريخ حماس، فقد أدى هجومها المستمر إلى مقتل المدنيين الأبرياء وتدمير البنية التحتية الحيوية والمنازل والمباني الشاهقة – بما في ذلك المكاتب التي تستخدمها وسائل الإعلام الدولية.
ما تسبب في نزوح آلاف الفلسطينيين في غزة إلى المنطقة الضيقة، حيث ينتمي العديد من السكان هناك إلى عائلات أجبرت على الفرار من منازلهم وقراهم بعد نكبة 1948 من قبل قوات كيان العدو الإسرائيلي والميليشيات المسلحة، والتي صادف ذكراها السبت الماضي.
إيشان تارور أشار في مقاله إلى الرأي العام الأمريكية الحالي تجاه الأزمة الفلسطينية القائمة، حيث قال إن التأييد لمحنة الفلسطينيين يتصاعد في الكونغرس، يوم الجمعة على سبيل المثال، كتب السناتور بيرني ساندرز مقال رأي في صحيفة نيويورك تايمز سلط الضوء على الواقع الأليم والمأساوي لحياة الملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحصار والاحتلال، وأشار إلى الفوضى التي اندلعت في الأسابيع الأخيرة بسبب استفزاز حشود المتطرفين اليهود في القدس، فضلاً عن المحاولات الإسرائيلية القانونية المشكوك فيها لإجلاء السكان الفلسطينيين قسراً من أحد أحياء المدينة المقدسة المتنازع عليها.
ساندرز لم يدافع عن حماس بالطبع، ولم ينكر سيادة كيان العدو الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنه كتب في مقاله أن كيان العدو الإسرائيلي “بدلاً من التحضير للسلام والعدالة، فإنه يعمل على ترسيخ سيطرته غير المتكافئة وغير الديمقراطية”.
بالإضافة إلى ذلك، أصدر عدد من المشرعين الديمقراطيين، بمن فيهم سياسيون مؤيدون بشدة لكيان العدو الإسرائيلي، بيانات تدين حجم الخسائر الهائل الذي تسببت به الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، سواء في الأرواح أو البنية التحتية، بل تحدث بعضهم بصورة أكثر وضوحاً واتهم الكيان الإسرائيلي صراحة بـ “الفصل العنصري” – وهي تهمة أكدتها في الأشهر الأخيرة تقارير جماعات حقوق الإنسان البارزة، لكنها كانت من المحرمات في واشنطن.
وبالرغم من أن دعم حزبي الكونغرس للكيان الإسرائيلي لا يزال قائماً، يرى المحللون أن الأرضية التي يستند عليها هذا الدعم تتغير بصورة ملحوظة. إن التركيز الجديد على الحقوق الفلسطينية – على عكس الهدف الذي طال تأجيله المتمثل في إقامة دولة فلسطينية – وضع إطارًا أوضح للعدالة الاجتماعية حول الصراع، في هذا السياق كتب ساندرز: “يجب أن نعترف بأن حقوق الفلسطينيين مهمة” وكذلك “حياة الفلسطينيين مهمة”.
خبراء آخرون يرون أن الأوضاع الحالية في فلسطين تُعد بمثابة اختبار شائك بشكل خاص لإدارة بايدن التي أصرت على الدفاع عن حقوق الإنسان في أي مكان في العالم، في مقاله في مجلة فورين بوليسي قال دانيال ليفي إنه “لطالما كانت السياسة الخارجية جيدة في إدارة التناقض والنفاق، ولكن كونها بعيدة كل البعد عن هذه الالتزامات والقيم المعلنة عندما يتعلق الأمر بمعاملة إسرائيل للفلسطينيين فإن هذا يعرض الحكومة الأمريكية إلى نقاط الضعف التي يمكن أن يستغلها الآخرون بسهولة”.
أما جيريمي بن عامي، رئيس J Street ، وهي منظمة مناصرة يسار الوسط مؤيدة لإسرائيل والتي تعكس بشكل متزايد الموقف السائد لليبراليين الأمريكيين، قال للمراسلين الأسبوع الماضي -في إيجاز- إن “الشيك الدبلوماسي على بياض لدولة إسرائيل من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة يعني أن إسرائيل ليس لديها أي نية لإنهاء الاحتلال وإيجاد حل للصراع”.
ربما يكون تحالف الرئيس دونالد ترامب الوثيق مع نتنياهو قد ساعد في تآكل الإجماع القوي بين الحزبين حول الكيان الإسرائيلي، لكن العديد من الديمقراطيين مصدومون من فشل أسلاف ترامب بمن فيهم بايدن نفسه خلال سنوات أوباما، في وقف التوسع المطرد للمستوطنات الإسرائيلية أو فرض أي عقوبات على إسرائيل بسبب تقويضها احتمالات قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. قال بن عامي إن الولايات المتحدة “يجب أن تظل ملتزمة بأمن إسرائيل، لكن عليها أيضًا أن تدرك أنها تسهل الضم المستمر للأراضي الفلسطينية وترسيخ واقع الدولة الواحدة الدائم”.
التغيير في المواقف لم ينحصر داخل الحزب الديمقراطي فقط، بل شمل هذا أيضاً أعداد ليست قليلة من المواطنين الأمريكيين الذين يرون الآن أنه يجب على الحكومة الأمريكية ممارسة المزيد من الضغط على إسرائيل، وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة جالوب هذا العام.
وجد شبلي تلحمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماريلاند، الذي أمضى العقود القليلة الماضية في استطلاع آراء الأمريكيين حول الصراع في فلسطين، أن غالبية الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون أن مشرعيهم يميلون إلى إسرائيل أكثر من الرأي العام الأمريكي.
ووفقًا لبحث تلحمي، فإن غالبية الناخبين الديمقراطيين يؤيدون فرض عقوبات أو على الأقل اتخاذ شكل من أشكال الإجراءات الأكثر صرامة على إسرائيل بسبب توسعها في بناء المستوطنات.