لدى الحديث عن أنواع الحروب تبرز الحرب الاقتصادية كورقة “قوّة” وضغط على العدو. في ميزان الحروب لا يقل هذا النوع أهمية عن الحروب العسكرية والسياسية والإعلامية وغيرها. يبرز هذا السلاح كأداة قادرة على إيلام كيان العدو وإرضاخه. تماماً كما يحصل اليوم حيث يواجه العدو “الإسرائيلي” حرباً اقتصادية تنهار معها المنظومة الاقتصادية الصهيونية. صواريخ المقاومة الفلسطينية فضحت هشاشة القبة الحديدية التي لطالما تغنّى بها الاحتلال.
أما الخسائر الاقتصادية فحدّث ولا حرج. الدمار الاقتصادي الحاصل في كيان العدو لم يشهده الداخل الصهيوني منذ سبعينيات القرن الماضي. الحصون الصهيونية لم تمنع كرة النار التي تدحرجت لتصيب عمق الاقتصاد وتحدث خسائر قدّرت بمليار دولار في اليوم الواحد. الدمار والشلل أصاب قطاعات بالجملة وسط عجز صهيوني واضح تهشّمت معه صورة الجيش الذي لا يقهر. فكيف يقرأ أهل الاقتصاد خسارة العدو الاقتصادية؟ وكم بلغت؟.
بالرغم من تكتم العدو “الإسرائيلي” عن خسائره الاقتصادية الفادحة كأي تكتم آخر أمنياً وعسكرياً، الا أنّ كلفة الحرب الحالية على قطاع غزة تعتبر الأعمق والأكبر منذ حرب أكتوبر 1973. هذا الكلام أتى على لسان رئيس الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية” السابق. الأخير أكّد أنّ الدمار الاقتصادي الذي يحصل في كيان العدو لم يحصل منذ عام 1973 حتى الآن.
تكلفة الحرب لليوم الواحد تبلغ حوالى مليار دولار
وبلغة الأرقام، حجم الخسائر تقديرياً وتقريبياً مستنداً الى ما ذكرته الصحف العالمية ومراكز الدراسات. وفق قراءة خبراء، فإنّ تكلفة الحرب لليوم الواحد تبلغ حوالى مليار دولار تنقسم على عدة قطاعات:
أولاً: إيقاف العمل بمطار “بن غوريون” وتعليق الرحلات الجوية كبّد المطار خسائر فادحة خاصة بعد إلغاء الرحلات التي كانت ستأتي الى الكيان وتوقف الرحلات وإعادة الأموال لأصحاب الحجوزات. هذا الأمر نتج عنه خسائر بحجوزات الفنادق وأماكن الاصطياف السياحية “الاسرائيلية” وهذه الخسائر تقدّر بمئات ملايين الدولارات.
ثانياً: خسائر فادحة بالصناعات “الإسرائيلية”، وهو الأمر الذي تحدّث عنه اتحاد المصنعيين “الاسرائيليين”. بحسب جباعي، الأمر لا يقتصر على الخسائر المباشرة؛ فقطاع الصناعة من أهم القطاعات الإنتاجية في البلد، والصناعيون أكّدوا خسارة 162 مليون دولار في أول ثلاثة أيام من الإقفال فقط. بتقدير الخبير الاقتصادي، في حال أحصينا الخسائر على مدى تسعة أيام فالمبلغ يصل حد الـ500 مليون دولار ما عدا خسائر الاقتصاد المباشرة لجهة إصابة المصانع والتي تقدّر بمئات ملايين الدولارات.
ثالثاً: استهداف محطة غاز تمار والتي يبلغ احتياطها الدائم 275 مليار متر مكعب واحتياطها السنوي 8.2 مليار متر مكعب. بالنسبة لجباعي، فإنّ هذا الاستهداف كبّد العدو خسائر أساسية خصوصاً أنّ هذه المحطة تنتج لـ”إسرائيل” من 1.8 مليار دولار الى 2 مليار دولار سنوياً. وهنا يوضح جباعي أنه عندما تم ضرب هذه المحطة بالصورايخ توقف العمل فيها واضطرت “اسرائيل” لوضع منظومة قبة حديدية لحمايتها.
وفي هذا الصدد، يحضر أمر مهم جداً يتمثّل بقصف المقاومة الفلسطينية لخط نفط إيلات-عسقلان. لهذا الاستهداف دلالات مهمة خصوصاً أنه جرى عقب اتفاق بين “اسرائيل” والإمارات حيث عقدت شركات “إسرائيلية” عقوداً مع الإمارات بلغت أكثر من مليار دولار لتصدير النفط الإماراتي من هذا الخط الى أوروبا.
هذا الأمر توقف بالتأكيد وستكون له انعكاسات سلبية بعد قصفه، فيما كانت “اسرائيل” تشيع في الفترة الأخيرة أنه من الممكن أن يكون بديلاً عن قناة السويس، بتقدير جباعي، فإنّ ضرب هذا الخط من قبل المقاومة الفلسطينية يكبد العدو خسائر لا تقل عن ملياري دولار، والأهم من ذلك -برأي جباعي- أنه لم يعد هناك أمن لهذا الخط ما قد يؤدي لتراجع الشركات العالمية عن اعتماده كبديل عن قناة السويس ليرتب هذا الأمر خسائر اقتصادية ضخمة بالمرحلة القادمة.
خسائر مهمة بسمعة الصناعات “الاسرائيلية” العسكرية
رابعاً: ثمة خسائر مهمة بسمعة الصناعات “الاسرائيلية” العسكرية، فـ”إسرائيل” كانت تتغنى دائماً بصناعاتها العسكرية وخاصة القبة الحديدية التي دفعت عليها مئات ملايين الدولارات لتطويرها وتجهيزها، أضف الى أنّ العديد من الدول الأوروبية كانت تعمل على شراء القبة لحماية نفسها، بموازاة سعي دول عربية لشراء الصواريخ.
لكن بعد فشل القبة الحديدية والتي لم تتمكن من اعتراض سوى 20 الى 30 بالمئة من الصواريخ الفلسطينية فإنّ العديد من الدول ستفكّر كثيراً قبل القيام باتفاقات عسكرية. تماماً كما حدث عام 2006 عندما دمّرت المقاومة الإسلامية “الميركافا” وخسّر “الكيان الاسرائيلي” سمعتها العسكرية وانسحبت الخسارة على الاقتصاد.
وهنا يشير خبراء الى أنّ كلفة فشل القبة الحديدة عالية اذ تطلق القبة في اليوم آلاف الصواريخ، وعليه اذا ما احتسبنا التكلفة فإنّ الخسائر تبلغ مئات ملايين الدولارات في اليوم الواحد، اذ انطلق من غزة حتى اليوم حوالى 4000 صاروخ، ما يجعل كيان العدو بحاجة الى صواريخ قبة حديدية أضعافا مضاعفة. وعليه، يرى جباعي أنّ تداعيات هذا الأمر ليست حالية وآنية بل أيضا على المدى المتوسط والبعيد لأنها تمس بسمعة “اسرائيل” العسكرية والاستراتيجية.
خامساً: تأتي هذه الحرب بعد تفشي وباء كورونا الذي كان يفتك بالاقتصاد “الاسرائيلي” كأي اقتصاد في العالم حيث بلغت الخسائر مئات ملايين الدولارات. كيان العدو كان على وشك التقاط أنفاسه الاقتصادية في المرحلة القادمة بعد إعلانه عن فتح القطاعات السياحية والتجارية في 23 أيار.
ولكن اليوم توقفت وتأجلت هذه الرحلات بعد الوضع الأمني السيئ، ولم تعد “اسرائيل” الملاذ الآمن للسياح خاصة بعد الاحتجاجات الحاصلة على كامل الأراضي الفلسطينية وليس في منطقة محددة. هذا الأمر له انعكاسات كبيرة جداً على الاقتصاد “الاسرائيلي”، أضف الى ذلك أنّ الخسائر غير المباشرة كبيرة جداً وستبلغ أيضاً مليارات الدولارات.
كلفة الحرب العسكرية باهظة جداً
سادساً: الكلفة الباهظة جداً للحرب العسكرية، فالذخائر والقذائف والصواريخ والاستخبارات واستدعاء الاحتياط تكلف خزينة العسكر تكاليف كبرى، ما يحتّم على كيان العدو زيادة الموازنة البالغة 9 مليارات دولار سنوياً بعد أن جرى صرف مبلغ كبير جداً منها. وبموازاة التكتم “الإسرائيلي” على حجم الخسائر والتكاليف الضخمة جداً، ستجد حكومة العدو نفسها ملزمة بإنجاز موازنة جديدة للإنفاق على العسكر.
ويقدّر خبراء تكلفة الخسائر بثمانية مليارات دولار بين خسائر مباشرة وغير مباشرة حتى اليوم، متسائلين:” إلى أي مدى سيسطيع كيان العدو الاسرائيلي” مواصلة الحرب؟، فإنّ الخسائر الاقتصادية للعدو تشكّل نقطة مهمة لمصلحة الفصائل الفلسطينية التي ركزت على ضرب منصات الغاز وإيقاف العمل بمدينة تل أبيب وشل الحركة التجارية الاقتصادية اليومية “الاسرائيلية”، والأهم أنها تمكنت من فرض حظر جوي وبري على الكيان والمستوطنين ما ترك تأثيرات اقتصادية ضخمة لمصلحة المقاومة لتصبح الحرب الاقتصادية من مكملات وأساسيات النصر في الحرب الحالية.