في كل دول العالم تعد السفارات والقنصليات والمقرات الدبلوماسية مكاناً آمناً وملجأً حصيناً لكل مواطن خارج حدود وطنه. ففيها تحل مشاكل المغتربين عن أوطانهم ويتم تقديم الدعم والمساعدة للمسافرين بعيدا عن بلدانهم.
إلا أنه يبدو جليا أن الحكومة السعودية قررت تحويل بعثاتها الدبلوماسية إلى عصابات لملاحقة وخطف وتصفية معارضيها، مخالفة بذلك كل الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية واضعة استقرار وسلم المجتمع الدولي علي محك مخيف.
ويظهر أن هذا الخرق القانوني البشع ليس حديثا فقد تعودته السلطة منذ زمن لكن حادثة استدراج الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى قنصلية بلاده في اسطنبول ثم قتله وتقطيعه واخفاء جثته كان بمثابة الريح التي عرت افعال الحكومة السعودية من خلال استغلال مقراتها الدبلوماسية لمثل هذه الجرائم المخيفة الصادمة., وكشف أن السلطات السعودية ومن خلال بعثاتها الدبلوماسية صارت تمارس أساليب العصابات وتشكل خطرا ليس فقط على مواطنيها خارج بلادهم بل وحتى على استقرار وأمان البلدان التي يمارسون أعمالهم الإجرامية فيها.
لقد أكد كثير من الساسة والمراقبين بحسب منظمة “سند” الحقوقية أن جريمة اغتيال خاشقجي بهذه الطريقة سابقة في تاريخ الدبلوماسية العالمية. ولذلك لم يكن أمامهم خيار سوي المطالبة بمحاسبة المسؤولين عنها بشدة. والتي ذكر تقرير المخابرات الأمريكية لاحقا تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في هذه الجريمة وعلاقته بها.
ولقد سبق ولحق هذه الجريمة مع الأسف خروقات مشابهه من خلال قنصليات وسفارات السعودية في الخارج ففي عام 2015 تم اختطاف الأمير السعودي سلطان بن تركي من جنيف كما تم اختطاف عائشة المرزوق عن طريق سفارة بلادها في جيبوتي عام 2017 .
وحاولت السفارة السعودية في لبنان 2018 اختطاف المعارض السعودي امين عام حركة كرامة د. معن الجربا في بيروت, وقد تمت المحاولة ذاتها مع معارضين في كندا أمثال سعد الجبري وغيره بعد اغتيال جمال خاشقجي ببضعة شهور.
إن هذا السلوك الاجرامي المشين الذي تمارسه الحكومة السعودية من خلال مقراتها الدبلوماسية في الخارج يجب أن يضع له العالم حدا من خلال مؤسساته ومنظماته وأن تسن قوانين أكثر صرامة للحد من هذا التوحش المسعور للأنظمة الاستبدادية والقمعية في العالم وانتزاع ضمانات أكثر فاعلية تحمي المعارضين والصحفيين وتمنع تكرار هذه الأعمال الإجرامية.