عمّق العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ مأساةَ عُمَّال اليمن، وجعل الكثير منهم يعيشون أوضاعاً مأسوية ومزرية، في حين ارتفع مؤشر البطالة وتوقفت حركة المؤسّسات والمصانع وقطاعات كثيرة؛ بسَببِ الحصار ومنع دخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة.
وفي حين يحتفي العالم في الأول من مايو من كُـلّ عام بعيد العمال، وفيه يتم تكريم المبرزين والمبدعين والمثابرين، فَـإنَّ هذا اليوم بالنسبة لليمنيين هو مناسبة للتذكير بآلام وجراح عمال اليمن وأنينهم المتصاعد جراء استمرار العدوان والحصار.
وخلال هذه المناسبة، عبّر الاتّحادُ العام لنقابات عمال اليمن عن استيائه من الوضع المعيشي الذي وصلت إليه القوى العاملة في اليمن نتيجةَ العدوان والحصار المفروض على البلاد منذ ستة أعوام، مستنكراً ما وصفه بمحاولات استنساخ تحالف العدوان لاتّحاد مزيف وتزوير منشورات باسمه تدعو للتحريض وإثارة الفوضى؛ بهَدفِ تأجيج الأوضاع التي تمر بها البلاد وزيادة معاناة المواطن اليمني المعيشية.
ويشارك اتّحاد عمال اليمن ضمن أنشطته وفعالياته في الاحتجاجات العامة والنقابية المتواصلة ضد جرائم العدوان وممارساته اللا إنسانية وَاحتجازه لسفن المشتقات النفطية لما يقارب العام.
ويؤكّـد في أكثر من فعالية أن العدوان قد أضر بالقوى العاملة على نحو كبير، مستنكراً استمرار تحالف العدوان ومرتزِقته قطع رواتب الموظفين والتسبب في تسريح العمالة من القطاع الخاص والقطاعات الحيوية الأُخرى نتيجة الاستهداف المباشر والحصار المفروض على البلاد منذ العام 2015، وآخرها قطع مرتبات المتقاعدين.
محاولاتٌ لشق الصف
رئيس الاتّحاد العام لعمال اليمن يؤكّـد أن موظفي الحكومة كانوا عادة ما يتقاضون رواتبهم من البنك المركزي ما قبل نقله من صنعاء وأن هذا البنك كان يصرف لكل موظفي الدولة رواتبهم، لكن الأمر تغيّر بعد نقله إلى عدن، فقد انقطعت رواتب الموظفين.
ويتساءل بامحيسون: ماذا يعني أن يسلم راتب موظف الدولة في بعض المحافظات ولا يسلم في المحافظات الأُخرى وهل يعقل أن يتقاضى الموظف راتبه في تعز ولا يتقاضاه في إب أَو ذمار التي لا تبعد عنها كَثيراً؟، منوِّهًا إلى أن العدوان يحاول شق الصف وإثارة الشارع موظفين وعمال على حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء، فيما الجميع يعي ويدرك هذا المخطّطَ البائس، كما يعي أن إيرادات الدولة هناك، حَيثُ إيرادات النفط والغاز في محافظات الجنوب ومأرب وليست في صنعاء.
ويضيف بامحيسون قائلاً: “يحلم أُولئك أن قطعهم لرواتب الموظفين ومنعهم لأرزاق الناس سيثير الشارع ويجلب الفوضى.. إنه حلم وسيبقى حلماً لا مجال لتحقيقه ولعل ست سنوات كافية لإدراك فشل هذا الخيار الذي لا يمُتُّ للإنسانية والأخلاق بصلة فالشعب لديه من الصبر والتجلد وَالكرامة ما يفوق تصور أُولئك”.
ومع تصاعد الاحتجاجات ضد استمرار احتجاز سفن المشتقات ومنع دخولها للمحافظات الحرة وآخرها احتجاز سفينة تحمل حوالى 24 ألف طن مازوت خَاصَّة بقطاع الكهرباء، يقول أمين عام اتّحاد عمال اليمن، عبدالكريم العطنة: إن هذه الأعمال تستهدف شرايين الحياة والنشاط الاقتصادي والصحي والخدمي، مُشيراً إلى أن انعدام المشتقات النفطية يعني توقف المصانع والمؤسّسات الإنتاجية وأعمال الزراعة والخدمات.
وهذا يعني توقف العمال والموظفين عن العمل وُصُـولاً لتسريح الكثير منهم وهو ما حصل على مدار ستة أعوام كاملة فالعدوان لم يكتف بتدمير البُنية التحتية الاقتصادية الصناعية والإنتاجية والخدمية “تدمير حوالي 355 مصنعاً” وتدمير خطوط النقل بل وصل به الأمر لمنع دخول الوقود الذي يمثل عصب الحياة في كافة المجالات، الأمر الذي أَدَّى إلى حدوث شلل في حركة اليد العاملة دافعا بها إلى رصيف البطالة.
ويشير العطنة إلى أن العدوان والحصار قد دفع بحوالي 1.26 مليون موظف إلى حافة الفقر المدقع، إذ كان يعتاشُ ما يزيد على 7 ملايين شخص على الرواتب التي كان يتقاضها الموظفون ناهيك عن استفادة السوق المحلي من حركة تلك الرواتب الشهرية إضافة إلى تسبب العدوان في حرمان ما يناهز 140 ألف عامل في القطاع الخاص من أجورهم التي كانت تعتمد عليها أسر تقارب 700 ألف فرد، مؤكّـداً أن حوالي ربع سكان اليمن فقدوا مصدر دخلهم من العاملين، سواءٌ أكانت مرتبات أَو أجور ناهيك عما خلفه العدوان والحصار من آثار وصلت لما يقارب 80 % من الشعب اليمني الذي أصبح يصنف ضمن شريحة الفقراء.
ويبيّن العطنة ضعف مواقف الاتّحادات العمالية العربية والدولية ويقول: إن المال السعوديّ قد اشترى أكثرها للحد الذي لا تستطيع فيه التعبير عن تضامنها حتى بالقول مع ما يحدث في اليمن من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وإن كان لا يزال هناك من الاتّحادات والنقابات العمالية العالمية من تبدي تعاطفها مع ما يتعرض له الشعب اليمني من انتهاكات وجرائم على يد العدوان لكنها قليلة.
ويعبر العطنة عن خيبة أمله من تعامل الأمم المتحدة مع المِلف اليمني الإنساني على وجه الخصوص، واصفاً إياه بالموقف الضعيف والذي يكاد يكون داعماً للعدوان في جانب قطع مرتبات موظفي الدولة، مُشيراً إلى أن الأمم المتحدة طلبت من الاتّحاد عام 2016 كشوف أسماء موظفي الحكومة حتى ديسمبر 2014 على أَسَاس أنه سيتم صرف الرواتب من البنك المركزي في عدن وبعد أن قمنا بإعدادها ومراجعتها وتسليم نسخة إلكترونية لهم وجدنا أن الأمر لم يكن إلَّا فقاعة وأن مرتزِقة العدوان قد طلبوا تلك الكشوف ليطابقوها فقط بالكشوف والنسخ التي لديهم لا أكثر.
وَمع توقيع اتّفاق ستوكهولم لم تجرؤ الأمم المتحدة أن تغضب العدوان وإلزامه الإيفاء بتعهداته وتوريد الأموال للبنك المركزي بفرع الحديدة لتسديد رواتب موظفي الدولة، وهذا ما يؤكّـد سيطرة العدوان السعوديّ الإماراتي وحلفائهم الأمريكان والبريطانيين على قرارات الأمم المتحدة وتوجيهها بالأموال التي تضخ لصالح منظماتها العاملة في أنحاء العالم بما فيها اليمن.
العدوان لا خيار له سوى التخبط
ويؤكّـد مدير عام التفتيش والرقابة بالاتّحاد، محمد طلحة، أن تحالف العدوان قد لجأ إلى الحصار الاقتصادي بشكل أكبر بعد أن وجد نفسه قد فشل فشلاً ذريعاً في المواجهة العسكرية وَأنه لم يعد لديه من خيار غير التخبط بين الخيارات ضارباً عرض الحائط بالقيم الإنسانية والأخلاقية التي تمنع اللجوء لأقوات الناس في المواجهة وأن منعه لدخول سفن الوقود يمثل قمة السقوط الأخلاقي في ظل صمت المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية التي تساوي بين الجلاد والضحية.
ويبرز مدير فرع الاتّحاد بتعز، علي عطية، انتقائية العدوان في دفع رواتب الموظفين ضاربا أمثلة بموظفي تعز الذين قال بأنهم يتقاضون رواتبهم الشهرية من البنك المركزي بعدن ولكل موظفي المحافظة سواء من كانوا في مناطق سيطرة المجلس السياسي الأعلى أَو من هم ضمن المناطق المحتلّة ودون استثناء ما يدفع لوضع استفهامات حول تلك الانتقائية بقيام تحالف العدوان ومرتزِقته بدفع الرواتب وفق ما يرونه لا وفق المسؤولية التي تلزمهم بدفع الرواتب للجميع في كُـلّ المحافظات.
ويؤكّـد عطية أن ممارسة هذه الانتقائية تؤكّـد توظيف العدوان ومرتزِقته لمسألة رواتب الموظفين سياسيًّا.
مغادرة 40 شركة نفطية
وبحسب الكثير من التقارير المحلية، فَـإنَّ حوالي 15 ألف عامل في اليمن فقدوا وظائفهم في القطاع النفطي بعد أن قام تحالف العدوان بمنع دخول سفن الوقود لمناطق سلطة المجلس السياسي الأعلى وتوقف حوالي 2200 محطة وقود إلى جانب مغادرة ما يقارب 40 شركة نفطية استكشافية وَإنتاجية البلاد وما خلفه ذلك من بطالة تضاف إلى البطالة التي تعاني منها القوى العاملة بحسب الأمم المتحدة.
وَالتي تجاوزت 32 % العام الماضي ومتوقع وصولها إلى 34 % هذا العام مقارنة بـ13. 6 العام 2014 فيما وصلت البطالة الكلية 60 % مع فقدان ما يتجاوز 40 % من الأسر اليمنية لمصدر دخلها وتراجع قطاعي الصناعة وَالخدمات في سنوات الحصار بشكل كبير.
وبحسب خطة تقييم الأضرار للبنك الدولي، كانت لانقطاع خطوط النقل وتراجع حركة نقل البضائع والسلع آثارٌ بعيدة المدى في زيادة معاناة الشارع، إذ لحق الدمار الجزئي أَو التام بأكثر من 24 % من إجمالي شبكة الطرق وكانت هذه الأضرار التي لحقت بشبكة طرق التوزيع.
قد لعبت دورًا بالغَ الأهميّة في رفع أسعار السلع الغذائية وَالاستهلاكية بعد أن أصبحت الرحلةُ من الموانئ الرئيسية إلى صنعاء والمراكز السكانية الكبيرة تستغرقُ حَـاليًّا أكثر من خمسة أَيَّـام، في حين كانت تستغرق يوماً أَو يومين ما قبل العدوان، الأمر الذي ضاعف من أسعار نقل السلع الرئيسية كالقمح والدقيق والصلب والملبوسات ثلاث مرات بين عامي 2015 وَ2020 فيما زاد في المعاناة منع وصول الوقود إلى ميناء الحديدة والسوق المحلية.
صحيفة المسيرة