سلط تقرير لصحيفة “هآرتس” العبرية الضوء على أكبر صفقة بين الإمارات وتل أبيب منذ عقد اتفاق التطبيع بينهما، والتي تتمثل في إعلان شركة الطاقة الإسرائيلية العملاقة Delek Drilling، أنها وقعت مذكرة تفاهم لبيع كامل حصتها في حقل الغاز الإسرائيلي تمار البحري، إلى شركة مبادلة للبترول المملوكة لحكومة أبوظبي.
لكن تقرير الصحيفة العبرية ركز على مخاوف أبدتها “إسرائيل” من الاستثمارات الإماراتية أكثر من تركيزه على الصفقة بحد ذاتها حيث أشار إلى أن هذه الصفقة رغم أنها ستساهم في منافع إيجابية لـ “إسرائيل” وستعزز التحالف بين أبوظبي وتل أبيب، فهناك مخاوف من أن تكون لها آثار جانبية أمنية واقتصادية سلبية على الكيان أو على الأقل الغموض المحيط بالصفقة أمر يثير القلق حول طريقة نتنياهو في إدارة ملف الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الاقتصادية الحساسة في “إسرائيل”، وفق تقرير “هارتس”.
وتبلغ قيمة صفقة الحصة البالغة 22% مليار دولار، مع 100 مليون دولار إضافية مشروطة بشروط وأهداف معينة، وفقاً لإخطار حول الاتفاقية أرسلته شركة Delek Drilling إلى بورصة تل أبيب وهيئة الأوراق المالية الإسرائيلية.
وقالت الشركتان إنهما تهدفان إلى إتمام الصفقة بحلول 31 مايو/أيار 2021، حسبما ورد في تقرير لموقع “تايمز أوف إسرائيل”.
ويضم حقل تمار 6 آبار يبلغ إنتاجها السنوي 11 مليار متر مكعب، وفقاً لأرقام Delek، بالإضافة إلى توفير الغاز الطبيعي لإسرائيل، يتم أيضاً تصدير بعض الغاز من الحقل إلى مصر والأردن.
وفي حالة إتمام الصفقة ستكون أكبر اتفاق تجاري تم التوصل إليه حتى الآن منذ توقيع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة اتفاقية التطبيع، في أغسطس/آب 2020، بوساطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
“هارتس” أشارت أيضا إلى أن الجدل حول مثل هذه الصفقات من الطبيعي أن يحدث، خاصة عندما تكون تفاصيل الصفقات سريةً بداعي حساسيتها.
كما أن رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يصر على قطع الطريق أمام أي مناقشة للأبعاد طويلة المدى حول السماح للأجانب بالاستثمار في الأصول ذات الأهمية الاستراتيجية لـ “إسرائيل” يفضّل إدارة المخاطر الكامنة في هذه الاستثمارات والتعامل معها بنفسه.
الموساد حذر من الصفقة مع الإمارات
وتظل الاستثمارات الإماراتية لها وضع خاص، في ظل ارتفاع مستوى العلاقات بين البلدين من التطبيع إلى التحالف.
ولكن مذكرة التفاهم بين “تمار” وأبوظبي تحظى باهتمام خاص، بالنظر إلى أهميتها الكبيرة وفوائدها، وتثير بعض الجدل أيضاً.
فبموجب خطة قطاع الغاز الطبيعي في الكيان, يتعين على شركة “ديليك” بيع حصتها في تمار بحلول نهاية عام 2021.
وسبق أن حذرت وزارة الشؤون الاستراتيجية وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) بالفعل، في بداية العام، من أن دول الخليج ستكثِّف استثماراتها في إسرائيل خلال الأشهر القليلة المقبلة.
ولدى شركة “مبادلة” الإماراتية مصلحة في تطوير سوق الغاز الطبيعي الإقليمي، بحكم امتلاكها 10% من ترخيص امتياز منطقة “شروق” في مصر، والتي تشمل احتياطي الغاز الطبيعي الرئيسي في حقل “ظهر”.
التعسر الشديد الذي تمر به أعمال تشوفا التجارية، والإشارات التحذيرية الواردة في التقارير المالية لشركة “ديليك” من استمرار القلق بشأن أوضاع الشركة، يعني أنها بحاجة إلى ضخٍّ نقدي سريع.
كما أنه من الجيد لإسرائيل أن يكون المشتري لاعباً استراتيجياً مهتماً بتطوير صناعة الغاز الإقليمية، ويشمل ذلك التطوير في مصر المجاورة, لأن التطوير الإضافي لحقول الغاز الطبيعي البحرية الإسرائيلية يعتمد على الصادرات، ومنها المبيعات الإسرائيلية المباشرة إلى مصر والأردن.
الصفقة تمت بقرار مسبق
ومن المحتمل أن تكون مذكرة التفاهم قد وقِّعت بعد قرار مسبق من السلطات الإسرائيلية. ومن المحتمل أن يكون القرار المسبق جاء من موظفين بيروقراطيين في قطاع الطاقة، وليس من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التي تذمر مسؤولوها من أنهم اكتشفوا فقط من الصحف أن أصولاً استراتيجية وقعت في أيدٍ أجنبية.
ومن المحتمل أيضاً أن تكون الموافقة المسبقة قد صدرت قبل الإدراج العام لأن الإماراتيين لن تكون لديهم حصة أغلبية في الاحتياطي، ولن يكون لديهم حق النقض، ولن يشاركوا في تشغيل الاحتياطي المستخرَج فعلياً، إذ إن هذا الدور سيظل في يد شركة “شيفرون” الأمريكية.
ومع ذلك، لا تزال الصفقة بحاجة إلى الحصول على موافقة من هيئة تنظيم القطاع النفطي في وزارة الطاقة و”الهيئة الإسرائيلية للنفط”، وربما أيضاً “هيئة حماية المنافسة”. لكن يصعب تخيُّل أن تخاطر إسرائيل بإحباط شركائها الاستراتيجيين الجدد، حسب ترجمة موقع “عربي بوست”.
إطلاع الإماراتيين على الأسرار الإسرائيلية
وبالعودة إلى النقطة المتعلقة بما إذا كان ينبغي السماح لكيانٍ أجنبي بالاستثمار في البنى التحتية، فإن حصة أقلية في احتياطي الغاز الطبيعي لا ينبغي أن تقلق الإسرائيليين كثيراً، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
فالمشكلة الحقيقية في الصفقة هي أنها تتيح للمالكين الوصول إلى الاستعدادات الدفاعية الإسرائيلية في البر والبحر، بالإضافة إلى الاطلاع على معلومات الاستخبارات العسكرية، علاوة على الاعتبارات الجيوسياسية والمناقشات الحكومية بشأنها.
وتقول هارتس إنه “في حين زادت الدول الأخرى من رقابتها على الاستثمارات الأجنبية في الأصول الاستراتيجية، لاسيما خلال جائحة كورونا، وفي وقت باتت فيه قطاعات عدة تعيش أزمة.
كونها هدفاً جذاباً للاستحواذ من أطراف أجنبية، فإن إسرائيل تقاعست عن كل ما يتعلق بحماية مصالحها الاستراتيجية، مؤثرةً التعامل مع الأمر بطريقة غير منظمة ومن خلال قنوات غير رسمية.
هذا الوضع الفوضوي، إلى جانب الحساسية المتزايدة من الاستثمارات الصينية في إسرائيل، والاستثمارات الضخمة من جانب الإمارات وروسيا، دفع وزارة الشؤون الاستراتيجية وجهاز “الشين بيت” إلى إعداد تقرير مفصل حول هذا الموضوع قبل عام.
اقترح التقرير اعتماد نظامٍ احترافي ومنظَّم يمكن للحكومة استخدامه لتقرير ما إذا كانت ستوافق على أي استثمار أجنبي في مختلف البنى التحتية، لكن حتى الآن، يرفض نتنياهو طرح هذا الأمر للنقاش في مجلس الوزراء الأمني والسياسي لإسرائيل.
ويظل حجم القلق الإسرائيلي من هذه الصفقة محدوداً، وأقل من القلق تجاه الاستثمارات الصينية والروسية، كما أنه يظهر مدى متانة العلاقة بين أبوظبي وتل أبيب.