اعترفت وحدة تابعة سابقاً لشركة “إيرباص” بتورطها في عقود مشبوهة مع السعودية تعكس فساد النظام السعودي إذ أصدرت محكمة ساوثوارك كراون في العاصمة البريطانية لندن، الأربعاء 28 نيسان 2021، حكماً بتغريم وحدة تابعة سابقاً لشركة “إيرباص” أكثر من 30 مليون جنيه إسترليني (42 مليون دولار)، بعد إقرارها بالذنب في اتهام بالفساد بشأن عقود لتقديم خدمات اتصالات عسكرية للحرس الوطني السعودي.
وفي وقت سابق أبلغت شركة “جي.بي.تي سبيشال بروجكت مانجمنت”، التي أوقفت عملياتها العام الماضي، محكمة ساوثوارك كراون أنها ستعترف بتهمة واحدة متعلقة بالفساد في عقود العمل، بين ديسمبر/كانون الأول 2008 وتموز 2010.
كما صدر القرار بمصادرة 20.6 مليون جنيه وتغريمها 7.5 مليون ومصاريف قدرها 2.2 مليون، مع إجبارها على السداد في أجلٍ أقصاه 10 أيام.
ونقل تقرير لوكالة بلومبيرج الأميركية تصريحاً للقاضي سيمون برايان، بعد إصدار الحكم، قال فيه إن “إقرار الوحدة بالذنب “يشكل جزءاً من تاريخ الفساد الذي كان موجوداً لعدد من السنوات، قبل وبعد فترة الاتهام”.
في مركز تحقيق المدعي العام الذي دام ثماني سنوات، كانت هناك مزاعم بأن الشركة الفرعية ومقرها الرياض، دفعت رشاوى للفوز بعقدٍ قيمته 2 مليار جنيه إسترليني (2.8 مليار دولار)، لتقديم الخدمات والتدريب للحرس الوطني السعودي نيابة عن وزارة الدفاع البريطانية.
حسب الوكالة الأميركية، كانت القضية حساسة سياسياً بشكل خاص، بسبب تورط الحكومة البريطانية، وتم تأجيلها بعد أن طلب المدعي العام مشورة قانونية خارجية بشأن القضية.
من جهته، قال متحدث باسم شركة إيرباص في بيان: “التحقيق الذي أجراه مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة يتعلق بالترتيبات التعاقدية التي نشأت قبل استحواذ شركة إيرباص على شركة GPT واستمرت بعد ذلك”.
وأضاف, “يعكس تعاون إيرباص مع مكتب مكافحة الجرائم المالية وقبول المسؤولية من قبل شركة GPT، التزاماً بمواجهة أخطاء الماضي والتعلم منها والبناء على إصلاحات الامتثال المهمة التي تم تنفيذها”.
ووصفت جماعة سبوتلايت كوربشن، الناشطة بمجال مكافحة الفساد، هذا القرار الذي جاء بعد تحقيق استمر قرابة تسع سنوات، بأنه “انتصار مذهل تحقق بشق الأنفس” لمكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في بريطانيا الذي باشر القضية.
إذ وجَّه المكتب الاتهامات إلى “جي.بي.تي” وثلاثة أفراد في العام الماضي، وتأجلت محاكمة الأفراد إلى أيار 2022.
ولا يرتبط التحقيق باتفاق مقاضاة مؤجل بقيمة أربعة مليارات دولار بين إيرباص والسلطات الأمريكية والبريطانية والفرنسية في 2020 بعد تحقيق استمر ثلاث سنوات في مزاعم بالرشوة والفساد بشأن مبيعات طائرات.
وكانت صحيفة “ديلي أفريك” الجنوب أفريقية البارزة، قد ألقت الضوء على برنامج سري للاتصالات، تديره وزارة الدفاع البريطانية مع الحرس الوطني السعودي، تبلغ قيمته ملياري جنيه إسترليني (2.4 مليار دولار).
وقالت إن البرنامج جدد الجدال داخل أروقة البرلمان البريطاني، بسبب تورط الحرس الوطني السعودي في حرب اليمن التي باتت موضع شد وجذب بين البرلمان والحكومة، حيث يريد الأول منع انخراط لندن في هذه الحرب، بالتمويل أو المشاركة، بعدما ازدادت تكلفتها الإنسانية.
وكشفت الصحيفة أن البرنامج السري يعرف باسم Sangcom، وهو مدمج كأحد البرامج المعلن عنها في وزارة الدفاع البريطانية، لكن تكلفته بالكامل يدفعها السعوديون. ويوظف البرنامج عشرة أضعاف عدد الأشخاص الذين تعترف بهم الحكومة البريطانية علنا، مما يثير أسئلة حول الوزراء الذين يضللون البرلمان في وستمنستر.
وبدأ البرنامج منذ عام 1978، عندما وقعت الحكومة البريطانية مذكرة تفاهم مع السلطات في الرياض، ويوفر المشروع معدات اتصالات عسكرية متقدمة للحرس الوطني السعودي (SANG)، لكن مذكرة التفاهم، التي هي في حد ذاتها سرية، تنص على السرية التامة لميزانية البرنامج.
ولكن كيف تسربت التفاصيل حول الميزانية في النهاية؟
تجيب “ديلي أفريك”: في يوليو 2019، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية عن وظيفة شاغرة لمنصب مدير مشروع Sangcom في الرياض، كانت الوظيفة مفتوحة فقط للمتقدمين من الذكور.
وذكر الإعلان أن “فريق مشروع MOD SANGCOM في المملكة المتحدة مسؤول عن تقديم برنامج بقيمة ملياري جنيه إسترليني لتحديث شبكة اتصالات الحرس الوطني السعودي”.
كان هذا هو أول اعتراف علني من الوزارة البريطانية بحجم ميزانية Sangcom في تاريخها البالغ 40 عاما، وقد سبب هذا الخطأ إحراجا لبريطانيا والسعودية.
وكان النائب العمالي “كاثرين ويست” قد طرح، في مارس/آذار من العام الجاري، سؤالاً برلمانياً حول ميزانية البرنامج، لكنه أخبر أنها “سرية باتفاق بين الحكومتين البريطانية والسعودية”.
وقالت الصحيفة إن هذا العقد، البالغة قيمته ملياري جنيه إسترليني، تبلغ مدته 10 سنوات، وتم الاتفاق عليه في فبراير/شباط 2010، ويمثل المرحلة الجديدة من مشروع Sangcom، وهي أكبر بـ 15 مرة من الاتفاقية السابقة، والتي تم توقيعها في 2004، وكانت بقيمة 124 مليون جنيه استرليني.
وأمام تزايد الجدل، زعم متحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية أنه “تم تحميل المعلومات الموجودة في هذا الإعلان عن طريق الخطأ، وجرى حذفها لاحقًا”، مضيفا أن “الميزانية سرية للحكومتين”.
ولكن في إشارة أخرى إلى إدارة معلومات متساهلة بشكل غير عادي، لا يزال الإعلان عن الوظيفة، متاحا على الإنترنت.
بالإضافة إلى ذلك ، يذكر المراقب المالي لشركة Sangcom على صفحته شبكة LinkedIn الاجتماعية أنه “مسؤول عن ميزانية تبلغ حوالي 1.6 مليار جنيه إسترليني”.
الجيش الأبيض
وتلقي الصحيفة الضوء على الحرس الوطني السعودي، والمعروف أيضًا باسم “الجيش الأبيض”، حيث يتكون من حوالي 130 ألف جندي، ويعمل كقوة أمن داخلي منفصلة عن الجيش السعودي النظامي، ومعظم أفراده ينحدرون من القبائل الموالية لعشيرة “آل سعود” الحاكمة، ومهمته هي حماية العائلة المالكة من أي انقلاب محتمل.
واعتبرت “ديلي أفريك” أن مشروع Sangcom ، إلى جانب التدريب العسكري البريطاني الطويل الأمد للحرس الوطني، يورط بريطانيا بوضوح في الدفاع عن “آل سعود”، إلى جانب الولايات المتحدة.
وأشارت إلى أن قوات الحرس الوطني شاركت في الحرب التي قادتها السعودية في اليمن، والتي خلفت أكبر كارثة إنسانية في العالم، حيث بات 24 مليون شخص، أي ما يقرب من 80% من السكان، يحتاجون إلى المساعدة والحماية.
ففي أبريل/نيسان 2015 ، أمر العاهل السعودي؛ الملك “سلمان بن عبدالعزيز”، الحرس الوطني بالانضمام إلى الحملة في اليمن، والتي كانت حتى ذلك الحين مقتصرة على القوات الجوية السعودية النظامية.
وفي عام 2018 ، أشار تقرير مخابراتي فرنسي سري إلى نشر لواءين من الحرس الوطني السعودي، يقدر عددهم بحوالي 25 ألف جندي، على طول الحدود مع اليمن.
وكشف اللواء “فرانك موث”، من الجيش الأمريكي، أن لواء الحرس الوطني، الذي عاد من القتال على الحدود مع اليمن، كان لديه 19 مركبة مدرعة خفيفة “كانت تطلق النار بشكل سيئ للغاية”، في إشارة إلى عدم المهنية والاحتراف في أسلوب عمل تلك القوات.
وقالت “ديلي أفريك” إن دعم المملكة المتحدة لبرنامج الاتصالات العسكرية مع الحرس الوطني السعودي، يظهر جانبا آخر من جوانب تورطها في الحرب اليمنية، وذلك رغم أن الحكومة لديها أمر قضائي بعدم قانونية مبيعات الأسلحة للمملكة.
وأوضحت الصحيفة أن السمة المميزة لبرنامج Sangcom هي أن النظام السعودي يعتمد بشكل شبه كامل على وزارة الدفاع البريطانية لتشغيل المشروع، وليس من الواضح ما إذا كان هناك ترتيب عسكري مثل هذا بين بلدين في أي مكان في العالم.
ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم حملة مكافحة تجارة الأسلحة، “أندرو سميث”، قوله: “هذا المستوى من التعاون والدعم المؤسسي من أعراض العلاقة السياسية والعسكرية غير الأخلاقية بين النظام السعودي وحكومة المملكة المتحدة”.
ويردف: “إنها علاقة مضرة بالمملكة المتحدة، لكنها ساعدت في ترسيخ النظام السعودي الوحشي، ووفرت شكلا من أشكال الشرعية لحكم آل سعود الاستبدادي”.
وفي الوقت الذي أثارت التكلفة الحقيقية لمشروع Sangcom أسئلة وجدلا، هناك أيضا العدد الكبير من الموظفين الذين يستخدمهم البرنامج، حيث تتم إدارة Sangcom منذ عام 1994 نيابة عن وزارة الدفاع في لندن من قبل شركة بريطانية تدعى Special Project Management Ltd، ومقرها في شمالي لندن، وهي الآن شركة تابعة لشركة “إيرباص” الفضائية العملاقة.
وتظهر حسابات شركة GPT ، التي مشروعها الوحيد هو Sangcom، واستخدمت فيه 535 شخصا في عام 2018، ووظفت باستمرار أكثر من 480 شخصًا منذ عام 2015.
ورغم هذا العدد الكبير، فقد كذب وكيل وزارة الدفاع البرلمانية “ستيوارت أندرو” عن عدد الموظفين بالمشؤوع، فقال إنهم 76 موظفا فقط.
ومن علامات التقارب بين شركة GPT والعائلة المالكة السعودية أن الشركة استخدمت، منذ فترة طويلة، أميرة سعودية كمدير للموارد البشرية، وربما يكمن السبب في أن ذلك سيعزز العلاقات مع العائلة الحاكمة.
المثير أن شركة “إيرباص” أغلقت GPT لتوقع وزارة الدفاع البريطانية اتفاقية جديدة مع شركة KBR العملاقة للأمن السيبراني الأمريكية لتشغيل مشروع Sangcom.
وتشير التفاصيل إلى أن المشروع مع الشركة الجديدة وصل عدد موظفيه إلى 800 فرد في المجموع في جميع أنحاء البرنامج، بما في ذلك حوالي 120 موظف تابعين مباشرة لـ KBR في الرياض والدمام وجدة.
وأشارت الصحيفة إلى أسئلة برلمانية حول البرنامج، تعلق بعضها بشان مخاوف من تقديم رشاوى ضخمة لمسؤولين بريطانيين وسعوديين متعلقة بالمشروع.
فمنذ عام 2012 ، تخضع شركة GPT للتحقيق من قبل مكتب الاحتيال الخطير في المملكة المتحدة (SFO) في أعقاب الكشف عن أن ادعاءات من مدير برنامج Sangcom بالشركة بوجود أدلة لديه على دفع رشاوى بملايين الجنيهات من وإلى المسؤولين السعوديين.
ويقول المدير، وهو ضابط سابق بالجيش ، أن 16% من تكلفة عقود Sangcom تم توصيفها على أنه “خدمات” ، وهو تعبير لطيف عن الرشاوى، والتي قد تصل قيمتها إلى 750 مليون جنيه استرليني في هذه المدفوعات، على مدى عمر البرنامج منذ عام 1978.
وتوقعت الصحيفة أن تواجه الحكومة البريطانية هذه الاتهامات، خاصة فيما يتعلق بالرشوة، كما فعل رئيس الوزراء الأسبق “توني بلير” عام 2006 بشأن تحقيق آخر من قِبل SFO في الرشوة فيما يتعلق بالسعودية، حيث تم إيقاف التحقيقات بذريعة “الأمن القومي”.
وقالت “فورين أفريك” أن مفهوم الأمن القومي مهدد بالفعل، بسبب وجود دولة أجنبية متأصلة بعمق داخل وزارة الدفاع البريطانية، وخاصة في برنامج سري، لدرجة أن الجمهور البريطاني والبرلمان لا يعرفون شيئًا عن ذلك.
وقال “أندرو سميث”، من حملة مكافحة تجارة الأسلحة: “يجب أن يكون هناك قدر أكبر من الشفافية حول طبيعة تلك العلاقة حتى الآن، وأسئلة جدية حول المضي قدماً بها”.
وأضاف: “يشير ما تم الكشف عنه إلى أنه، ولفترة طويلة، كانت حكومة المملكة المتحدة متواطئة في قمع الشعب السعودي والتدمير الرهيب لليمن”.