وصلت حكومة عمران خان إلى السلطة في 2018 على خلفية وعودها بإعادة توجيه الاقتصاد الباكستاني نحو حاجات الشعب، لكنّ أزمة الديون التي واجهتها جعلتها تسقط أجندتها الإصلاحية. والآن يضغط صندوق النقد الدولي لوضع البنك المركزي الباكستاني خارج السيطرة الديمقراطية بشكل دائم.
ترجمة: قاسيون
إنّ نوع المستقبل الذي تريد التكنوقراطية المالية فرضه في العالم النامي، مثل باكستان الدولة الفقيرة التي تكافح لتلبية احتياجات شعبها الأساسية تحت ضغط الأزمة والوباء، يعني الدفع نحو ترتيبات مالية من شأنها تقويض أيّ مظهر من مظاهر السيادة والديمقراطية على اقتصاد البلاد.
واجهت الحكومة الباكستانية أزمة ميزان مدفوعات متصاعدة موروثة من الحكومة السابقة، وكذلك سوء إدارة اقتصادية في الأشهر القليلة من استلام الإدارة، ممّا أجبر البلاد على العودة للتسول إلى صندوق النقد الدولي في نيسان 2019.
وقّعت باكستان من أجل الحصول على قرض بقيمة 6 مليارات دولار يجب ردّها خلال ثلاثة أعوام، شروطاً عقابية تفرض اقتطاعات هائلة في الإنفاق التنموي والاجتماعي. قدّم على إثر ذلك أسعد عمر، وزير المالية الذي كان من أشدّ منتقدي صندوق النقد الدولي في الماضي، استقالته وخلفه حافظ شيخ الذي كان يُنظر إليه كممثّل للتكنوقراط المالي في باكستان.
كان شيخ يعمل وزيراً للتخطيط والمالية لإقليم السند في ظلّ الدكتاتورية العسكرية، وتمّ تعيينه فيما بعض وزيراً فدرالياً للخصخصة. ثمّ وزير مالية أشرف على تطبيق برامج التقشف الحادة بين 2008 و2013، وهي البرامج ذاتها التي انتقدها عمران خان بسبب تأثيرها السلبي على الباكستانيين العاديين.
ولزيادة الطين بلّة تمّ تعيين رازا باقر، الذي كان ممثلاً لصندوق النقد الدولي في مصر، كحاكم للبنك المركزي الباكستاني. كان واضحاً بأنّ بيان الحزب الحاكم الانتخابي وتطلعات الشعب قد تمّ نسفها بشكل كلّي لصالح إعطاء الكلمة الفصل للأوليغارشية الذين ترعاهم القوى المالية العالمية.
كانت آثار الإجراءات الحكومية واضحة: هبط نمو الناتج المحلي الإجمالي الباكستاني وصار سالباً (- %0.4)، وذلك لأول مرة منذ سبعة عقود. كما انخفضت قيمة العملة الباكستانية وأدّت لتضخم هائل ارتفع من معدّل 3.93% في 2018 إلى معدّل 10.74% بحلول 2020.
كما فرض البرنامج إجراءات تقشفيّة ضخمة مثل تخفيض 40% من ميزانية التعليم العالي، والمضي بخطط خصخصة شديدة للقطاع الصحي، وإلغاء الدعم للمرافق العامة وإلغاء زيادات الأجور السنوية لموظفي القطاع العام.
انقلاب مالي
يضغط صندوق النقد الدولي اليوم على الحكومة الباكستانية لتمنح البنك المركزي «استقلاليته» عبر قانون في البرلمان. يهدف مشروع القانون لحماية البنك من «التدخلات السياسية» لضمان قدرة البلاد على دفع ديونها وإبقاء استقرار الأسعار عند حدود يمكن إدارتها.
ببساطة: يهدف المشروع لإلغاء أيّ مراقبة ديمقراطية يمارسها الشعب على بنك بلاده، مع عواقب وخيمة على الأسر العاملة في باكستان.
لن تتمكن الحكومة في حال إقرار القانون من الاقتراض من البنك المركزي لدعم المؤسسات المالية المحليّة، ولن تكون قادرة على القيام باستثمارات عامّة. وسيكون «الاستقرار المالي» هو الأولويّة وليس التنمية. وحتّى حزم التحفيز التي لجأت إليها الحكومة أثناء الوباء لن تكون قادرة على تكرارها.
إنّ دولة مثل باكستان تحتاج فيها المؤسسات الاجتماعية التنموية والصناعية إلى دعم من الدولة لن تكون قادرة على المضي في حال التقشف وزيادة التكاليف. فعلى سبيل المثال أعلنت الحكومة عن زيادة بأسعار الطاقة الكهربائية بنسب 36%، ما يكشف طبيعة خطط صندوق النقد الدولي التي تنفذها الحكومة.
التحركات الشعبية ضدّ التقشف في باكستان تمثّل أفضل أمل لبناء مشروع سياسي ديمقراطي قابل للتطبيق رغم أنف المؤسسات المالية الدولية وعملائها في الداخل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمّار علي-جان