نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا لمدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق (سي آي إيه) “جون برينان” علق فيه على فيلم “الهدية” الذي أخرجته الفلسطينية-البريطانية “فرح نابلسي”، وكان من ضمن الأفلام المرشحة لجوائز أوسكار 2021.
وتحت عنوان “لماذا يجب على الرئيس الأمريكي جو بايدن مشاهدة الفيلم الفلسطيني الهدية؟”، قال “برينان”: “شاهدت فيلم الهدية، الفيلم القصير للمخرجة الفلسطينية فرح نابلسي، الذي رُشّح لجوائز الأكاديمية لأفلام الحركة الحية القصيرة (وفاز بهذه الفئة فيلم غريبان بعيدان)، فيلم نابلسي قوي ويحطم القلب وهو عن متاعب يوسف اليومية، رجل فلسطيني وابنته الصغيرة ياسمين وهما يحاولان عبور حاجز إسرائيلي في الضفة الغربية مرتين في يوم واحد”.
وأضاف أن “فيلم الهدية يبني سياقه سريعا، فاللقطات الأولى فيه عن رجال فلسطينيين يحاولون اجتياز معبر ضيق في واحد من الحواجز المنتشرة في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، وعلى الفلسطينيين مواجهة هذه الإهانة اليومية وهم في طريقهم للعمل وزيارة الأقارب والتسوق على الجانب الآخر من الحاجز”.
ويتحدث “برينان” عن قصة يوسف الذي يبدأ رحلته مع ابنته “ياسمين” لشراء هدية عيد زواج لزوجته، حيث يتم توقيفه على الحاجز، والمبرر هو رغبة الجنود الإسرائيليين بتفتيشه بدقة، حيث “جلست ياسمين جانبا تنتظر وتراقب بصمت”.
وقال “برينان”: “جلب المشهد إليّ ذكريات أول زيارة للضفة الغربية عام 1975 عندما اجتزت نهر الأردن ووصلت إلى نقطة الأمن الإسرائيلية، وكطالب في الجامعة الأمريكية في القاهرة، كنت متشوقا لزيارة القدس وقضاء عيد الميلاد في بيت لحم، وانضممت إلى طابور قصير نسبيا كان يتحرك بخطى ثابتة وفعالة”، وعلى “بعد أقدام كنت أستطيع رؤية طابور أطول من الرجال والنساء والأطفال محاطين بسياج من الفولاذ وبلافتة “الفلسطينيون والعرب” وشاهدت بعضهم وقد تعرض لتفتيش قاس وفظ من الجنود الإسرائيليين”، و”رغم شعوري بالأسى مما رأيت، إلا أنني كنت أعرف أن لدى إسرائيل مخاوف أمنية مشروعة بعد حربي 1967 و1973 وهي المخاوف التي زادت من خلال هجمات المنظمات الفلسطينية على إسرائيل وأهداف يهودية”.
مضى على ذلك المشهد نصف قرن وقد تغير المشهد الأمني بشكل عميق في الشرق الأوسط، فقد وقّعت إسرائيل اتفاقيات سلام واتفاقيات إبراهيم برعاية الولايات المتحدة العام الماضي مع 4 دول عربية -الإمارات والبحرين والسودان والمغرب- مما عبّد الطريق أمام إسرائيل لإقامة علاقات دبلوماسية مع الدول العربية.
ويأمل الكاتب أن تتبع دول عربية أخرى الخطى؛ لأنه لم يعد هناك سبب أو منطق استراتيجي لنفي وجود وديمومة إسرائيل، ولسوء الحظ لم تفعل الاتفاقيات أي شيء للفلسطينيين سوى الحصول على تأجيل لخطة ضم غير قانونية للضفة الغربية، وكان هناك تخفيض مهم للعنف قامت به السلطة الوطنية الفلسطينية في داخل وخارج الأراضي المحتلة، باستثناء حماس التي تواصل شن هجمات صاروخية على إسرائيل من قطاع غزة.
ففي الضفة الغربية عملت أجهزة الأمن الفلسطينية بشكل وثيق مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ونظيراتها العربية والغربية لإحباط شبكات التطرف ومنع الهجمات، وأظهرت أجهزة الأمن الفلسطينية مستوى مثيرا للإعجاب من المهنية على مدى العقدين الماضيين، و”على الرغم من تراجع التوتر بين إسرائيل والعالم العربي، إلا أن الفلسطينيين لم يشهدوا تقدما ملموسا في محاولتهم للعيش في دولتهم السيادية، ولعبت الانقسامات السياسية وعجز القيادة الفلسطينية دورا في إحباط طموحات الفلسطينيين لتحقيق الدولة”.
ويعلق الكاتب أن هذا الوضع قد يتغير متحدثا عن الانتخابات التشريعية في مايو/أيار، والرئاسية في يوليو/تموز (قد تلغى أو تؤجل) في كل من الضفة الغربية وغزة، ستعطي الفلسطينيين فرصة لانتخاب ممثليهم القادرين على إدارة حوار فعال داخل الأرض الفلسطينية وخارجها، وربما ساهم المرشحون الفلسطينيون الذين سينتخبون ولا يحملون علامة الشيخوخة التي تتميز بها القيادة السياسية التي تحكم الآن، بتخفيف النقد الإسرائيلي العميق الذي يصدر تجاه المفاوضين الفلسطينيين.
والعائق الرئيسي الواجب إزاحته هو الاتجاه الظاهر في تلاشي الاهتمام الإسرائيلي بحل الدولتين، فقد قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” حملة لم تتوقف لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وجلب التوسع الكثير من الجدران الإسمنتية والحواجز الأمنية ونقاط التحكم بشكل خفّض من المساحات التي يمكن للفلسطينيين العيش فيها أو رعي أغنامهم أو رعاية حقول الزيتون وبساتين الخضروات بدون أن يتحداهم المحتل.
ويقول “برينان”: “للأسف، ففي سنوات دونالد ترامب، تجاهلت الولايات المتحدة مصالح الفلسطينيين وتطلعاتهم، فقرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ورفض المواقف السابقة للإدارات الأمريكية بأن هذا سيؤثر على المفاوضات النهائية بشأن المدينة المتنازع عليها، وبدون أي حس، قطع المعونات عن السلطة الفلسطينية وأنهى مساهمتنا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة”، وفي تغير مرحب به، أمرت إدارة “بايدن” بالإفراج عن 235 مليون دولار كمساعدات إنسانية واقتصادية وبرامج تنمية لدعم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق أخرى بالمنطقة.
ويعود “برينان” إلى المشهد الختامي في فيلم “الهدية” الذي ظهر فيه “يوسف” المتعب ويعاني من آلام الظهر والغضب المتزايد وعلى حافة العنف حيث كان يحاول العودة إلى البيت بهدية عيد الزواج.
ويقول: “جعلني انفجاره العاطفي الغاضب أفكر بالإحباط الذي عاشه كل فلسطيني كان عليه العيش مع الإجراءات الأمنية الخانقة والاضطهاد السياسي المصاحب للاحتلال الإسرائيلي”.
وأضاف: “كانت ابنته ياسمين من جعلتني أراقب وأقلق، فقد راقبت صبر والدها ينفد وإنسانيته تتآكل، وأستطيع تخيل البصمة التي تتركها هذه التجارب في عقول البنات والأطفال الصغار في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد نشؤوا وهم يعيشون صدمات الظلم والتمييز والعنف، ويعيشون بحس أن وجودهم يتحكم به ناس لا تهمهم رفاهيتهم وأمنهم ومستقبلهم”.
ويقول “برينان” إن “إدارة بايدن منشغلة بعدد من القضايا المحلية والدولية التي تثير الدوار، ولكن محاولات الفلسطينيين الحصول على دولتهم تستحق مشاركة مبكرة من فريقه للأمن القومي، ويجب على إدارة “بايدن” إخبار إسرائيل بالتوقف عن بناء المستوطنات والأعمال القمعية التي صورت في فيلم الهدية”، وهناك إشارة واضحة من الرئيس “بايدن” أنه يتوقع ومستعد لتسهيل مناقشات إسرائيلية- فلسطينية جادة بشأن حل الدولتين ستكون ذات أهمية سياسية عظيمة.