فيما يخص القرار السعودي الأخير بشأن منع الخضروات والفاكهة اللبنانية من دخول السعودية أو حتى المرور عبر اراضي المملكة والذي اصبح ساريا منذ يوم أمس الأحد لا يمكن النظر إليه إلا من زاوية تشديد الحصار الخانق المفروض حاليا على لبنان بتحريض أمريكي إسرائيلي، من أجل تجويع شعبه، وجر البلاد إلى أتون حرب أهلية بحسب صحيفة رأي اليوم اللندنية.
وتقول الصحيفة أن استخدام عذر ضبط شحنة من فاكهة الرمان محشوة بحبوب الكبتاغون المخدرة (5 ملايين حبة) كانت في طريقها إلى السعودية، كان مجرد “غطاء” لتبرير هذا القرار، وإخفاء الأسباب الحقيقية، أي زيادة معاناة اللبنانيين ودفعهم إلى النزول إلى الشوارع في “ثورة غضب” ربما تؤدي إلى إشعال فتيل الفوضى والصدامات الطائفية، وفتح أبواب البلاد على مصراعيها للتدخلات العسكرية الخارجية.
لا نجادل “رأي اليوم” مطلقا في تورط لبنان في عمليات تهريب، ولا نشكك في رواية وليد البخاري، سفير السعودية في بيروت الذي كشف عن ضبط جمارك بلاده 600 مليون حبة مخدرات (كبتاغون) ومئات الكيلوغرامات من الحشيش قادمة من لبنان، ولكن من يقوم بأعمال التهريب هذه عصابات إجرامية، ولا يجب أن يتحمل أربعة ملايين لبناني يعيش نصفه تحت خط الفقر، و300 ألف أسرة منه على المساعدات الغذائية الإنسانية.
في تشرين أول (أكتوبر) عام 2015 أوقفت الجمارك اللبنانية في مطار بيروت أميرا سعوديا كان بصدد تهريب طنين من حبوب “الكبتاغون” المخدرة مرتبة في طرود ملكية على متن طائرته الخاصة في أحد رحلاتها إلى السعودية مما يعني أن المهربين السعوديين هم شركاء أيضا في هذه الجريمة، وأن أمراء يتعاملون مع عصابات التهريب التي تتخذ من لبنان مقرا لها.
السعودية مستهدفة من قبل عصابات التهريب من دول عربية وإسلامية عديدة لوجود المال والمدمنين معا، أي أن لبنان ليس استثناء، ولكن كان هو الضحية والمستهدف أيضا، فلم توقف المملكة استيراد أي منتوجات زراعية أو صناعية من عدة دول يتم دس المخدرات في العمائم وشحنات الخضراوات أو الفاكهة القادمة منها.
ونقلت الصحيفة عن مصدر سعودي عالي المستوى نقلا عن الأمير (الملك الحالي) سلمان بن عبد العزيز الذي كان في حينها أميرا للرياض، أن بعض قيادات المجاهدين الأفغان الذين كانوا يزورون المملكة على رأس وفود ضخمة في ذروة الجهاد الافغاني ضد الاحتلال السوفييتي في الثمانينات كانوا يهربون المخدرات في عمائمهم، وأن سلطات الجمارك كانت تعرف هذه الحقيقة، ولكنها كانت تغض النظر في حينها، تجنبا لإحراج هؤلاء، وحرصا على استمرار “الجهاد”.
من الحقائق المعروفة والموثقة أن 85 بالمئة من المخدرات في الدول الأوروبية تأتي من أفغانستان، والباقي في كولومبيا، والشيء نفسه يقال عن السعودية ودول الخليج، ومع ذلك لم نقرأ أن قرارا صدر عن الاتحاد الأوروبي أو السعودية، بمنع كافة الصادرات الزراعية والصناعية القادمة من البلدين، أو الدول التي تمر عبرها، وما زالت القهوة الكولومبية تتربع على أرفف “السوبرماركت” في لندن وباريس وبرلين.
نعترف أن هناك تقصيرا، وربما تواطؤا من قبل سلطات الجمارك اللبنانية، أو بالأحرى بعض الفاسدين منها، وعدم بذل الجهود الكافية لمكافحة التهريب، ومنه استخدام الفواكه والخضار اللبنانية، أو طرق أخرى، كغطاء لإغراق السعودية بالحبوب المخدرة، ولكن الجمارك السعودية في الجانب الآخر تتحمل المسؤولية نفسها أيضا، مع فارق أساسي وهو أن المؤسسات اللبنانية شبه منهارة هذه الأيام والبلاد تعيش أزمات طاحنة، أبرزها الفراغ الحكومي، ولا بد في هذه الحالة من رؤية وجهي العملة وليس وجه واحدة فقط.
كان من المفترض إذا حسنت النوايا التنبيه والاحتجاج قبل الإقدام على خطوة الحصار هذه، والتنسيق مع السلطات اللبنانية لعلاج هذا الخلل، ولكن هذا الافتراض لم يكن مرحب به، والتهريب كان ذريعة مثلما ذكرنا آنفا.
لبنان يواجه مؤامرة كبرى هذه الأيام تقف خلفها إسرائيل وأمريكا، وبعض حلفائها العرب، عنوانها الرئيسي هو سلاح “حزب الله” وصواريخه الدقيقة التي باتت قادرة على الوصول إلى أي هدف إسرائيلي في العمق الفلسطيني المحتل، وفشل هذه المحور في نزع هذه الصواريخ الدقيقة، وتدجين “حزب الله” وفرض التطبيع واتفاقات ترسيم الحدود البحرية حيث النفط والغاز وفق الشروط الإسرائيلية السبب وراء كل هذه الحصارات التجويعية والتركيعية للشعب اللبناني، وتصدير الأزمة له بالتالي.
الشعب اللبناني سيصبر، وسيتحمل، ولكن إذا طفح كيله، فتوقعوا الطوفان، ونحن نتحدث هنا عن محور المقاومة وأنصاره الكثر، ونصيحتنا لكل المتآمرين تقول: اتقوا غضب الحليم، والأمْر متروك لفهمكم.