كتبت لويز دونافان تحقيقاً في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تناولت فيها كيف يلجأ العمال الأجانب في دول الخليج العربية، وبخاصة العاملات في المنازل، تطبيق تيك توك للتنفيس عن أنفسهم والتعبير عن معاناتهم وتسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرضون لها.
وتتحدث الكاتبة عن شابة كينية ترتدي زياً رسمياً وحجاباً وتصف كيف تهز رأسها على إيقاع لحن في فيديو صنعته تعبّر فيه عن استياء وهي تقول بالإنجليزية “لا أفهم ذلك”.
في الفيديو الذي نشرته بريندا داما، 26 عاماً، على تطبيق تيك توك، تظهر كلمات مثل الحرية والاحترام على الشاشة. تقول بريندا: يوم عطلة واحد؟ “لا أفهم ذلك”. حياة سلمية من دون شجار وإهانات؟ “لا أفهم ذلك”.
الفيديو الذي نشرته داما على تيك توك، هو تقليد ساخر لأغنية ريني Renee للمغني الأميركي إيندي روك، تتحدث فيه ضغوط عملها كمدبرة منزل لعائلة في السعودية حيث عملت هناك منذ أن غادرت وطنها في كينيا في عام 2019. وهذا هو أحد مقاطع الفيديو العديدة الخاصة ببريندا والتي انتشرت على منصة “تيك توك” بشكل كبير حيث نال أكثر من 900 ألف مشاهدة ونحو ستة آلاف تعليق منذ نشره في آب / أغسطس الماضي.
وقالت الكاتبة إن عمال المنازل، على غرار الآنسة داما، ومعظمهم من النساء، والذين يعيشون في أماكن غير مألوفة لهم بعيداً عن منازلهم، لطالما استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي للبقاء على تواصل مع أصدقائهم وعائلاتهم. وحيث أن شعبية “تيك توك” قد تفجّرت العام الماضي، فإن هؤلاء العاملات قد تحولن إلى هذه المنصة كي يتحدثن بصراحة عن حيواتهن وشروط عملهن، حيث تقول الكثير منهن إنهن يعملن فوق طاقتهن، ويتعرضن للتحرش الجنسي، وأنهن أهداف للتمييز.
تقول بريندا للكاتبة في مقابلة هاتفية من السعودية “إن الأمر قاسٍ جداً هنا حيث ينتهي بك الأمر تبكين كل يوم. لكن عندما ترين التعليقات الإيجابية على فيديوهاتك، تقولين إن هذا الشخص الذي يعلق، يفهم الأمر”.
تعتمد دول الخليج العربية النفطية الثرية على العمالة المهاجرة من أفريقيا، وآسيا والدول العربية الأكثر فقراً، من أجل إبقاء آلة الحياة اليومية تعمل، حيث يوجد ملايين من مدبرات المنازل، وعمال البناء، وعمال التوصيل، وعمال التنظيف، والحراس، والحلاقون والكوافيرات وغيرهم. وغالباَ ما يتجاوز عدد هؤلاء العمال السكان الأصليين في البلد.
اعتباراً من عام 2016، سجل وجود نحو أربعة ملايين عاملة (وعامل) منزلية أجنبية في دول الخليج، بجسب دراسة منتدى “حوار أبو ظبي” حول العمالة الأجنبية، ويرجح أن العدد قد ارتفع منذ ذلك الوقت. وقبل وباء كورونا، كان 36 ألف عاملة وعامل منزليين يصلون المنطقة كل عام، بحسب المنتدى.
وقالت الكاتبة إن معظم عمال المنازل يستخدمون عبر نظام الكفالة الذي يمنح المستخدم سيطرة شبه كاملة عليهم. فهم غير قادرين على تغيير وظائفهم أو مغادرة البلاد دون إذن من المستخدم، وغالباً ما يقوم أرباب أعمالهم بمصادرة جوازات سفرهم وهواتفهم. كما أن العاملات المنزليات، الذين هم غالباً معزولات، هم أكثر عرضة للإساءة، بحس مجموعات حقوق الإنسان.
ومع حرياتهن القليلة والتي تقلّلت مع الوباء وزيادة عزلتهن، لجأت العاملات المنزليات إلى استخدام تطبيق تيك توك لإخبار العالم كيف تتم معاملتهن حتى لو كان الأمر قد يشكل خطراً عليهن.
بعض النساء يستخدمن المنشورات على تيك توك فقط للتنفيس عن أنفسهن. بينما تسعى أخريات إلى إطلاع العالم على ظروف عملهن القاسية، بحس دعابة مؤلم في كثير من الأحيان. يقول جمهورهم من المتابعين، وكثير منهم من العمال الأجانب أيضاً، إن مشاهدة هذه الفيديوهات المضحكة هي طريقة لتخفيف الشعور بالوحدة ويمكن أن توفر راحة قصيرة من التوتر والقلق والاكتئاب.
تقول ميريجين كاجوتو، 35 عاماً، وهي عاملة فلبينية في السعودية تنشر على تيك توك ولديها 18 ألف متابع، “إن الكثيرين يعانون هنا. والطريقة التي يعبّرون بها عن اكتئابهم وتوترهم من العمل، هي عبر تيك توك”. وتضيف أن أصدقاءها يرسلون لها فيديوهات ونصائح. “إنه نوع من خط مساعدة”.
بدأت بريندا داما النشر على تيك توك قبل نحو عام، موثقة أعمال العاملات مثلها في الشرق الأوسط. وقبل الانتشار الكبير لفيديو “لا أفهم ذلك” كان لديها أقل من 20 ألف متابع، الآن لديها أكثر من 32 ألف متابع، حيث إنضم خلال أيام نحو خمسة آلاف متابع. وتعرض فيديوهاتها المطعمة بالسخرية بعض المشكلات الكبيرة التي تواجه عاملات المنازل في الخليج.
في فيديو آخر، تضع بريندا غطاء رأس لتقليد رب عملها السعودي الذي اتهمها بسرقة أمواله لأنها “أتت من بلد فقير”.
وقالت الكاتبة إنه من الصعب تحديد عدد العاملات المنزليات اللواتي يستخدمن تيك توك، لكن ماري كريتز دي ميغلو من منظمة أبفيلترز، وهي منظمة غير ربحية مقرها هونغ كونغ تعرض تعليماً أونلاين للعمال المهاجرين، تقول إنها لاحظت ارتفاعاً في عددهن منذ بدء تفشي الوباء. تضيف: “فجأة، بدأ جميعهن يستخدمن التطبيق”.
الكثير من العاملات والعمال يستخدمون حس الفكاهة أو الدراما لعرض الصعوبات التي تواجههم يومياً.
وقالت الكاتبة إنه في بعض الحالات، تخاطر بعض النساء بفقدان وظائفن بسبب النشر على تيك توك، بل حتى تخاطرن بسلامتهن.
وقد تلقت منظمة “سانديغان”، وهي منظمة تهتم بحقوق عاملات المنازل مقرها الكويت، اتصالات من 70 إمرأة طلبن المساعدة في مشكلات تتعلق بنشرهن على تيك توك وفيسبوك لايف منذ نهاية 2019، وفقاً لمؤسسة المجموعة، آن أبوندا.
وقالت أبوندا إن معظم هؤلاء العاملات قد تعرضن للتوبيخ من مستخدميهم وطلبن إرشادهن وقليل منهن قد تم ترحيلهن. وأوضحت أنه في بعض دول الشرق الأوسط، قد يؤدي التقاط صور أو فيديوهات من داخل منزل المستخدم، وخصوصاً للأطفال، ونشرها أونلاين من دون إذن المستخدم، إلى توجيه اتهامات جرمية أو الترحيل. وأضافت: “إنهن يعرضن لحظات خاصة للجمهور وعليهن الحذر”.
وقالت إثنتان من اللواتي ينشرن على تيك توك إن ربي عملهما كانا على دراية بمقاطع الفيديو التي نشرتاها على تيك توك وتسامحا معهما، وهو ما حماهما من الأذى الجسدي والطرد من العمل.
لكن بالنسبة لعدد آخر من مدبرات المنازل اللواتي يعملن بأجور منخفضة في بلدان أجنبية، فإن الحياة ليست آمنة. ففي الكويت والسعودية، مثلاً، العاملات والعمال ملزمون بحسب القوانين بحفظ أسرار المنازل التي يعملون فيها. ويطلب من العمال والعاملات التوقيع على عقود عمل تتضمن مثل ذلك التعهد فور وصولهم إلى بلد العمل.
وقالت روثنا بيغام، وهي باحثة في حقوق النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “هيومان رايتس ووتش”، إن هذه العقود وقوانين العمل قد تستخدم ضد العمال المنزليين الضعفاء.
وقالت بريندا إن ربة عملها ضبطتها وهي تصوّر فيديو تيك توك على الشرفة وصدمت بذلك وأنبتها. وعندما شاهدت الفيديوهات شتمتها كأنها حيوان. وبعد شهرين غادرت داما للعمل في مكان آخر.
وأشارت داما إلى أنه مع ازدياد شعبية الفيديو “لا أفهم ذلك”، فقد بدأت تتلقى بعض الإساءات في التعليقات أونلاين. يتهمها المعلقون من المنطقة بالكذب ويطلبون منها العودة إلى بلدها. وهي تقول إن التنمّر قاسٍ وهي ترفض حذف فيديوهاتها لأن العاملات المنزليات يغرقن بروفايلها برسائل الدعم. فعندما تشعر بالوحدة، تجعلها كلماتهن قوية. تقول إنك تشعر بأن لديك رفقة وهواتفنا هم أفضل أصدقائنا”.