المحاضرة الرمضانية الثالثة عشرة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1442هـ “نص + فيديو + صوت”

616
المحاضرة الرمضانية الثالثة عشرة السيد
المحاضرة الرمضانية الثالثة عشرة

المحاضرة الرمضانية الثالثة عشرة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1442هـ

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛؛

في سياق الحديث عن خطورة الشرك بالله “سبحانه وتعالى” في شقيه (الاعتقادي، والعملي)، وصلنا إلى الحديث عما يعتبر من الشرك العملي: وهو الرياء والعياذ بالله.

وهنا نتحدث عن أهمية الإخلاص، وعن خطورة الرياء، وما يترتب على كلٍّ منهما.

عند التأمل في القرآن الكريم نجد آياتٍ كثيرة ركَّزت على موضوع الإخلاص لله “سبحانه وتعالى” في عبادته، الإخلاص له في الدين، ونقرأ بعضاً من تلك الآيات المباركة:

يقول الله “سبحانه وتعالى” مخاطباً لنبيه محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[الزمر: 2-3]، في هذه الآية المباركة في قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}، يبين الله “سبحانه وتعالى”

أنه أنزل القرآن الكريم وفيه تعليماته، وفيه توجيهاته، وفيه شرعه، وهو الذي يتضمن تعاليم هذا الدين، فيقول: {فَاعْبُدِ اللَّهَ}؛ لأن عبادة الله تتحقق من خلال العمل بهذا الكتاب، والإتِّباع لهذا الكتاب، والاهتداء بهذا الكتاب، {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}، والإخلاص هنا يشمل الجانب الاعتقادي والجانب العملي.

{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، وهذا إعلان عام: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، فواجبنا جميعاً، واجب البشر جميعاً: أن يدينوا لله “سبحانه وتعالى” بإخلاص، بشكلٍ خالص، ألَّا يشوبوا دينهم وعبادتهم لله “سبحانه وتعالى” بأي شائبةٍ من الشرك، لا على المستوى الاعتقادي، ولا على المستوى العملي، وهذا هو الإخلاص لله “سبحانه وتعالى”، فما تعبد الله به من العبادات، وما تتقرَّب به إلى الله “سبحانه وتعالى” من القربات، تقدِّمه خالصاً لله “سبحانه وتعالى”، من أجله “جلَّ شأنه”، تبتغي مرضاته هو؛ وبالتالي ليس لك هدفٌ آخر، أو مقصدٌ آخر من خلال ذلك، لا في صلاتك، ولا في حجك، ولا في زكاتك،

ولا في إنفاقك، ولا في صدقاتك، ولا في قولك الحق، ولا في جهادك، ولا في أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر، ولا في مواقفك الحق، كل ما تعمله من هذا الدين، تعمله لأجل الله “سبحانه وتعالى”، وليس لأيِّ مقصدٍ آخر من الناس، لا مقصدٍ ماديٍ ولا معنوي، لا لكي تحصل على مكاسب مادية في مقابل ما تعمله من هذا الدين، ما تقوم به من هذه القربات والأعمال الصالحة، التي هي من دين الله “سبحانه وتعالى”، ولا مقاصد معنوية، مثل: المديح،

والثناء من الآخرين، أو منصب معين، أو سمعة معينة، ومكانة معينة في نفوس الناس، أو في نفوس بعضهم، أو في نفس أيِّ شخصٍ منهم، فتعمل ما تعمل من دينك وأنت تتقرب به إلى الله “سبحانه وتعالى”، من أجله فقط، ليس لك أي مطلب ولا مقصد آخر من غير الله “سبحانه وتعالى”، هنا يكون ما قدَّمته خالصاً من أي شائبة؛ لأنك اتجهت به إلى الله “جلَّ شأنه”، ولم تتجه به إلى غيره.

أمَّا إذا دخل هذا المقصد الآخر، سواءً في صلاتك، تصلي وتتقرَّب بذلك إلى الله، ومع ذلك تبتغي أن تحصل على سمعة طيِّبة، وتنتظر من الآخرين الثناء، والإشادة بك، أو تجاهد وأنت تريد أن تحصل على الأجر والثواب، في نفس الوقت تبتغي وتحرص وتنتظر من الآخرين أن تحصل منهم على ثناء، على مديح، على مكانة في نفوسهم، على احترامٍ من جانبهم، على تقديرٍ من جانبهم، وتتوجه كهدف أساسي لهذا، جزءٌ من هدفك في العمل هو هذا الهدف، وحتى لو لم يتحقق لك هذا الهدف؛ ستغضب،

وتستاء، وسيؤثِّر ذلك على عملك نفسه، ففي كل أعمالك: في جهادك، في إنفاقك، في عطائك وإحسانك، في قولك الحق، في مواقفك الحق… في كل ما تعمله من الأعمال الصالحة، كل الذي تعمله من هذا الدين، يجب أن يكون خالصاً من أجل الله “سبحانه وتعالى”، من أجل الله “سبحانه وتعالى”، وتبتغي كل الخير من عنده، كل الخير هو من عنده.

يقول الله “سبحانه وتعالى” معلِّماً لنبيه “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وهو تعليمٌ أيضاً لكل مؤمن: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر: الآية11].

يقول “جلَّ شأنه” أيضاً: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[غافر: من الآية65]، وهذا خطابٌ للجميع بشكلٍ مباشر، يتوجه إلينا جميعاً: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}؛ لأنه لا إله إلا هو، فكل ما نعمله من الدين، وما نتقرَّب به من الدين، يجب أن نتقرَّب به إليه وحده، وألَّا يشوب إخلاصنا في ذلك أي شائبةٍ من شرك، لا عقائدي ولا عملي، ولا رياء؛ باعتباره من الشرك العملي.

يقول “جلَّ شأنه”: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة: من الآية5]، فلا بدَّ من الإخلاص في العبادة، في الدين، في الدعاء بعنوانه العام، وعنوانه الخاص، لا بدَّ من الإخلاص لله “سبحانه وتعالى”، هذا جزءٌ أساسيٌ من توحيدك لله “سبحانه وتعالى”، هو من مصاديق توحيدك لله “سبحانه وتعالى” على المستوى العملي.

يقول “جلَّ شأنه” وهو يعلَّمنا كيف نتخاطب مع أهل الكتاب: {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ}[البقرة: من الآية139]، وهذا أيضاً من الإخلاص بمعناه العام، الإخلاص في الدين، الإخلاص في العبادة، والسلامة من كل شوائب الشرك الاعتقادي والعملي.

يقول “سبحانه وتعالى” أيضاً فيما يتعلق بالجهاد في سبيل الله، ويتكرر هذا في القرآن كثيراً: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، عند الأمر بالجهاد يأتي بقوله “سبحانه وتعالى”: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، ويتكرر هذا كثيراً؛ وذلك ليكون جهادك من أجل الله أولاً، وليس من أجل هدفٍ آخر، أو مقصدٍ آخر تبتغيه من الناس، لا سمعة، ولا مكانة، ولا منصب، ولا مديح، ولا مكاسب مادية تبتغيها في مقابل ذلك، {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: من أجله، هذا أولاً، ووفق الطريقة التي رسمها وحددها في كتابه، فيكون تحركك في سبيل الله وفق تعليمات الله “سبحانه وتعالى”، وملتجئاً إليه، ومعتمداً عليه، ومتوكلاً عليه.

يقول “سبحانه وتعالى” أيضاً فيما يتعلق بالجهاد: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}[الحج: من الآية78]، وهذا أيضاً بشكل أبلغ من قوله: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، يفيد أن يكون جهادنا في سبيل الله بكل إخلاص لله “سبحانه وتعالى”، ومن أجله، وابتغاء مرضاته، ومحبةً له، وطاعةً له، فيكون توجهنا في ذلك كله إلى الله “سبحانه وتعالى” من دون أي شائبة.

يقول “سبحانه وتعالى” أيضاً عن الجهاد: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت: الآية69]، وهنا كذلك: {فِينَا}، من أجل الله “سبحانه وتعالى”، لا يدخل أي شائبة، أي مقصدٍ آخر من الناس نهائياً، هذا يخرِّب جهادك، يعطِّل جهادك، هذا مما يصرف الكثير عن مواصلة الجهاد في سبيل الله؛ لأنها تدخل مثل هذه المقاصد الشخصية، والأهداف الشخصية، وما يريدونه في مقابل ذلك من الناس، ما يريده من الناس، ما يريده من هذا أو ذاك، من هذه الشخصية القيادية أو تلك، وهذا يؤثِّر.

يقول “سبحانه وتعالى” أيضاً عن الجهاد: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة: الآية207]، يبيع نفسه من أجل الله، ابتغاء مرضاة الله، فهو يسعى للحصول على مرضاة الله، هي هدفه الرئيسي، وليس مرضاة الناس، أو المواقع المعينة (مواقع المسؤولية)، أو المناصب المعينة تتحول هي إلى هدف رئيسي يعلِّق عليه جهاده، مكانة وسمعة معينة، مقاصد مادية ومكاسب مادية يعلِّق عليها جهاده.

يقول “سبحانه وتعالى” عن الإنفاق: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى}[الليل: الآية17]، يعني: يجنَّب النار، نار الله وعذابه الشديد، {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى}[الليل: 17-20]، هو لا يبتغي في مقابل ما ينفقه من المال، لا يبتغي به مقابلاً من الناس،

من أيِّ أحدٍ من الناس، كبيرٍ أو صغير، سمعة عامة، أو مكانة خاصة، عند شخص معين، عند شخص قيادي، عند شخص له مكانة معينة، أو لدى الناس عموماً، أو في محيط معارفه أو مجتمعه؛ إنما هدفه الحصري: {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى}، ما يريده هو يريده من الله، وليس من الناس، هو في المقدِّمة يبتغي مرضاة الله “جلَّ شأنه”، {وَلَسَوْفَ يَرْضَى}[الليل: الآية21].

أيضاً فيما يتعلق بقيمة العمل الصالح، وفضله، والأجر العظيم عليه، وهذا مما يشجِّع على الإخلاص: أنك عندما تعمل ما تعمله من دين الله، وتنفِّذ ما تنفِّذه من توجيهات الله ابتغاء مرضاته، ومن أجله، ومن دون أي شائبة رياءٍ، تحصل على الأجر الكبير، والفضل العظيم من الله “سبحانه وتعالى”.

 

فيما يتعلق بالإنفاق يقول الله “جلَّ شأنه”: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[البقرة: الآية265]، الإنفاق {ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}، {وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}: يرجون لأنفسهم التثبيت من الله، فكل هدفهم ومبتغاهم هو من الله، وليس من الناس، لا سمعة، ولا مديح، ولا ثناء، ولا مكانة معينة يطلبونها من الناس، مَثَلُهم في هذا المثل، في هذه الآية المباركة،

{كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ}، جنة في مكان مرتفع وممتاز، وموقع متميز، خصب، مُنتِج على المستوى الزراعي، {أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ}، فيأتي للإنفاق أثره الكبير في نفوسهم، ويأتي للإنفاق أثره العظيم في أجرهم المضاعف، وفي نتائجه وآثاره الطيِّبة، {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ}، ولو لم يصبها وابل، ولو لم يصبها إلَّا القليل يأتي عطاؤها الواسع.

يقول “سبحانه وتعالى” فيما يتعلق بمساعي الخير من صلحٍ بين الناس، أو أمرٍ بصدقة، أو أمرٍ بمعروف: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء: من الآية114]، هذه مساعي خير، لكن ما الذي يفترض أن يكون الدافع إليها؟ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء: من الآية114]،

من يفعل ذلك ليس ليحصل على مكانة كبيرة في المجتمع، ووجاهة في المجتمع، أنه يحل مشاكل الناس، وأنه يقوم بدور إيجابي في معالجة مشاكل الناس وفي خدمتهم، ما يقدِّمه من الخدمة في مجتمعه، سواءً خدمات من هذه الخدمات الإحسانية، خدمات إحسان: أمر بمعروف، صدقة، أو فيما يتعلق في الصلح بين الناس، يفعله ابتغاء مرضاة الله، هو لا يعمل ليحصل على مقابل من الناس سمعة، ومكانة، واحترام، ووجاهة… وغير ذلك، ما يريده يريده من الله.

يقول “سبحانه وتعالى” أيضاً عن أجر العمل بشكلٍ عام: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}[الزلزلة: الآية7]، وهذا فيه طمأنة كبيرة، على أنَّ ما تعمله من أجل الله “سبحانه وتعالى”، ما تعمله من الخير قربةً إلى الله، فأنت ستراه، وسيعطيك الله عليه الجزاء في المقابل، المقابل لذلك من الله، وما تحصل عليه من الله هو الشيء العظيم جداً.

يقدِّم في القرآن الكريم طمأنةً على الأجر، على المقابل العظيم لما تعمله من العمل الصالح قربةً إلى الله “سبحانه وتعالى”، يقول “جلَّ شأنه”: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}[طه: الآية112]؛ لأن كل ما عمله محسوبٌ له، وسيجازيه الله خير الجزاء عليه، وعظيم الجزاء عليه، ولن يغيب منه شيء، ولن ينقص منه شيء، ولا مثقال ذرة،

فلا يخاف أنه سيقول: [أنا فعلت كذا، عملت كذا، ضحيت بكذا، قدَّمت كذا، سعيت كذا، فعلت كذا، ولكن ذهب جهدي هذا أدراج الرياح، أين التقدير لجهودي هذه؟ أين الجزاء على أعمالي ومتاعبي هذه، ومعاناتي هذه، وعطائي هذا]، {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}،

فأنت ستوفى كل أجرك، لا نكران لجهودك، لا نكران لعملك، لا تجاهل لسعيك، هو كله محسوب، مقدَّر طالما قدَّمته بإخلاص، ووفق توجيهات الله وتعليماته، فلن يضيع منه مثقال ذرة، وما تحصل عليه من الله هو المهم، هو العظيم، هو الدائم، هو الذي فيه الخير لك في الدنيا والآخرة.

يقول “جلَّ شأنه”: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء: الآية40]، يضاعف الأجر الكبير، ليس فقط يحسب لك العمل، بل ويضاعف لك عليه الأجر الكبير الواسع، الأجر من الله أجر شامل وواسع، أجر معنوي، وأجر مادي، وأجر عظيم ومكانة.

يقول الله “سبحانه وتعالى”: {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران: من الآية171]، وهذه ضمانة يقدِّمها الله لكل المؤمنين فيما عملوه، فيما قدَّموه، في تضحياتهم، في جهودهم، أنه لا يضيع عليهم من أجرها أي شيء نهائياً، على أي مقدار أبداً، ولا على أي جهد نهائياً، هل يريد أحد أكثر من ضمانة يقدِّمها الله له؟

يقول “سبحانه وتعالى” أيضاً: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف: من الآية56]، {وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، فهو “جلَّ شأنه” يمنحهم الأجر على ما عملوه في الدنيا وفي الآخرة، جزءٌ من الأجر بأشكال متعددة: رعاية واسعة، ألطاف عجيبة، دفع للشر عنهم، تثيبت وهداية وتوفيق…

الأجر عنوانٌ واسع، يدخل فيه رعاية من الله واسعة تشمل جوانب كثيرة: تشمل الرعاية المادية، والرعاية المعنوية، وصرف الشر، والتوفيق، والتثبيت، والهداية، وتشمل أيضاً توفية الأجر بغير حساب، بالوصول إلى رضوان الله، وجنته، والنعيم الدائم، والسلامة من عذابه.

يقول “جلَّ شأنه”: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}[البقرة: من الآية197]، لا تقلق أنه يمكن أن يكون لم يطَّلع على عملٍ معين من أعمالك، من أعمال الخير التي عملتها، تقول: [يمكن لم يصل إليه العلم بذلك، لم يطَّلع على ذلك، لم يعرف بذلك، إذاً سيضيع أجري]، كل ما تعمله من خيرٍ يعلمه “جلَّ شأنه”، فهو يعلمه، ويجازيك عليه بخير الجزاء، لا يمكن أن يغيب عنه لأنه لم يصل إليه تقرير من المسؤول الفلاني، أو المعني الفلاني، أو المشرف الفلاني، هو العليم بكل عباده، وبكل ما يعملون.

أيضاً من العطاء الإلهي، الذي يعطيه الله “سبحانه وتعالى” العزة، فالإنسان مثلاً قد يكون راغباً في أن يحظى بالعزة في هذه الحياة، وأن يكون عزيزاً، إذا أردت العزة، فلا تنشدها من الناس، ولا تتقرب بالأعمال الصالحة، والأعمال العبادية، تتقرب بها إلى الناس؛ تبتغي بها العزة منهم، بل أخلص لله “سبحانه وتعالى”، وبإخلاصك لله “سبحانه وتعالى”،

وعملك وفق توجيهاته تحصل منه هو على العزة، ويمنحك العزة يقول “جلَّ شأنه”: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر: من الآية10]، فتنال العزة من الله “سبحانه وتعالى” عندما تتجه بنيتك، بمقصدك، فيما تعمله من الأعمال الصالحة، فيما تتقرب به من العبادة إليه وحده “جلَّ شأنه”.

يقول أيضاً فيما يتعلق بالنصر، أنت تريد أن تنتصر، تكون قوياً، تحسم الصراع مع أعدائك لصالحك، يقول “جلَّ شأنه”: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ}[محمد: من الآية7]، فتحرك وأنت تتحرك من أجل الله، من أجل الله، ليس لتحصل على صيت، أنك الفاتح العسكري، أنك الذي يحسم المعركة لصالحه، أنك الذي يتمكن من التقدم والغلبة وكسر الأعداء،

وتريد هذه السمعة من الناس، وتعمل من أجل ذلك، وأنك من فتحت الموقع الفلاني، أو المعسكر الفلاني، أو المنطقة الفلانية، وأنك وأنك، لا، تعمل من أجل الله، من أجل الله، وتريد منه هو رضاه، وتتحرك وفق تعليماته، وهنا سينصرك، سينصرك، وهو الذي سيجعلك منتصراً، وفاتحاً، وغير ذلك، فاتجه بمقصدك إليه “سبحانه وتعالى”، والحديث يطول عن هذا الجانب في القرآن الكريم كثيراً كثيراً.

ثم نأتي إلى التحذير من الرياء، يقول الله “سبحانه وتعالى” مخاطباً لنبيه “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف: الآية110]،

هذه الآية المباركة من المعروف بين المفسرين وفي التاريخ والحديث أنها نزلت بشأن مجاهدين سألوا النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، عمَّا إذا كان الإنسان يجاهد وهو يريد رضوان الله، ويبتغي مرضاة الله “سبحانه وتعالى”، ولكنه مع ذلك يحب أن يذكر بين الناس بشجاعته وبإقدامه، وبسالته، وتضحيته، فهو يريد من الله الأجر، ويريد من الناس الصيت، السمعة، الإشادة،

المديح، فهل سيؤتى الأجر على ذلك؟ فنزلت هذه الآية المباركة لتحسم الأمر حسماً نهائياً، من غير المقبول أن يكون لك مقصدٌ تتجه به إلى الناس، ليكن كل مقصدك من الله، كل الذي تبتغيه وترجوه من الله “سبحانه وتعالى”، هنا تكون مخلصاً؛ أما إذا شاب جهادك، مواقفك، قولك الحق، عطاءك، إنفاقك، شائبةٌ من هذه الشوائب، تريد منها مقابلاً من الناس، فهذا هو الرياء، وهو شرك، شرك عملي، ولو كنت محسوباً على المسلمين، وأنك مسلم في انتمائك الإسلامي والديني، ولكنك تكون قد ارتكبت جريمةً من أكبر الجرائم؛ بسبب الرياء، يتحول هذا الأمر إلى شرك.

يقول الله “سبحانه وتعالى” أيضاً في التحذير من الرياء، وأنه يبطل الأعمال، يجعل عملك، لا قيمة له، لا تحصل في مقابله على الأجر من الله أبداً، ولا تكسب به كل النتائج الإيجابية للعمل الصالح، الذي تعمله ابتغاء مرضاة الله، وهو في سياق الحديث عن الصدقة والإنفاق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}[البقرة: من الآية264]؛ لأن المن،

عندما تتمنن بما أعطيت، مما يبطل صدقتك، والأذى كذلك، عندما تتبع ما أنفقت أذية، هذا يبطل صدقتك، ثم يقدم مثالاً مهماً، يربط به هذا الإبطال أيضاً، يقدمه أنه أيضاً من أكبر ما يبطل الصدقات ويفقدها قيمتها، {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} صخرة كبيرة ملساء عليها تراب {فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} مطرٌ غزير {فَتَرَكَهُ صَلْدًا} ذهب بكل ما عليه من التراب، فبقي صخرةً ملساء، ليس عليها شيءٌ من الطين، {لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا}، هذه هي الخلاصة،

هذا هو ما يعنيه المثل، لا يقدرون على شيءٍ مما كسبوا، يكون عملك مهما كان، صلاتك، صيامك، زكاتك، حجك، إنفاقك، زكاتك، عطاؤك، جهادك، مواقفك، قولك الحق، وقفتك الجادة في موقفٍ من مواقف الحق، أي موقف دخله الرياء يبطل، لا قيمة له، لا أجر عليه، لا فضيلة منه؛ وبالتالي أنت خاسر، هذا يجعلك تخسر، أمر خطير جداً، {لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا}.

يقول “سبحانه وتعال” أيضاً في سياق التحذير من الرياء في الإنفاق: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} ليس بدافعٍ إيماني، الرياء هو يبطل الدافع الإيماني، هو يذهب بالدافع الإيماني، {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا}[النساء: الآية38]، لاحظوا والعياذ بالله كيف يتحول الإنسان إلى قرين للشيطان بسبب الرياء، بسبب الرياء تصبح أنت مقترناً بالشيطان، وقريناً، ويكون الشيطان قريناً لك، وساء قرينا.

يقول “سبحانه وتعالى” فيما يتعلق بالصلاة: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ}[الماعون: 1-6]، فعندما ترائي حتى في صلاتك، فالويل لك، وهنا يتبين لنا أنك لا تقتصر خسارتك فقط على ذهاب الأجر، على أنك لم تحظ بالأجر، لم تحظ بقبول العمل، بل أكثر من ذلك، يتحول ذلك العمل بنفسه إلى معصية، يتحول ذلك العمل بنفسه إلى معصية؛ بسبب الرياء، أشبته بشائبة جعلت منه معصيةً، بدلاً من أن يكون قربةً تحظى من خلالها بذلك الأجر العظيم والفضل الكبير.

يقول “سبحانه وتعالى” أيضاً فيما تعلق بالجهاد والمجاهدين: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ}[الأنفال: من الآية47]، (بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ): لا يكون هناك سعي للرياء، والعرض أمام الناس، يكون هناك حرص على مرضاة الله “جلَّ شأنه”.

يقول أيضاً عن واحدةٍ من صفات المنافقين البارزة، فيما يتظاهرون به من أعمال الخير: {يُرَاءُونَ النَّاسَ}[النساء: من الآية142]، فمن أهم صفات المنافقين الرياء والعياذ بالله، ومن أكثر آفاتهم، وأخطر آفاتهم التي يعانون منها في دينهم: الرياء، فإن عملوا خيراً، فلهم مقاصد للرياء أمام الناس.

فنجد من خلال هذه الآيات المباركة أن من أهم ثمرات الإخلاص لله هو:

قبول العمل:

 أن يقبل الله منك عملك، أن يتقبل منك عملك الصالح، يتقبل منك عبادتك، أن يتقبل منك جهادك، لا بدَّ من الإخلاص، وأن يكون لعملك قيمته في الأجر، والفضل، والقربة، وأثره في واقع هذه الحياة، وأن يكتب لك أثر عملك، الذي قد يبقى أحياناً على مدى أجيال، وكذلك في نتائج العمل وفي نموه، أن يبارك الله عملك وجهودك في أثرها في نفسك، وفي أثرها في الواقع، وأن يحقق لك النجاح الكبير، هذه قيمة مهمة للإخلاص، وعظيمة وأساسية.

ثانياً: الفاعلية في العمل:

من أهم ثمرات ونتائج الإخلاص، أنك ستعمل بكل فاعلية، بكل جد، وفي كل الأحوال، في السر، والعلن، المرائي ينشط إذا كان أمام الناس، أو إذا كان يلحظ أن الناس يلهجون دائماً بالإشادة به، والحديث عنه؛ أما بمجرد أنه يلحظ أن الناس لم يتفاعلوا بالمديح والثناء والإشادة، أو لم يقدموا له ما يبتغيه منهم: منصب معين، مكانة معينة، رتبة معينة، عنوان معين، فهو سرعان ما يتحطم، ويتكاسل عن العمل، ويستاء من العمل، ويقول: هؤلاء لا يقدرون لي جهودي، ولا يهتمون بأعمالي، ولا يلحظون لي إنجازاتي؛ فيستاء.

لكن الذي مقصده الله، ومرضاة الله، وتوجهه نحو الله، وما يريده يريده من الله؛ سيكون نشيطاً في كل الأحوال، فاعلاً، ولو كان وحيداً في الصحراء، لا ينتظر من فلانٍ أن يراه، ولا من فلانٍ أن يقدر عمله، ولا من فلانٍ أن يشيد به، وإلا تكاسل وتخاذل، لا، هو ذلك الجاد والمهتم في كل الأحوال.

فمن أهم الثمرات العظيمة للإخلاص هو الفاعلية، والجد في العمل؛ لأنك تدرك أن الله يراك أينما كنت، ويقدر جهودك، ويعلم بأحوالك، وأنه لا أحد يقدر جهودك كالله “سبحانه وتعالى”، الذي يعلم حقيقة عنائك وجهدك، وقيمة عملك، هو”جلَّ شأنه” من يحيط بك، ويعلم بكل أحوالك، الناس لا يستطيعون حتى لو كان لديهم رغبة أن يهتموا بك،

أن يشيدوا بك، أن يقدروا عملك، لن يحيطوا علما وخبراً بمقدار عنائك، بمقدار جدك، بمقدار اهتمامك، بمقدار إخلاصك، ثم مهما قدموا لك فهو لا شيء، في مقابل ما يقدمه الله “سبحانه وتعالى”، فالفاعلية في العمل، في السر والعلن، وفي كل الأحوال والظروف، والجد في العمل بشكلٍ مستمر هو من ثمرات الإخلاص.

من أهم أيضاً ثمرات الإخلاص هو: الحفاظ على التوحد، والإخاء، والتعاون، والألفة، فيما بين المؤمنين:

بإخلاصهم لله “سبحانه وتعالى” فهم لا يدخلون في إشكالية الأنانية، الأنانيات والمقاصد الشخصية مدمرة للأخوة؛ أما مع الإخلاص فلديهم القابلية أن يتحركوا جميعاً بكل تفاهم، بكل تآخٍ، بكل تعاون، بكل محبة، وكلٌ منهم ليس له مقصد شخصي من الآخر، ينتظره نحوه.

أيضاً فيما يتعلق بخطورة الرياء:

من أكبر مخاطر الرياء هو خسران العمل، خسران الجهود، فالله لن يقبل منك أي عمل: لا جهاد، ولا إنفاق، ولا صلاة، ولا أي عمل ترائي فيه.

أيضاً لن تحظى بالنتائج والآثار الإيجابية للعمل، ستخسر كل ذلك الذي كان الله سيعطيك في مقابل عملك في الدنيا والآخرة، وهي خسارة رهيبة جداً، وإذا حصلت على شيءٍ من الناس، فهو شيءٌ وهميٌ وزائلٌ وبسيط، ليس له أي قدر في مقابل ما خسرته من الله “سبحانه وتعالى”.

من السلبيات الكبيرة للرياء:

هي السلبية في الأداء العملي: الذي أصبحت له مقاصد شخصية، سواءً في جهاده، أو في أعماله الأخرى، في الأعمال الدينية، فأداؤه يكون أداءً سلبياً، لا فاعلية فيه، لا جد فيه، مليء بالعقد، مليء بالسلبيات، مليء بالإشكاليات، كثير التذمر، كثير الاستياء، كثير العقد، ويحد من فاعليته، لن يعمل بجدية، وبراحة، وبتفاعل،

وبجد، كثير التململ، ضعيف الجدية، وقد يصل إلى التوقف، قد يتوقف لأي عائق، لأي استفزاز، لأي إشكالية، وكأن عمله كان من أجل الناس، بمجرد أن استفزه أحدٌ منهم، أو أساء إليه، أو واجه معه إشكالية، أو حصل له أي عقده، فوراً يتوقف، كأن عمله كان للناس، وليس لله “سبحانه وتعالى”، هذا دليل على الرياء.

من أخطر أسباب الفرقة، والأنانية، وعدم الانسجام، والتعقد، في الأداء العملي. فعلاً الرياء خطير.

المقاصد الشخصية التي تنحرف بك عن الإخلاص لله: أصبح لك مقصد شخصي، أن يكون لك منصب معين، تكون مدير أمن، أو تكون قائد عسكري، أو رتبة معينة، أو وظيفة معينة: وزير، أمير، قائد، مدير… أي موقع معين، سمعة معينة، نفوذ معين، إمكانيات مادية معينة، أن تعطى وتعطى وتعطى، هذه المقاصد المادية والمعنوية من الناس،

عندما تكون مقصداً شخصياً لك في العمل، فلها أثر سلبي جداً، تتحول إلى إنسان معقد، وكثير الإشكاليات ويرتبط توجهك العملي بذلك، فأنت لن تستمر في جهادك إلا في مقابل أن تعطى أشياء مادية، أو تحصل على مناصب معينة، أو مواقع معينة، تربط عملك بذلك، لن تقف موقف الحق إلا بذلك، لن تتحرك في واجباتك ومسؤولياتك إلا بذلك.

والكثير من الناس يتوقفون عن العمل في سبيل الله والجهاد في سبيل الله؛ لمّا تغيرت مقاصده، بل إن البعض يكون سباقاً، وتحرك في مراحل معينة، وكان تحركه تحركاً جيداً، ومنطلقاً، ومستمراً؛ لأنه كان سليماً من هذه المقاصد الشخصية، كان يتحرك لا ينتظر مكاسب مادية، ولا مناصب، ولا مواقع في مناصب معينة، يتحرك بشكل كإنسان عادي مخلصاً لله،

هدفه ومقاصده من الله، ومبتغاه من الله، ولذلك كان يستمر، بعد أن كان من ثمار إخلاصه- في مراحل معينة- أن يرفع الله من شأنه، أن يجعل له قدراً واحتراماً، أن يهيئه لأعمال أكثر أهمية، ومسؤوليات أكثر أهمية، وعند التمكين ينفذ الشيطان إلى نفسه، فتبرز المقاصد الشخصية، يصبح المنصب عنده مسألة أساسية، لن يواصل إلا بها، وقد يكون منصباً محدداً، تصبح المطالب المادية أساسية عنده،

لن يواصل إلا بها، ينسى ان ما وصل إليه سابقاً كان بإخلاصه، وكأنه إن لم يكن مكافحاً ومقاتلاً ومشتداً، ومستخدماً كل أسلوب أن يكون له هذا الموقع المهم، ويستخدم أي وسيلةٍ يراها أنها وسيلة ضغط، فإن الناس سيهمشونه، لن يكون له أي قيمة، أي قدر، هنا أصبح القدر عنده مسألة يحصل عليها من الناس، ويسعى إلى كيف يحصل عليها من الناس، بالتذمر، بالاستياء، بالعقد، بالتشويه… بوسائل كثيرة، أو بالتوقف عن العمل، ومحاولة أن يقول أنا لن أواصل إلا في مقابل ومقابل ومقابل.

فمن أهم سلبيات المقاصد الشخصية: أنها تنحرف بالإنسان بشكلٍ كليٍ عن الاستمرار في العمل في طاعة الله “سبحانه وتعالى”، وهذا ملحوظ، الكثير من الناس ممن كانوا سباقين في مراحل معينة، ما أوقفهم إلا المقاصد الشخصية، إلا حين نسوا الله، لو بقي الله مقصدهم، والله مبتغاهم، لما توقفوا، هل هناك مشكلة بينك وبين الله؟ احتجاج تحتج به على الله؟ الرياء ثم الرياء والمقاصد الشخصية هي التي تجعل الإنسان يقطع ما أمر الله به أن يوصل،

يتجمد في مرحلة معينة عن الاستمرارية في العمل في طاعة الله، في الجهاد في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، والإنسان هو الخاسر، في مثل هذه الحالة أنت الخاسر، لو تقرأ في القرآن الكريم ما وعد الله به من الأجر العظيم والفضل العظيم، وما توعد به، ستدرك خسارتك، ما توعد به المفرطين، المقصرين، العصاة، ستدرك خسارتك أنت.

في آخر المطاف يتضح لنا أننا من نحتاج إلى الإخلاص، الله “سبحانه وتعالى” عندما أمرنا بالإخلاص ليس من منطلق أنانية، هو الغني عنا وعن أعمالنا، لكن الإخلاص له قيمته، أثره، في أنفسنا، في أعمالنا، في حياتنا، في نجاحنا، ولذلك نعتبر هذا المقدار من هذه الآيات المباركة، والتذكير على ضوئها كافٍ في إدراك أهمية هذه المسألة.

ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛