أربكت حالات الانهيار المتلاحقة في صفوف المرتزقة، في محيط مدينة مأرب، حسابات دول تحالف العدوان، وخصوصاً بعدما تمكَّن الجيش و”اللجان الشعبية” من تخطّي الحاميات الطبيعية ــــ كالجبال والتباب والهضاب التي تشكّل خطوط دفاع المدينة.
وفي هذا الإطار، اعترفت قوات هادي، المسنودة بميليشيات “حزب الإصلاح” وعناصر تنظيمَي “القاعدة” و”داعش”، بسقوط أهمّ الجبهات الاستراتيجية المحيطة بمركز المحافظة، كجبهات جبل هيلان والكسارة والمشجح، في ظلّ تقدُّم قوات صنعاء، خلال الأيام القليلة الماضية، في جبال البلق القِبْلي والطلعة الحمراء. وأثارت هذه التطورات مخاوف الولايات المتحدة وبريطانيا من قرب تحرير المدينة، وهو ما عبّر عنه المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، بدعوته إلى وقف المعركة بشكل فوري لدواعٍ إنسانية.
ومع استمرار تقدُّم الجيش و”اللجان” على أكثر من جبهة، واقترابهما من السيطرة على منطقة التومة العليا التي تبعد أربعة كيلومترات عن الأحياء الغربية لمدينة مأرب، يواصل “التحالف” تفعيل آخر أوراقه المتمثّلة بحشد كلّ عناصر تنظيمَي “القاعدة” و”داعش” من مختلف المحافظات الجنوبية والشرقية، وذلك بعدما فشلت آلية استئجار المرتزقة الذين تمّ حشدهم من المحافظات الخارجة عن سيطرة صنعاء للقتال في جبهات محيط المدينة، خلال الشهرين الماضيين.
وفي هذا الإطار، أفادت وزارة الداخلية بصنعاء، أوّل من أمس، بأن “القاعدة” أعاد انتشاره في مدينة ووادي عبيدة خلال الفترة الماضية، وغيّر تموضعه وأماكن معسكراته بعد رصدها من قِبَل الأجهزة الاستخبارية لصنعاء.
وقالت إن التنظيم يشارك بشكل كبير إلى جانب قوات هادي وميليشيات “الإصلاح” في مختلف جبهات مأرب، وإن “التحالف” كلّف عدداً من قيادات “القاعدة” بقيادة بعض تلك الجبهات، كجبهة جبل مراد والعلم التي يقودها المدعو “الزبير المرادي”؛ وجبهة جبل البلق ومراد وذنه أقصى صرواح التي يقودها كلّ من “مقداد المرادي” و”عبد الرحمن محمد الشحري” المكنّى بـ”أبو حذيفة”؛ وجبهة السدّ والزور والتباب السود المطلّة على وادي ذنه وسدّ مأرب والتي يقودها “جعفر أبو الليل” و”أبو الحارث”.
وأشارت الوزارة إلى أن عدداً من قيادات “القاعدة” وعناصره موجودون في المجمّع الحكومي داخل مركز المحافظة، حيث تمّ تكليفهم باستقبال عناصر التنظيم القادمين من المحافظات الأخرى، مضيفة إن عدداً كبيراً من القيادات موجودون أيضاً في جبهة الجوبة (سليمان الزرقاوي، وأبو ليث الصنعاني، وأبو الحسن الظهري)، وأن مجاميع أخرى توجد في صرواح بقيادة “عبد الغفار أبو تراب”.
في السياق نفسه، أكدت مصادر استخبارية في صنعاء رصدَ تحرّكات لعناصر إرهابية وصلت، منتصف الأسبوع، من تركيا إلى سواحل محافظة أبين. وقالت المصادر إن القيادي في تنظيم “داعش” في أفغانستان وسوريا، المدعو “أبو صفية الأبيَني”، والمقيم في تركيا، وصل على رأس مجموعة من العناصر “الداعشية” إلى أحد معسكرات “الإصلاح” في مديرية لودر، وتوجّه إلى معقل “القاعدة” و”داعش” الجديد في مديرية الصومعة في محافظة البيضاء.
ولفتت إلى أن السعودية تدفع بالمزيد من الإرهابيين نحو مأرب، إذ رصدت الأجهزة الاستخبارية تدفُّقاً كبيراً لعناصر “القاعدة” من تعز وشبوة وأبين وحضرموت إلى المدينة. وتحدّثت المصادر عن وصول أمير “القاعدة” في محافظة تعز، المدعو “أبو بكر الشرعبي”، على رأس عناصر تابعة للتنظيم من بينهم أجانب. وكانت مصادر محليّة قد أكدت وصول العشرات من عناصر تنظيم “القاعدة” من أبين وشبوة للقتال في جبهتَي البلق القبلي والطلعة الحمراء، حين تعرّض موكبهم لقصف صاروخي من قِبَل قوات صنعاء، أدّى إلى مقتل وإصابة العديد منهم.
أثارت التطورات الأخيرة مخاوف الولايات المتحدة وبريطانيا من قرب تحرير المدينة
في مقابل ذلك، أكد مصدر في حكومة صنعاء أن قرار تحرير مأرب اتُّخذ، “وما يتمّ في الجبهات المتقدِّمة في محيط المدينة استكمال للمعركة التي بدأت منذ عام”، مشدداً على أن “هذه المعركة لا تقبل أيّ مساومات أو ضغوط دولية، وهدفها تحرير المدينة من التنظيمات الإرهابية التي استوطنت المحافظة برعاية تحالف العدوان وبتواطؤ أميركي وبريطاني مكشوف”.
ولفت إلى أن “القاعدة” حوّل مأرب إلى منطلق للأعمال الإرهابية في كلّ المحافظات اليمنية، معتبراً أن تصاعد القلق الأميركي من تحرير المدينة “لا يعكس حرص واشنطن على حماية المدنيين من بطش التنظيم، بقدر ما سوف يُسقِط ذرائع حضورها العسكري في السواحل الجنوبية والشرقية للبلاد، وسعيها، منذ عدة أشهر، إلى إنشاء قواعد عسكرية في محافظتَي المهرة وحضرموت تحت ذريعة مكافحة الإرهاب”، متحدّثاً، في هذا الإطار، عن أن العشرات من عناصر “المارينز” وصلوا، قبل أيّام، إلى مطار الغيظة المحتلّ من قِبَل قوات سعودية في محافظة المهرة شرق اليمن.