مقتل الرئيس التشادي.. على ضفاف عامه السبعين، وعلى مشارف معسكرات المتمردين، رحل الرئيس التشادي إدريس ديبي إتنو مثخنا بجراحه خلال مواجهة عنيفة في الشمال مع قوات المتمردين القادمة من ليبيا بزعامة محمد مهدي علي.
كان لمحمد مهدي علي هدف محدد، وهو طرد ديبي من العاصمة نجامينا بعد طرده من الحكم. وبالمقتل الغامض لحد الآن، تبدو تشاد على كف عفريت، فجراحها الكثيرة أصبحت أكثر عمقا، والأزمة انتقلت من صراع بين سلطة ومتمردين إلى فجوة داخل السلطة، وانتقال غير دستوري من حكم المشير إدريس إلى حكم ابنه الجنرال محمد إدريس الملقب بكاكا، قائد قوات النخبة والحرس الجمهوري في الجيش التشادي.
أين وكيف قتل الرئيس التشادي؟
لا تزال المعلومات شحيحة جدا بشأن ما حدث لديبي، وباستثناء بيان صادر عن الناطق باسم الجيش، فلا يوجد مصدر آخر يؤكد أو يضيف قصة مقتل الرئيس الراحل في مواجهة مع المتمردين في شمال البلاد. وتضيف المصادر الرسمية أن ديبي كعادته انتقل يوم الأحد إلى منطقة القتال لرفع معنويات جيوشه، قبل أن يصاب أثناء مناورة للتصدي للمتمردين، حيث نقل إلى العاصمة ليلفظ أنفاسه في وقت لاحق.
وسبق للرئيس الراحل أن قاد عدة مرات عمليات للتصدي للمتمردين الذين واجهوا نظامه طيلة العقود المنصرمة، ورغم شيوع واستقرار هذه الفرضية الرسمية، فإن روايات أخرى تتداول منذ ساعات، ومن أهمها:
فرضية الاغتيال الشخصي
من طرف أحد مرافقيه أو حراسه، خصوصا وأن عددا كبيرا من عناصر الجيش ينتمون إلى القبائل الشمالية، وبعضها يدين بالولاء لبعض خصوم ديبي.
تصفية داخل القصر أو خيانة من بعض المقربين
ويستعبد أصحاب هذه الفرضية حدوث انقلاب عسكري تقليدي، كما يستبعدون في الوقت ذاته وجود أي رئيس على خطوط القتال بشكل مباشر مع أعدائه.
ثم إن عدم الإعلان عن مقتل قادة بارزين أو مرافقين عسكريين للرئيس يثير تساؤلات بشأن صحة الرواية الرسمية، إذ ليس من المنطقي -وفقا لأصحاب هذا الرأي- أن يموت وحيدا في الميدان دون أن يصاب من حوله بأذى.
ويعتقد المسوقون لهاتين الفرضيتين أن بعض العسكريين ربما تخلصوا من ديبي حتى لا يجرفهم سيل الأزمة التي انطلقت سياسيا من خلال رفض المعارضة لولاية ديبي السادسة، وعسكريا من خلال تمرد الكتائب الشمالية بقيادة محمد مهدي علي.
انقلاب عسكري تقليدي
ورغم وجود أرضية مناسبة وأجواء مهيئة لانقلاب عسكري في البلاد بحكم حالة الاحتقان السياسي والتمرد العسكري وطول فترة بقاء الرئيس، فإن التطورات التي صاحبت وفاة ديبي لا ترجح فرضية الانقلاب التقليدي من طرف المؤسسة العسكرية، بحكم أن منطق الانقلابات التقليدية يقوم في الغالب على إلغاء ولعن السابق ومن حوله، في حين أن المجلس العسكري الذي تولى زمام السلطة يقوده نجل الراحل.
ورغم تعدد الفرضيات، فإن المؤكد هو أن الغموض ما زال يلف الموقف، وأن الانتخابات الرئاسية التي انتهت للتو قد فتحت بوابة أزمة سياسية وأمنية كبيرة في البلاد. كما أن حجم الدماء التي سالت في الأيام الأخيرة من حياة ديبي، كان كفيلا بتفكيك التماسك الوهمي لنظام ديبي القائم على القبضة العسكرية والحكم الأسري.
وبين مختلف الروايات، يبقى رحيل ديبي بشكل مفاجئ يوما واحدا بعد إعلان فوزه بولاية سادسة حدثا فارقا سيلقي بظلاله على المنطقة بأسرها، بعد أن يضاعف جراح تشاد.