قالت صحيفة “الأخبار” اللبنانية في تقرير لها أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يعد امامه خيارات خاصة بعد رفض الإدارة الأمريكية منحه الرضا الذي يريحه من القلق في شأن مستقبل العرش ولا استطاعته إيجاد مخرج من حرب اليمن التي تحوّلت إلى أزمة داخلية سعودية تكبر في وجهه؛ ولا حتّى يستطيع استخدام ورقة التطبيع التي من شأنها أن تؤلّب السعوديين عليه؛ وليس في مقدوره، أخيراً، إيقاف عجلة المفاوضات النووية التي يتّسع احتمال إفضائها إلى اتفاق مع إيران ومن أجل ذلك كلّه، يصبح فتح خطوط مع طهران منطقياً ومطلوباً.
وتساءلت الصحيفة في تقريرها قائلة: هل وصل مأزق محمد بن سلمان إلى الحدّ الذي يدفعه إلى اللجوء إلى الخيار المرّ، بطلب مساعدة طهران لإنقاذه ممّا اقترفت يداه، ولا سيما في اليمن، حيث تحوّلت العملية التي ارتجلها على عجل ضدّ هذا البلد إلى أحد أسوأ كوابيسه، بفضل الردود اليمنية الناجعة التي أحالت الحرب إلى أزمة داخلية سعودية تكبر في وجهه يوماً بعد يوم؟
وأضافت: منذ أن تولّى ابن سلمان ولاية العهد في عام 2015، وإلى أن أصبح تدريجياً حاكماً فعلياً للمملكة بصلاحيات مطلقة، أقام فلسفة حُكمه كلّها على محاولة نقل عداء السعوديين والعرب من “إسرائيل” إلى إيران. فما الذي تَغيّر؟
يعيش ابن سلمان في هذه الأيام، كما يبدو، قلقاً بشأن المستقبل، بدرجة تفوق ما كان يُعتقد سابقاً، وبالتحديد في الفترة التي تلت مباشرة رفع السرّية عن تقرير الاستخبارات الأميركية الذي اتهمه شخصياً بالوقوف وراء قتل جمال خاشقجي. فقد ترك امتناع إدارة جو بايدن في حينه عن معاقبة ابن سلمان، انطباعاً لدى المراقبين بأن القضية بلغت مداها، وأن الأميركيين لن يتدخّلوا مباشرة في مسألة الخلافة، ما يفتح الطريق عملياً لابن سلمان لوراثة العرش. لكن واشنطن لم تعطِ مذّاك، في المقابل، أيّ إشارة طمأنة لولي العهد حول موضوع الخلافة.
كذلك، يبدو أن كلّ الأزمات التي تسبّب بها ولي العهد السعودي ترتدّ إلى الداخل، بنسبة أو بأخرى، وتؤثّر عليه، لكن أكثرها تأثيراً هي حرب اليمن التي أصبحت، مع دخول سنتها السابعة، مشكلة داخلية سعودية يومية. ولربّما يُمنّي ابن سلمان النفس بأن تضغط طهران على “أنصار الله” لوقف الهجمات بالصواريخ والمسيّرات على المطارات ومنشآت النفط السعودية، على رغم أن إيران كانت قد أكدت أن هذه المسألة يعود تقديرها إلى اليمنيين الذين يربطون وقف هجماتهم بوقف العدوان ورفع الحصار عن بلادهم.
السعوديون عموماً، وسكّان ما يسمّى بالحدّ الجنوبي على نحو خاص، ما عادوا يطيقون الكلفة الباهظة التي رتّبتها عليهم هذه الحرب، بحيث صار الجزء الجنوبي من المملكة يعيش تحت قصف شبه يومي في إطار ردّ حركة “أنصار الله” على استمرار العدوان والحصار. هذا ما أظهره، مثلاً، غضب السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد اشتعال النيران في جامعة جازان قبل أيام قليلة، أثناء هجوم من اليمن بالصواريخ والطائرات المسيّرة. ولا يقتصر الضغط الداخلي على وليّ العهد السعودي على نتائج حرب اليمن؛ إذ تعكس وسائل التواصل الاجتماعي تململاً آخذاً في التوسُّع، تُعبّر عنه شكاوى السعوديين، سواءً من الظروف المعيشية الصعبة أو المظالم الأخرى، إلى حدّ أن تلك الوسائل تحوّلت إلى منتديات لطلب المساعدة في دفع الفواتير وتغطية تكاليف المعيشة.
لكن التطوّر الأهمّ في الأيام الماضية هو انطلاق المفاوضات النووية في فيينا، واحتمال أن تفضي إلى عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، بعدما أخفقت إسرائيل والسعودية في ثني واشنطن عن العودة إلى التفاوض، فضلاً عن إخفاق الرياض في فرض مشاركتها في المحادثات، وهو العنوان الآخر لمحاولات العرقلة. فالاتفاق النووي مع إيران، إذا جرى إحياؤه، سيكون الركن الأساسي في أيّ استراتيجية أميركية للخروج الآمن من الشرق الأوسط، إن أرادت الولايات المتحدة تطبيق مثل تلك الاستراتيجية. ومن شأنه أن يُحيّد أي دور سلبي يمكن أن يلعبه ابن سلمان، بل يُخفّف الحاجة الأميركية إلى السعودية أصلاً.
وربّما أكثر ما يقلق حكّام المملكة أن التقارير الاستخباراتية الواردة من “إسرائيل”، تتوقّع توصُّل مفاوضات فيينا إلى نتيجة في غضون أسابيع.
بالنتيجة، يحتاج ابن سلمان إلى تحقيق اختراق ما يكسر سلسلة الإخفاقات التي مُني بها. فإذا أردنا استعراض أوراق قوّته لتولّي المُلك متى جاء أوان انتقال السلطة، نجد أن الورقة الأساسية، وربّما الوحيدة، في يده حالياً هي التهديد الضمني بأنه في حال امتناع واشنطن عن دعمه، فالبديل هو وضع لا يمكن التنبّؤ به ولا بتأثيره على المصالح الأميركية في المملكة، وسوق النفط العالمي، والوضع في الشرق الأوسط. بمعنى آخر، التهديد بمزيد من السياسات المدمّرة، لكن هذه المرّة داخل السعودية. وبقدر ما يتحمّل ابن سلمان وحده مسؤولية الفشل في سياساته وحروبه، بدءاً من حرب اليمن وانتهاء بالمحاولة الانقلابية الفاشلة في الأردن قبل أسابيع قليلة، بسبب احتلاله كلّ مواقع القرار، بقدر ما تَصعب مهمّة استبداله، إذا كانت واشنطن تنوي ذلك فعلاً. ولذا، وَجدت الإدارة الأميركية نفسها مرغمة على تأجيل البحث في الملفّ الداخلي السعودي برمّته، أقلّه في العلن.
حتى مسار التطبيع مع “إسرائيل” الذي كان ابن سلمان يُعلّق عليه آمالاً عريضة، لا يبدو مفتوحاً. فلربّما يَحمل أيّ تطبيع من هذا النوع، مخاطر عليه، أكثر ممّا يجلب له فوائد. وما يؤخّر التطبيع هو تيقّن ابن سلمان من أن مغامرة كهذه ستؤلّب عليه السعوديين، وقد تُسقط أيّ شرعية له، سواء أمكن المواطنين التعبير عن آرائهم أم لا. فالاتفاقات التي وقّعتها عدّة دول عربية مع كيان العدو لم تساهم سوى في إبعاد شعوب هذه الدول عن حكّامها. على سبيل المثال، هل قابل الإماراتيون حماسة حكّامهم للعلاقات مع تل أبيب بالتدفّق في أفواج سياحية إلى الكيان للصلاة في المسجد الأقصى في رمضان؟ أو هل قّرب التطبيع النظام البحريني من شعبه؟