لم تتأخّر طهران طويلا بالرّد على هجوم منشأة “نطنز” بعد استهداف سفينتها “سافيز” في البحر الأحمر.. سريعا جاء استهداف سفينة “هيبرون ري” الإسرائيلية قرب شواطئ الفجيرة الإماراتيّة، عند مغادرة وزير الحرب الأميركي لويد اوستن الكيان الإسرائيلي في رسالة ايرانيّة تحمل دلالات هامّة الى تل ابيب وشريكها الإستراتيجي، خصوصا بعدما ارفقت طهران ضربتها بإعلان البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة في منشأة ” نطنز” بدءا من ليل امس الثلاثاء، تزامنا مع انتشار خبر استهداف مركز معلومات وعمليّات خاصّة تابع للموساد “الإسرائيلي” في شمال العراق، نتج عنه مقتل وإصابة عدد من القوات “الإسرائيلية“-
بحسب ما افادت وسائل اعلام ايرانيّة.
ورغم انّ الخبر بقي مثار لغط حيال تأكيد حصوله من عدمه، الا انّ موقع “انتل سكاي” المتخصّص بمراقبة حركة الطّيران والملفات العسكريّة والمدنيّة، ذكر انه تمّ توثيق عمليّة استهداف مركز المعلومات والعمليات الخاصة التابع للموساد، موضحا انّ صور العمليّة ستُنشر قريبا!
آثرت تل ابيب تنفيذ هجومها على منشأة “نطنز” تزامنا مع زيارة وزير الحرب الأميركي للكيان الإسرائيلي، ما اوحى بتنسيق بين الجانبين ازاء هذا الهجوم، سيما بعد تأكيد صحيفة “نيويورك تايمز” انّ “اسرائيل” ابلغت واشنطن مسبقا بنيّة الهجوم على السفينة الإيرانية، تزامنا مع اعلان وزير الحرب الإسرائيلي “انّ اسرائيل ستواصل حماية نفسها ولو اضطرّت لعمليّات هجومية”، وتقصّدت تمرير مسؤوليّتها –على غير عادتها عن استهداف سفينة “سافيز” الإيرانية في البحر الأحمر، في تلميح الى عزم تغيير قواعد الإشتباك مع طهران، سيّما بعد تلقُّفها “مرونة” اميركية في مفاوضات فيينا حيال الإصرار الإيراني على حصر التفاوض ب”النّووي” دون السماح لأيّ نقاش حول الصواريخ الباليستية الايرانية، ولربما فسّرت تل ابيب هذه المرونة، انطلاقا من رؤية واشنطن بأنّ الغاء العقوبات عن طهران، هو مصلحة اميركية يسمح لها بالإلتفاف على الإتفاقية التي ابرمتها الأخيرة مع بكين.
في المقابل، اختارت طهران توقيت ومكان الرّد على هجوم منشأة “نطنز” بدقّة لافتة باستهداف سفينة “هايبرون ري” الإسرائيليّة قرب شواطئ الفجيرة الإماراتيّة، فبدت رسالتها واضحة الى تل ابيب وابو ظبي معا، التي بادرت غداة اعلان تطبيعها مع الكيان الإسرائيلي، الى عقد اتفاقيّات امنيّة وعسكرية معه، دون التنبّه لاحتمال ردّ ايراني على اهداف “اسرائيلية” اينما وُجدت في المنطقة- بينها الإمارات، وهو ما كانت حذّرت منه طهران عقب التطبيع بين الجانبين.
بيقى السؤال” ماذا بعد الهجوم على منشأة “نطنز” والرّد الإيراني “الأوّلي” عليه على وقع استهداف الناقلات المتبادل بين طهران وتل ابيب؟ حيث بدا واضحا انّ الأخيرة تُزمع نقل المعركة “المحتّمة” مع “عدوّها اللدود” الى اعالي البحار، بعيدا عن جبهتها الداخلية.
غداة استهداف السفينة الإيرانية والهجوم على منشأة نطنز، رجّح الكاتب “الإسرائيلي” امير بوخبوط في موقع “واللا” العبري، لجوء طهران الى قاعدة “العين بالعين” مع اسرائيل، ما سيؤدي الى حرب حقيقية على ممرّات الشّحن، “وهذا سيُعرّض مناطقها الحسّاسة” للخطر، حيث انّ 98 بالمئة من وارداتها تأتي بحرا”..في وقت سأل المحلّل العسكري يؤاف ليمور في مقال له بموقع “اسرائيل هيوم”: “هل ينبغي على اسرائيل ان تستعدّ لهجوم محتمل من الأراضي الإيرانية”؟ مُبرزا في مقاله كمّ القلق “الإسرائيلي” من تلقّي ضربة ايرانيّة جرّاء التوتر البحري مع طهران.
وبحسب محلّلين وخبراء ايرانيين، فإنّ طهران لن تكتفي بهذا المستوى من الرّد. فبين من رجّح ان تأتي الرّدود الايرانية القادمة على متن عمليات استخبارية نوعية ضدّ اهداف “اسرائيليّة” هامّة في المنطقة، وبين من يتوقع هجمات سيبرانيّة غير مسبوقة ضدّ منشآت وبنى تحتيّة “اسرائيليّة” في المدى المنظور، جاء التلويح بردّ “من العيار القيل” على لسان المتحدّث باسم الحكومة الايرانية علي ربيعي، وفيه “انّ ردّ طهران على من نفّذ اعتداء منشأة نطنز سيكون داخل ارض من نفّذ الإعتداء.. في الوقت المناسب”!
اعلانٌ لا شكّ ارسى قلقا وارباكا في الكيان “الإسرائيلي”، بعدما وصله الرّد الايراني الأوّلي على استهداف المنشأة الايرانية.. على ان يُسدّد باقي الحساب، وبات واضحا انّ هناك تغيّرا جوهريّا في استراتيجية “ضبط النفس” الايرانيّة على تل ابيب ان تأخذه بالحسبان من الآن وصاعدا، وسط معلومات نقلها يوسي ميلمان، وهو مراسل اسرائيلي مخضرم، عن مصدر في موقع “ستراتفور” الأميركي القريب من وكالة الإستخبارات الأميركية، المحت الى انّ تغيُّر سياسة طهران ازاء قواعد الإشتباك مع “اسرائيل”، سيبرز واضحا في المرحلة القادمة، وسيسري على ساحات في دول محور المقاومة، تحديدا في سورية والعراق ولبنان، محذّرا من انّ الحدث الأبرز القادم قد يكون في اجواء سورية ولبنان، وربما نسخة عن واقعة 10 شباط 2018 ، عندما اسقطت الدفاعات الجوّية السوريّة طائرة “اف16 ” خلال غارات اسرائيلية على اهداف في سورية، “مع فارق ان يكون الحدث الجوّي الجديد، اخطر من سابقه”.
وإذ توقف عند العدوان الإسرائيلي الأخير ليل الأربعاء
الخميس الماضي على محيط دمشق، نبّه من الرسالة التحذيرية التي مرّرتها دمشق الى “اسرائيل” عبر مطاردة احد صواريخ الدفاعات الجوية السورية للطائرات الاسرائيلية المغيرة في اجواء لبنان، “والتي تُعتبر مؤشرا لتغيير قادم في قواعد الإشتباك مع “اسرائيل”، محذّرا من انّ ردّ طهران “الأولي” على اسرائيل والتي لم تكن تتوقّع حجم الرّد الايراني، -خصوصا اذا ما تأكد خبر استهداف مركز المعلومات والعمليات الخاصّة التابع للموساد للموساد في كردستان العراق، فإنّ تغيُّر استراتيجية “ضبط النّفس” الايرانية، يسري ايضا على حلفائها في المنطقة، خصوصا سورية.. وعليه، فإنّ على “اسرائيل” ان تنتبه جيدا “لأمر ما في سورية قد يكون حظي بموافقة ضمنيّة روسيّة.. او على الأقلّ “بغضّ نظر روسي”.
واذا صدقت معلومات ميلمان،” فإنّ ضربات يمنيّة غير مسبوقة في المرمى المعادي ستسير ايضا على متن المخاض العسير الذي سيسبق الوصول الى تسوية محتملة بين واشنطن وطهران في المفاوضات” النووية” خصوصا مع بدء العدّ العكسي للإنتخابات الرئاسية الايرانية- وفق ما سُرّب عن مصدر في موقع ” كونستركشن ويكلي”، كشف ايضا عن خيوط انقلاب ” ناعم ” يتمّ التحضير له في احدى الدول الخليجية دون تحديدها!