يطفح تاريخ الإسلام بالفتن والصراعات في صفوف المسلمين، حتى تكاد لا تخلو فترة زمنية من حرب داخلية أو نزاع بين طرفين أو أكثر.
في كل فتنة عرفتها الأمة الإسلامية منذ وفاة رسول الله محد (ص)، كان ثمة جهات خلفية تدير دفّة الأحداث بصمت، وفي كل مرة كان يتم اختلاق أسباب لإثارة الخلافات بين المسلمين، وهي أسباب لا تدعو في الواقع لأي خلاف حقيقي، ولكن التحريض الإعلامي، والدهاء السياسي أقنع المسلمين بمختلف أطيافهم بالتحارب والإقتتال لسنوات طويلة.
في عالمنا المعاصر، لا يزال المشهد كما هو، بل ربما أشد سوءاً عما مضى. وكما كان الإقتتال الإسلامي ينهك المسلمين وينفع أعداءهم، هو الآن يفعل الأمر ذاته ولكن بتوقيتٍ مختلفٍ وظروف مغايرة. والمؤسف أن الثغرة التي يتسرّب منها هذا القيح الذي يُمزّق الجسد الإسلامي، تتواجد في نفس هذا الجسد، وتمتزج بلحمه ودمه، أي أن داء هذه الأمة منها، من المسلمين أنفسهم الذين رضوا بأن يكونوا طعاةً للماكينات الإعلامية والخطابات الدينية التي تثير العصبيات وتدفع نحو التحريض والعنف.
هذا لا يعني أنه ليس هناك أيادٍ خارجية لكل تلك الفتن التي يشهدها العالم الإسلامي وتحديداً في العقد الأخير، بطبيعة الحال ثمة جهات تستفيد من هذه الصراعات، لذا تعمل على إيقاظ الفتن مع كل فرصة سانحة، ومن تكون هذه الجهات سوى الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وحلفائهم في المنطقة وفي مقدمتهم “السعودية”.
في موضوع الفتنة، تعمل الرياض بشكل ممنهج على استدامة الخلافات بين المسلمين وتحديداً الحاصلة بين السنة والشيعة. هناك خطباء مدربون على تهييج العصبيات، ومساجد تخرج سنوياً مئات المتشدّدين، ومؤسسات إعلامية ومراكز أبحاث وحسابات إلكترونية جميعها تعمل بتمويل وإشراف من قبل الرياض لإبقاء الفتن مستعرة بين المسلمين.
نجح إعلام الرياض في تحويل دفّة الصراع من عربي – اسرائيلي إلى شيعي – سني. فقد اقتنع غالبية المسلمين السنة بأن الشيعة كفار، إلى حد لم يستطيعوا بعدها تتبع عدوهم الحقيقي الذي تغلغل بينهم، أي العدو الصهيوني والولايات المتحدة.
بعد تحقيق المقاومة الإسلامية الإنتصار على العدو الصهيوني عام 2006،
تحول السيد حسن نصرالله إلى قائد عربي أصيل أعاد العز والمجد للعرب بعد عقود من الهزائم لكن الرياض استطاعت قطع الإتصال بين المقاومة الإسلامية وقائدها وبين الحاضنة العربية التي حظيت بها، لتصويرها كمنظمة إرهابية.
وفي حين أن هذه الإتهامات بدايةً لم تلق صداها كما يجب، إلا أنه ومع بداية الحرب السورية، وثورات ما يعرف بالربيع العربي، كانت الفرصة مؤاتية للرياض حتى تضع ثقلها لإثارة الحروب بين المسلمين، تحت يافطة الحكم الإسلامي ونيل الحريات وتحقيق الديمقراطية. وأصبحت العناصر الإرهابية المتطرفة تمثل المذهب السني وتحاكم جميع المسلمين وغير المسلمين باسمه، بدعم مطلق من الرياض التي أعدت هذا التيار لسنوات طوال. في المقابل، حين تصدّى الشيعة للتكفيريين، جرى تصويرهم مرة أخرى بأنهم غزاة وقتلة ومجرمو حرب، حتى اختلطت الأمور على كثيرين وباتوا يرون الأمور بمنظار آخر تماماً يخالف جوهر الحروب الدائرة تماماً.
تشكل شماعة القضاء على “المد الفارسي” إحدى مزاعم الإعلام السعودي الذي يدعو أيضاً للتطبيع والتآمر على الأمة الإسلامية تحت هذا العنوان. منشأ هذه الذريعة هو أن إيران تتصدى اليوم لأعتى أمبراطوريات الشر وهي الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وإن قبول إيران في الوسط العربي والإسلامي سيجعلها زعيمةً له وبالتالي ستقوى شوكة محور المقاومة إلى حد غير مسبوق، الأمر الذي يبعث إلى الإلتحام والتعاضد الإسلامي في وجه الأعداء الحقيقيين، وبالتالي طرد المحتلين والمستعمرين ثم حلفائهم من حكام الأنظمة العربية.
لذا ترى “السعودية” أن أمنها من أمن أعداء المسلمين،
ونهايتها مع نهايتهم، لذلك تستميت في خلق الشرخ والفتن بين الإسلام حتى يدخل المسلمين في الإقتتال الداخلي ويغضون الطرف عن العدو الحقيقي الذي سرق أرضهم ونهب خيراتها وقتلهم وأذاقهم الويلات، ولا يزال يخبئ لهم الكثير من المشاريع التآمرية التي لم تكشف بعد.