لم يكن المجلس السياسي الجديد الذي أعلن عنه مؤخرا العميد طارق صالح نجل شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح في الساحل الغربي لمحافظة تعز باليمن، ليمر بسلام، إذ أعقبته توترات داخل معسكر حزب الرئيس الراحل “المؤتمر الشعبي العام“، ليكشف بذلك عن تنافسات داخلية برزت إلى السطح.
في 7 أبريل/نيسان 2021، اندلعت اشتباكات مسلحة بين القوات التي يقودها طارق صالح وقوة عسكرية أخرى تابعة للقيادي في حزب المؤتمر زيد الخرج بمديرية المخا (غرب تعز) أسفرت عن مقتل 3 جنود على الأقل وجرح آخرين من الجانبين.
الاشتباكات اندلعت عقب إفشال الخرج فعالية كانت مقررة في مديرية المخا، بعنوان “اللقاء التشاوري الأول لأبناء المخا”، بهدف تحشيد الدعم لصالح المكتب السياسي لقوات الساحل الغربي (المقاومة الوطنية) الذي أعلن عنه طارق صالح في 25 مارس/آذار 2021، للعمل كذراع سياسي للتشكيلات العسكرية التي يقودها والمدعومة عسكريا من قبل الإمارات.
وأثناء الاشتباكات توجهت قوات طارق إلى منزل شقيق القيادي زيد الخرج واعتقلته، في حادثة علق عليها الخرج بأنها “لن تمر بسلام”، ولا تزال التوترات مستمرة حتى اللحظة.
ويعد الخرج من أبرز القيادات المؤتمرية في مديرية المخا، وكان رجل الرئيس السابق صالح في هذه المديرية الإستراتيجية المطلة على باب المندب (جنوب غرب)، وفي الوقت الحالي يعد مقربا من نجل صالح العميد أحمد علي الذي يعمل سفيرا لليمن في الإمارات، وتفرض عليه أبوظبي إقامة جبرية.
صراع أجنحة
حسب صحيفة القدس العربي اللندنية، فإن هذه الحادثة تعد انعكاسا لتوتر بين أجنحة حزب المؤتمر المتصارعة على وراثة تركة علي صالح السياسية في الحزب، بعد أن أطاحت بهم ثورة 2011، وأبعدتهم عن السلطة.
كاتب التقرير خالد الحمادي قال إن مصادر سياسية مقربة من حزب المؤتمر (لم يسمها) تحدثت للصحيفة مؤكدة أن قيادات في حزب المؤتمر المقيمة في الخارج لم يرق لها إعلان طارق صالح إنشاء مجلس سياسي لقواته في الساحل الغربي التي يطلق عليها المقاومة الوطنية، وفشلت كل الجهود لصده عن ذلك، لاعتقادهم بأن هذا المجلس قد يسحب البساط عن بعض القيادات المؤتمرية في أسرة صالح نفسه.
وأضافت الصحيفة في تقريرها المنشور 7 أبريل/نيسان 2021، أن طارق صالح، عندما أعلن قبل نحو أسبوعين عن إطلاق مجلسه السياسي، جمع في حفل الإطلاق كافة قيادات ووجاهات حزب المؤتمر في الساحل الغربي من أجل إظهار سيطرته على تركة الحزب هناك.
ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن بعض هذه القيادات سبق أن تمردت على قوات طارق صالح وقيادة العمليات العسكرية ضده بقوة السلاح، بتوجيه ودعم محتمل من قيادات مؤتمرية في الخارج، والأرجح من قبل السفير أحمد علي، إثر الاختلاف الذي طرأ بينه وبين ابن عمه في الآونة الأخيرة حول وراثة حزب المؤتمر.
وأضافت الصحيفة عن مصادرها أن كلا من أحمد علي وطارق صالح يطمحان إلى رئاسة حزب المؤتمر، كبوابة أولى لمشروع عودتهما إلى سدة الحكم مستقبلا، واللذين تدعمهما دولة الامارات بمشروعين مختلفين.
الأول سياسي يقف وراءه أحمد علي، والثاني عسكري يقوده طارق صالح، وكل منهما يتشبث بما في يديه من بقايا أوراق سلطة صالح المندثرة في البلاد.
وصاية إماراتية
في واقع الأمر، فإنه من المبكر الحديث عن صراع بين كل من طارق صالح وأحمد علي، خصوصا أنه حتى اللحظة لم تظهر بوادر صراع حقيقية بين الجانبين، باستثناء المناوشات الأخيرة التي اندلعت في المخا، وفق مراقبين.
الاشتباكات يغلب عليها الطابع الشخصي، والحديث عن كونها انقساما عموديا داخل حزب المؤتمر وجناح صالح بالذات، كان قائما على معلومات غير مؤكدة، ومصدر غير معلوم، حسب متابعين.
علاوة على ذلك، فإن الرجلين لا يتمتعان بإرادة مستقلة وليسا قادرين على اتخاذ القرار، ذلك لأن أحمد علي سفير اليمن في أبوظبي يخضع بشكل كلي لقيود إماراتية، حيث تفرض عليه أبوظبي الإقامة الجبرية، وتمنعه من الظهور الرسمي.
أبوظبي تستغل العقوبة المفروضة على نجل صالح من قبل مجلس الأمن في الضغط عليه لفرض أجندتها من خلاله، كما أنه يتشارك مع الإمارات في عداء القوى الثورية التي طالبت برحيله في 2011، وينطلق معها من ذات المنطلقات في التعامل مع تلك القوى.
في حين يمثل طارق صالح الأجندة الإماراتية في الساحل الغربي، ويقود تشكيلات عسكرية مسلحة أنشأتها ومولتها أبوظبي وتتلقى منها التوجيهات بشكل كلي.
ما سبق يعني أن الرجلين يخضعان لوصاية إماراتية، وليسا في مركز يسمح لهما بقرار تزعم وقيادة الحزب، أي أن هذا، وفق المعطيات الحالية، خاضع لقرار الإمارات في تحديد الرجل الأكثر كفاءة وقدرة على تحقيق مصالحها ومشاريعها في الساحل الغربي، وفي قيادة حزب المؤتمر بشكل عام، وفق خبراء.
ومع هذا فإنه لا يستبعد أن يندلع صراع بين الرجلين البارزين في حزب المؤتمر، وبين بني العمومة، خصوصا في ظل حالة التنافس المتزايدة داخل الحزب، وعدم وجود قيادة قادرة على لم شمل شتات حزب المؤتمر، وكذلك في ظل حالة التشظي التي يعاني منها حزب المؤتمر الذي كان حاكما لأكثر من 30 عاما.
الصف الأول
الحديث عن الانقسام الحالي داخل حزب المؤتمر إنما هو انقسام ثانوي داخل جناح صالح، أي أن الجناح الذي يضم كلا من العميد أحمد علي والعميد طارق صالح هو أحد ثلاثة أجنحة تتبع حزب المؤتمر.
عقب اندلاع عاصفة الحزم وإعلان صالح تحالفه مع الحوثيين عام 2015، انقسم حزب المؤتمر إلى 3 أجنحة، التحق الجناح الأول بالرئيس عبدربه منصور هادي المقيم في الرياض منذ أكثر من 6 سنوات.
ويسمى جناح المؤتمر التابع للشرعية، ومن أبرز عناصره سلطان البركاني رئيس مجلس النواب (البرلمان)، ونائب مدير مكتب رئاسة الجمهورية للشؤون الاقتصادية أحمد العيسي ورئيس هيئة الأركان العامة الفريق صغير عزيز.
في حين لحق الجناح الآخر بالحوثيين، عقب مقتل صالح في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017، وأصبح تحت سيطرة الحوثيين، بمن فيه من قيادات الصف الأول داخل حزب المؤتمر، مثل صادق أمين أبو راس الذي يرأس هذا الجناح في صنعاء، ويحيى الراعي رئيس مجلس النواب الخاضع لسيطرة الحوثيين.
ويعد الجناح الثالث هو جناح صالح، الذي تفرق أعضاؤه بين كل من مصر والإمارات وعدد من الدول والمناطق، ويكاد يحظى أحمد علي المقيم في الإمارات بالإجماع لقيادة هذا الجناح بعد مقتل والده الرئيس السابق صالح.
لكن مؤخرا ظهر الحديث عن طموح في القيادة من قبل طارق صالح الذي يحظى بأشقاء كانوا يوما من أبرز قيادات الحزب، من بينهم القائد السابق لقوات الأمن المركزي العميد يحيى محمد عبدالله صالح، المقيم حاليا في بيروت، ووكيل جهاز الأمن القومي السابق العميد عمار صالح، المقيم حاليا في الإمارات، وأحد رجال الإمارات في الساحل الغربي إلى جانب أخيه العميد طارق صالح.
وكيل محلي
الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي أكد لـ”الاستقلال” وجود خلافات بين أحمد علي وطارق صالح، لكنه ليس مرشحا لصراع يطفو على السطح.
حسب التميمي هو “صراع نفوذ تمتد جذوره إلى فترة علي عبدالله صالح نفسه عندما كان أولاد محمد عبدالله صالح (شقيق صالح) يستأثرون بكثير من النفوذ على حساب أولاد الرئيس الراحل، ويبدو أن العلاقة بين طارق وعمه لم تكن مثلها مثل تلك التي تجعل طارق يضحي من أجل ابن عمه (أحمد علي)”.
يضيف التميمي: “اليوم طارق يبدو أنه يتصرف بشكل منفرد عن أحمد علي وعن (حزب) المؤتمر الشعبي العام، الذي يعاني من التمزق ويعجز عن القيام بدوره، وهذا يعني أن أحمد علي يؤسس لدوره السياسي بديلا عن حزب المؤتمر، رغم أنه يعود ويقول أيضا إنه جزء من المؤتمر “.
يتابع التميمي: “أحمد علي متمسك بالمؤتمر الشعبي العام، والمعلومات التي نحصل عليها باستمرار هي أنه دائما كان يبلغ زواره تذمره من طارق، وأنه يتصرف بشكل منفرد، ويسعى لتقويض المؤتمر الشعبي العام”.
وأردف: “هناك بلا شك خلافات تتلخص بأن أحمد علي غير مرتاح لما يقوم به طارق، لكن مع هذا، فكلاهما في عهدة الإمارات، وهذا الأمر قد لا يجعل أبوظبي تسمح بأن تتصارع الأدوات”.
من جانبه، قال الكاتب والصحفي اليمني محمد اللطيفي: “ما حدث بتقديري، لا يرقى لمستوى الصراع، وما حصل هو نزاع طبيعي يحدث داخل كل الكيانات المسلحة، التي تشتغل بالوكالة لصالح قوى أجنبية، والأرجح أن القيادي المؤتمري زيد الخرج يريد، فيما يبدو، إيصال رسالة للداعم الخارجي، الإمارات، بأنه شخصية مهمة في المنطقة، ويريد الحصول على مكانة أفضل تحت قيادة طارق”.
يضيف اللطيفي: “مع ذلك، فإن هذا النزاع يبقى مؤشرا على صراع قادم سواء حول الامتيازات أو المكانة أو حتى طبيعة عمل قوات طارق صالح، لكن الصراع الأهم بتقديري يمكن أن يحدث بين طارق وأصحاب الأرض، وهو صراع سيكون منطقيا، لأن له قضية متعلقة باحتلال مناطق الساحل من قوات طارق، التي ترتبط بالذهنية اليمنية بتاريخ صالح الذي طالما تعامل مع المخا ومناطق الساحل كمناطق تهريب”.
ويتابع اللطيفي: “عمليا، المخا ومناطق الساحل امتدادا لباب المندب وجزيرة ميون، وكلها تتبع محافظة تعز، تحت الاحتلال الإماراتي، وطارق ليس سوى وكيل محلي، ومن هنا يمكن التعامل مع قصة النزاع الحاصل بين الخرج وطارق، كمؤشر الصراع حول الأرض”.
وختم حديثه بالقول: “من المهم هنا تشكل تيار جاد وصادق من أبناء مديريات المخا وذوباب لتحويل الساحل لقضية وطنية تستلزم تحريره من الوكيل المحلي كخطوة أولى قبل تحريره من المحتل الأجنبي، فهذه المديريات جزء أصيل من محافظة تعز، ويجب أن تعود إليها”.