مأرب هي محافظة يمنية، تقع شمال شرقي العاصمة اليمنية صنعاء، وتبعد عنها نحو 173 كيلومتر (107 ميل) وتبلغ مساحتها 17,405 كيلومتر مربع (6,720 ميل2) وتُقسم إداريًا إلى 14 مديرية، وعاصمتها مدينة مأرب، وبلغ عدد سكانها حسب التعداد السكاني لعام 2004 حوالي 238,522 نسمة، وقُدر سكانها بنحو 306,000 نسمة في 2014م.
دل أقدم المعلومات المعتمدة على حضارة يمنية راقية، يعود تاريخها على الأقل إلى القرن العاشر قبل الميلاد وتقترن هذه المعلومات بذكر سبأ التي ارتبطت بها معظم الرموز التاريخية في اليمن القديم والتي هي بالفعل واسطة العقد في هذا العصر، ويمثل تاريخ دولة سبأ، وحضارة سبأ فيه عمود التاريخ اليمني، وسبأ عند النسابة هو: أبو حمير وكهلان، ومن هذين الأصلين تسلسلت أنساب أهل اليمن جميعاً.
كما أن هجرة أهل اليمن في الأمصار ارتبطت بسبأ، حتى قيل في الأمثال: تفرقوا أيدي سبأ ،والبلدة الطيبة التي ذكرت في القرآن الكريم هي في الأصل أرض سبأ، كما أن أبرز رموز اليمن التاريخية سد مأرب قد اقترن ذكره بسبأ، وكان تكريمه بالذكر في القرآن سبباً في ذيوع ذكر سبأ وحاضرتها مأرب.
ودولة سبأ في العصر الأول هي أكبر وأهم تكوين سياسي فيه، وما تلك الدول التي تذكر معها سوى تكوينات سياسية كانت تدور في فلكها، ترتبط بها حيناً وتنفصل عنها حيناً آخر، مثل دولة معين وقتبان وحضرموت، أو تندمج فيها لتكون دولة واحدة مثل دولة حمير، والتي لقب ملوكها بملوك سبأ وذي ريدان وذو ريدان هم حمير.
وأرض سبأ في الأصل هي منطقة مأرب، وتمتد إلى الجوف شمالاً، ثم ما حاذاها من المرتفعات والهضاب إلى المشرق، وكانت دولة سبأ في فترات امتداد حكمها تضم مناطق أخرى، بل قد تشمل اليمن كله. وكانت مأرب عاصمة سبأ، وتدلل الخرائب والآثار المنتشرة التي تكتنف قرية مأرب الصغيرة اليوم على الضفة اليسرى من وادي أذنه على جلال المدينة القديم وكبرها، ويرجح أن التل الذي تقع عليه قرية مأرب اليوم هو مكان قصر سلحين الذي ذكره العلامة الحسن بن أحمد الهمداني قبل ألف عام، والذي ورد ذكره بالاسم نفسه في النقوش اليمنية القديمة .
معالم تأريخية
من أهم معالمها السياحية سد مأرب القديم ومعبد الشمس ومحرم بلقيس، وأهم مدنها صرواح وحريب. و لقد أثبتت الدراسات والأبحاث الأثرية أن الإنسان قد أستوطن أراضي مأرب منذ عصور غابرة، فهناك بقايا مواقع العصور الحجرية في شرق مدينة مأرب في صحراء رملة السبعتين.
كما أن هناك المقابر البرجية في منطقة الرويك والثنية والتي يعود تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ، أما بالنسبة للمواقع التاريخية والتي يعود تاريخها إلى الفترة الممتدة من مطلع الألف الأول قبل الميلاد وحتى فجر الإسلام فهناك الكثير منها يأتي في مقدمتها موقع مدينة مأرب القديمة والسد.
وقد شهدت هذه الأراضي قيام واحدة من أعظم الدول اليمنية القديمة هي مملكة سبأ التي بدأت في الظهور في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، وقد شهدت في القرون الممتدة من القرن التاسع إلى القرن السابع قبل الميلاد نشاطاً معمارياً واسعاً، شيدت خلالها المدن والمعابد، وأعظم منشآتها سد مأرب العظيم الذي وفر للدولة ومنحها صفة الاستقرار.
نشأت الدولة السبئية نتيجة لاتحادات قبلية كانت تقطن أراضي صرواح ومأرب ووادي رغوان.. وبعض أجزاء من الهضبة، وقد تزعمت وهيمنت قبيلة سبأ الكبيرة على بقية القبائل الصغيرة بالمقارنة معها، وضمتها تحت جناحها، فأعطت للدولة اسمها (سبأ).
مملكة سبأ
هي مملكة عربية قديمة، وهناك اختلاف حول مرحلة نشأتها، فهي موجودة من القرن الحادي عشر قبل الميلاد على الأقل. إلا أنها ظهرت بوضوح في القرن العاشر ـ التاسع قبل الميلاد كانت أقوى الاتحادات القبلية في اليمن القديم ولم يرتبط اسم إقليم اليمن بأي مملكة بقدرها.
واستطاعت المملكة تكوين نظام سياسي وصفه علماء العربية الجنوبية بأنه فيدرالية ضمت مملكة حضرموت ومملكة قتبان ومملكة معين وكل القبائل التابعة لهذه الممالك، وأسسوا عددا من المستعمرات قرب فلسطين والعراق كما تشير نصوص آشورية وبعض الوارد في العهد القديم يعطي لمحة عن وجود سبئي قديم في تلك المناطق.
الكثير من تاريخ المملكة السياسي غامض، على أن المستشرقين نجحوا في كشف النقاب عن عدة جوانب منه. أبحاث واكتشافات أثرية حديثة ساعدت في إعطاء وجهة نظر عن تاريخ مملكة سبأ، ولكن لا زالت معضلة الكرونولوجيا تواجه الباحثين بتاريخ هذه المملكة.
ثراء سبأ وشعبها يظهر في العديد من الأدبيات الكلاسيكية اليونانية والبيزنطة والعربية والعبرية كذلك، وللمملكة أهمية خاصة لدى الشعوب القديمة حول البحر الأبيض المتوسط كونها مصدر القوافل التجارية المحملة بالبخور وغيرها من التوابل العطرية. ذكرت سبأ في ثلاث كتب مقدسة لأتباع الأديان الإبراهيمية وأشهر القصص هي قصة ملكة سبأ وزيارتها لملك بني إسرائيل الأشهر سليمان.
سبأ أحد الأقوال أنه اسم جد قبيلة من القبائل العربية القديمة، القول الأخر أنه اسم مملكة، أما معنى الاسم فقد وردت نظريات كثيرة، وجدت اثار حجرية بـخط المسند تشير إلى معنى قاتل أو حارب بلفظة سبأ. ضمت هذه القبيلة عشائر عديدة إما بالحلف أو القوة.
وسبأ في عرف النسابة وأهل الأخبار هو جد من الأجداد القدامى التي تعود إليه أصول كثير من القبائل العربية، بل نصف القبائل العربية تعود بسلسلة نسبها إلى سبأ، والأدلة الأثرية بشأن ذلك لم تكتشف بعد، وقال بذلك النبي محمد وسرد النسابة هذا الرأي أيضاً. تأثر بعض الإخباريين بطريقة اليهود في تعقب الأنساب وشبه تأليه الشخصيات القديمة، بل كانت التوراة مصدرهم الذي استقوا منه تلك الأسماء، بالإضافة لزيادات من عندهم وتعريب لأسماء تبدو في ظاهرها عبرية
كان السبئيون منذ القرن الثامن قبل الميلاد يعبدون القمر والشمس وكوكب الزهرة، وفي القرن الرابع قبل الميلاد مع تغير الأسرة الحاكمة أصبح السبئيون يعبدون الصنم تألب ريام أحد أجداد الهمدانيين تليه أصنام القبائل الخاصة، فلكل قبيلة صنم خاص يعقب الأصنام السبئية الرئيسية كانوا آباءً للقبائل وفق معتقداتهم القديمة، بالإضافة لحيوان (الوعل) الذي يرمز أيضاً لكوكب الزهرة.
وفي القرن الأول قبل الميلاد بدأ السبئيون بالتخلي عن الوثنية واتجهوا إلى عبادة إله واحد هو رحمن، اشتهرت المملكة بسدودها وأشهرها سد مأرب القديم وسيطرتهم على الطرق التجارية التي أهمها طريق البخور وطريق اللبان، ونقلوا نظام كتابتهم القديم المعروف بخط المسند إلى المواقع التي سيطروا عليها في شمال الجزيرة العربية، وشمال إثيوبيا وكان لهم نظام كتابة آخر عرف باسم الزبور.
سد مأرب
هو سد مائي يقع في محافظة مأرب اليمنية، ويعود تاريخ السد القديم إلى بدايات الألفية الأولى ق.م، ويعتبر سد مأرب أحد أقدم السدود في العالم وكان يروي ما يقارب 24,000 آكر (قرابة 98,000 كم مربع) وعده الباحثون معجزة تاريخ شبه الجزيرة العربية.
ولكنه ليس الوحيد الذي بناه السبئيون وليس الأقدم إذ أظهرت الآثار أن السبئيين حاولوا حصر المياه والاستفادة من الأمطار منذ الألفية الرابعة ق.م، إلا أن السد الشهير نفسه يعود إلى القرن الثامن ق.م. وهو واحد من أهم السدود اليمنية القديمة التاريخية، بالإضافة إلى سد جفينة وسد الخانق وسد أضرعة وسد مرخة وسد شاحك.
بني السد من حجارة أقتطعت من صخور الجبال، حيث نحتت بدقة، ووضعت فوق بعضها البعض واستخدم الجبس لربط الحجارة المنحوتة ببعضها البعض، واستخدام قضبان إسطوانية من النحاس والرصاص يبلغ طول الواحدة منها ستة عشر متراً، وقطرها حوالي أربع سنتمرات توضع في ثقوب الحجارة فتصبح كالمسمار فيتم دمجها بصخرة مطابقة لها وذلك ليتمكن من الثبات أمام خطر الزلازل والسيول العنيفة.
حسب التنقيبات الأثرية، فإن السد تعرض لأربع انهيارات على الأقل آخرها كان في العام 575 ولم تبذل جهود لترميمه من ذلك الحين بعد لغياب حكومة مركزية واضطراب الأمن في البلاد وتدخل القوى الأجنبية (الفرس) واستقلال زعماء القبائل بإقطاعياتهم.
معبد الشمس
بناه الملك “لي وسر رع” وهو سادس ملوك الأسرة الخامسة الفرعونية في أبو صير، وهو أكمل معابد الشمس الباقية. ويشتمل علي مبني ضخم يقوم فوق هضبة ويطل علي الوادي، حيث يتصل به طريق صاعد مكشوف لأشعة الشمس ينتهي عند المعبد الرئيسي الذي يتألف من بناء ضخم، يضم بهوًا رحبًا تغمره أشعة الشمس وتملأ أرجاءه. وتقوم فيه مسلة حجرية ضخمة ارتفاعها 36 متر، وتنتهي المسلة بقمة مدببة علي هيئة الهرم الصغير. ومن أهم مميزات معبد الشمس الفناء الواسع، وخلوه من تماثيل الإله (الشمس)، ففي اعتقادهم أن إلههم واضح وموجود في السماء ،ولا حاجة إلى إخفائه في تماثيل.
عرش بلقيس أو معبد بران
يعد الموقع الأثري الأشهر بين آثار اليمن، ويقع على بعد 1400 متر إلى الشمال الغربي من محرم بلقيس وهو معبد سبئي كرّس لإله القمر “إلمقه” ويلي معبد أوام من حيث الأهمية ويعرف محلياً “بالعمايد”.
مراحل التطور
ظل المعبد حتى عام 1988م تغطيه كثبان الرمال المحيطة به، إلى أن كشف عن تفاصيله المدفونة تحت الرمال نتائج التنقيب الأثري، فوجد أن المعبد يتألف من وحدات معمارية مختلفة، أهمها قدس الأقداس والفناء الأمامي وملحقاتهما، مثل السور الكبير والمبني من الطوب والمنشآت التابعة، لقد تطورت العناصر المعمارية لمعبد بران في حقب زمنية مختلفه منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد، ويبدو أن المعبد مكون من وحدة معمارية متناسقة يتقابل فيها المدخل الرئيسي والساحة مع المدرج العالي بشكل يوحي بالروعة والجمال وعظمة المنجز.
وتجدر الإشارة إلى أن العرش شهد عملية ترميم واسعة وعلى مدى أربعة مواسم متتالية ابتداءً من عام 1997م إلى 2000م من قبل المعهد الألماني للآثار وبهذا أصبح المعبد مهيئاً لاستقبال السياح. وقد مرّ بناء المعبد بمرحلتين أساسيتين، الأولى من نهاية الألف الثاني حتى بداية الألف الأول قبل الميلاد والثانية بدأت عام 850 ق.م.
الشكل العام للمعبد
المعبد مربع الشكل له مساحة مكشوفة تتوسطها البئر المقدسة وحوض ماء حجري يصل إليه الماء بواسطة مَصَب من فم الثور المقدس. والقاعة محاطة بعدد من الجدران من الشمال والغرب والجنوب وأمام الجدار الغربي ينتصب عدد من المقاعد المرمرية ومن القاعة المكشوفة.
وتوجد 12 درجة تؤدي إلى قدس الأقداس حيث الستة الأعمدة يوجد حالياً خمسة أعمدة والسادس مكسور ذات التيجان المزخرفة بالمكعبات ويزن العمود 17 طن و350 كجم ويبلغ طوله 12 متر وسمكه 80×60 سم. يحيط بساحة المعبد المقدسة سور من اللبن “الطين” وله أبراج، ويقع باب المعبد في الجهة الشمالية. عرف بأعمدته الخمسة أما العمود السادس فهو مكسور.
معبد أوام أو محرم بلقيس
معبد أوام أو “محرم بلقيس” هو معبد سبئي مكرس للإله الرئيسي لسبأ ألمقه، ويوجد بالقرب من مأرب في اليمن. يقع المعبد على بعد 7 كيلومترات جنوب شرق مأرب القديمة، وتم بناؤه في ضواحي المدينة. عادة ما تقع المحميات الرئيسية في سبأ خارج المراكز الحضرية، وقد لوحظت هذه الأنماط في عدة معابد من الجوف وحضرموت.
أقدم نقش عثر عليها في المعبد يشير إلى بناء السور العظيم للمعبد بواسطة مكرب يدع إل ذريح الأول في منتصف القرن السابع قبل الميلاد. مبينًا الفترة المبكرة من بناء المعبد. نقش يدع إل محفور خارج السور، ويحتوي على ما يلي: «يدع إل ذريح بن سموهع علي، مكرب سبأ، سور معبد ألمقه، عندما ضحى لعشتار وأسس الاتحاد من قبل إله وراعي ومعاهدة سرية بواسطة عشتار وحواس وألمقه»
يحتل الجزء الأكبر من المعبد ساحة خالية من الحراسة محاطة بجدار حجري ذي مخطط أرضي بيضاوي غير منتظم. على الجدار الداخلي للقاعة كان هناك عشرات النقوش الهامة للغاية من الفترة المتأخرة من مملكة سبأ.