بعد أيّام من وصول شاحنات سعودية مُحمَّلة بذخائر أسلحة خفيفة ومتوسّطة إلى مدينة مأرب، تزامناً مع استعدادات على الأرض تجريها قوات الفار هادي، لخوض حرب شوارع في المدينة، وَجّه التحالف السعودي – الإماراتي، منتصف الأسبوع الحالي، بسحب ما تبَقّى من سلاح ثقيل في جبهات محيط مركز المحافظة، بما في ذلك مدرّعات «أوشكش» الأمريكية الصنع.
لكن العديد من القيادات العسكرية الموالية لحزب الإصلاح التكفيري تجاهلت تلك التوجيهات، كما تَهرّب من تنفيذها العديد من قادة الجبهات التابعين لهادي، وهو ما اعتبرته الرياض تمرُّداً على قرارها، لتُكلِّف رئيس أركان قوات هادي، اللواء المرتزق صْغيَّر بن عزيز، بتنفيذ المهمّة منتصف الأسبوع الحالي.
ووفقاً لمصادر محلية، فإن بن عزيز أمر، مساء الثلاثاء، بسحب المدرّعات المشار إليها من كلّ المعسكرات والجبهات الواقعة في نطاق المنطقتَين العسكريتَين الثالثة والسابعة في محافظتَي مأرب والجوف، وأشرف ميدانياً على تسليمها للجانب السعودي عبر منفذ الوديعة البرّي الرابط بين اليمن والمملكة، والواقع في نطاق محافظة حضرموت شرق البلاد.
وفي اليوم التالي، وجّه بن عزيز، أيضاً، بسجْن عدد من الضبّاط وقيادات «لواء الصقور الجنوبي» بسبب محاولة تهرُّبهم من تسليم «الأوشكش»، التي تُستخدَم لنقل الجند، وتحمل رشّاشات ذاتية الحركة وأبراج مراقبة.
التوجُّه السعودي الأخير لسحب مدرّعات أثبت فاعليتها في تقليل الخسائر البشرية في المواجهات، أعاده مراقبون إلى سقوط عدد كبير منها تحت سيطرة الجيش اليمني و»اللجان الشعبية» خلال المعارك الدائرة في محيط مدينة مأرب منذ منتصف شباط/ فبراير الماضي.
كما أنه يتزامن مع استمرار تقهقر لمليشيات المرتزقة هناك، خصوصاً في مناطق حسّاسة كجبل الأخشر الذي تَقدّمت قوات صنعاء إلى محيطه خلال الأيام القليلة الماضية، علماً بأنه يُعدّ آخر وأهمّ حاميات قاعدة «صحن الجنّ» العسكرية الواقعة في نطاق الأحياء الغربية لمدينة مأرب، ومن شأن إسقاطه إتاحة فرْض سيطرة نارية على القاعدة العسكرية الأهمّ التي تحتوي مقرّ وزارة الدفاع، وعدداً من غرف الإدارة والسيطرة.
وبالتزامن مع ذلك، تصاعَدت الخلافات بين قيادات قوات هادي والمقاتلين القبليين من أبناء قبيلتَي مراد وعبيدة، وهو ما أدّى إلى انسحاب العشرات من هؤلاء من جبهة مراد جنوب مدينة مأرب، ومن جبهة الطلعة الحمراء شمال غربها.
وجاء هذا في وقت اعترفت فيه وزارة الدفاع في حكومة المرتزقة مساء الأربعاء، بمقتل رئيس أركان المنطقة العسكرية السابعة، العميد محمد الحرملي، متأثّراً بإصابته في المعارك الدائرة في محيط مدينة مأرب، التي نقلت منها قوات هادي غرفة العمليات الحربية إلى محافظة شبوة، مُبرّرةً خطوتها بالحدّ من الهجمات الصاروخية التي طالت اجتماعات القادة خلال الفترة الماضية.
خسائر بشرية فادحة
واتّسمت مواجهات الأيام الأخيرة بالكرّ والفرّ في منطقة إيدات الراء وأطراف وادي نخلا، إلا أن مليشيا هادي والإصلاح تكبّدت خسائر بشرية نتيجة استمرار الغارات الجوّية لـ»التحالف»، والتي أودت بحياة العشرات من عناصرها في شمال غرب المدينة.
وشهدت أطراف منطقة المشجح مواجهات عنيفة بين الطرفين، فقدَت خلالها مليشيا هادي عدداً من المواقع العسكرية منتصف الأسبوع الحالي.
كما أحرز الجيش واللجان» تقدُّماً في إيدات الراء، ونقَلا المعركة إلى منطقة ذات الراء المقابلة والواقعة في نطاق وادي عبيدة، والتي يتمركز فيها العشرات من عناصر التنظيمات الإرهابية.
كذلك، امتدّت المواجهات إلى محيط جبال الخشب التي سقطت تحت سيطرة الجيش واللجان، لتنتقل دفاعات المرتزقة إلى أولى مناطق أرض الهبوط في الجبهة نفسها، والتي تتّسم بتضاريس سهلية منخفضة ممتدّة إلى داخل المدينة.
عمدت مليشيا هادي إلى استحداث سواتر ترابية وخنادق في الجانب الغربي من المدينة
وبالتوازي مع ذلك، عمدت قوات الرئيس المستقيل إلى استحداث سواتر ترابية وخنادق في الجانب الغربي من المدينة، تزامناً مع نصْبها تحصينات مماثلة في أطراف مركز المحافظة استعداداً لحرب شوارع، وهو ما سخرت منه مصادر قبلية، معتبرة إيّاه مؤشّراً إلى انهيار تلك القوّات.
وأكدت المصادر نفسها قيام ميليشيات «الإصلاح» بنشْر المئات من عناصرها في مداخل المدينة ومخارجها، تحت ذريعة تنفيذ خطّة طوارئ عسكرية فَرضت بموجبها حظْر التجوال ليلاً، ومنعت بقاء أيّ طواقم أو عسكريين نهاراً إلا بتصاريح رسمية من الوحدات التي ينتمون إليها.
وجاءت هذه الإجراءات في ظلّ ارتفاع تحذيرات قيادات قبلية في مأرب من عملية عسكرية واسعة قد تُنفّذها صنعاء خلال الأيام المقبلة.