بعد غياب الملف الإيراني عن المشهد السياسي والإعلامي لحوالي أسبوع، عاد ليبرز مؤخراً مع تطورات متسارعة توحي بتقدمٍ في الملف نحو استعادته والعمل به مجدداً، دون أية إضافات جديدة عليه لا من حيث البنود، ولا من حيث الأطراف المعنية به، ومن غير خطوات إيرانية مُسبقة اتجاهه، وإنما أمريكية أولاً.
بعد طول تجاذبات وصدٍّ وردّ بين واشنطن وطهران، جرى يوم الجمعة 2 نيسان مؤتمر عبر «الفيديو كونفرس» جمع ممثلين عن الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة وإيران، نوقشت خلاله مسألة عودة الولايات المتحدة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني)» وقد رحبت الأخيرة بذلك عبر تصريحٍ من الناطق باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس «بالطبع نحن نرحّب بهذه الخطوة ونعتبرها إيجابية» متابعاً: «نحن على استعداد للسعي إلى العودة للإيفاء بالتزاماتنا الواردة في خطة العمل الشاملة المشتركة، بما يترافق مع قيام إيران بالأمر ذاته». فيما يمثل تغيّراً ملحوظاً في سلوك الولايات المتحدة السابق، التي كانت تشترط- رغم خروجها هي من الاتفاق- بأن تبدأ طهران بخطوات أولى.
وعقب انتهاء المؤتمر أعلنت روسيا بأن الاجتماع الافتراضي ترك انطباعاً بأن الأمور تتطور على المسار الصحيح، وأكد نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن طهران ستوقف خطواتها المتعلقة بخفض الالتزام بالاتفاق النووي «بمجرد رفع العقوبات والتحقق منها»، فيما أعلن الاتحاد الأوروبي بأنه سيُجري اجتماعات منفصلة ومكثفة في فيينا مع جميع أطراف الاتفاق بغية إنقاذه.
ونقلت «رويترز» عن مسؤولٍ أمريكي لم تعلن هويته، لكن ما يهم هو ما تقوله رويترز بوصفها جزءاً من الإعلام الغربي ومعبراً عنه، قوله: «نتفاوض على قائمة الالتزامات النووية وقائمة رفع العقوبات، وسيتعين دمجهما عند مرحلة ما. وفي نهاية المطاف، نتعامل مع ذلك بطريقة متوازية، وأعتقد أنه بإمكاننا تحقيق ذلك في فترة تقل عن شهرين» مما يوحي بأن واشنطن بدأت تعطي إشارات جدّية اتجاه خفض العقوبات وعودتها إلى الاتفاق.
وكان من اللافت الموقف الإيراني المبدئي والثابت تجاه ملفهم، فرغم كل الإشارات «الإيجابية» التي تبديها واشنطن، سواء بشكل مباشر أو عبر حلفائها ووكلائها، إلا أن طهران لا تزال ترفض أية مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع الولايات المتحدة حول الاتفاق، ويعود ذلك إلى خبرة طهران، وجميع الدول غيرها، في السلوك الأمريكي الذي كان ولا يزال يتمثل بإطلاق الوعود والكلام والتأكيدات الشفهية دون خُطى عملية تدعم ادّعاءاتهم، وقد رفضت طهران أيضاً المقترح الأمريكي بمبدأ «خطوة مقابل خطوة» والذي اشترط أن تبدأ بها إيران أولاً، في حين أن من خرج من الاتفاق هم الأمريكيون وحدهم، وفرضوا العقوبات بعدها، وبشكل أحادي وغير مشروع أو مبرر، وبالتالي، على واشنطن لا أن تبدأ بالخطوة الأولى فحسب، بل بجميع الخطوات من رفع عقوبات وحصار والعودة للاتفاق النووي بشكل كلي، وهو ما تؤكده طهران، وتسير اتجاهه الولايات المتحدة.
بايدن/ ترامب أم أمريكا ككل؟
يحلو للكثيرين أن يفسروا، ويبرروا، ما يجري حول الاتفاق النووي الإيراني، بفشل واشنطن من فرض خططها وشروطها، بأن المشكلة هي أداء وسلوك وعمل إدارة بايدن الحالية، أو بتفسير خاطئ متمثل بأن إدارة بايدن هي أكثر «قرباً» من إيران والصين، بمقابل «العداء» لروسيا، هذه الحال نفسها التي رافقت إدارة ترامب في السابق حينما جرى تحميله «بشخصه» مسؤولية التراجع الأمريكي والهزائم، والتي كانت من إحدى ذرواتها سياسياً قمّة هيلسينكي التي جمعت الرئيسين ترامب وبوتين، وما تلاها.
إنّ كل هذه التفسيرات والرؤى، بتحميل أية إدارة عن أخرى مسؤولية وجهة الولايات الأمريكية، هي تفسيرات خاطئة، فالثابت الوحيد الماضي قدماً للأمام، وليس منذ عهد ترامب، إنما من جورج بوش نفسه، هو التراجع الأمريكي والمستمر نحو أفولها، مروراً بإدارة أوباما وترامب والآن بايدن، وما قد يأتي بعده، والفرق الوحيد بين هذه الإدارات هو شكل هذا التراجع، وكيفية التعامل معه، وسرعته، والسبب بذلك هو: الأزمة الرأسمالية العالمية والأمريكية خاصةً، والتي من غير الممكن لأحدٍ أن ينقذها، أو أن يغيّر مسرى التاريخ.
وفي هذا السياق، لم تعد هزائم
مستغربة بتاتاً، وتمكّن طهران من فرض موقفها المحق في المسألة النووية التي تخصها على أية حال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاذ سعد