مع التطورات الاخيرة التي تشهدها الأردن تطرح عدة تساؤلات نفسها حول حقيقة الوضع هناك وهل تمكن الامير حسن من نزع فتيل الأزمة للابد ام كان مجرد مسكن لتعاود الازمة في الاشتعال من جديد.
تجاوزت العائلة الحاكمة في الأردن أزمة داخلية غير مسبوقة بعد نجاح عميدها الأمير الحسن بن طلال ولي العهد الأسبق لأكثر من 34 عاما في تطويقها، وإقناعه الأمير حمزة شقيق الملك بتوقيع بيان رسمي تعهد فيه بالبقاء مخلصا للملك وولي عهده وملتزما بالدستور، ولكن ما زال من السابق لأوانه الجزم بأن الأردن تجاوز أزماته كليا التي كانت هذه إحداها، وما إذا كانت هذه المصالحة العائلية دائمة أم مؤقتة؟
لن نتحدث هنا في هذه العجالة عن تفاصيل هذه الأزمة التي باتت من الماضي، علاوة على كون تفاصيلها الدقيقة باتت معروفة بسبب دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشرها أول بأول بشكل موسع لجمهور أردني كان متعطشا للتعرف عليها، لأنه لم يتعود على مثلها منذ بدء الحكم الهاشمي قبل مئة عام، ولكن هناك عدة حقائق يمكن استخلاصها من بين ثنايا الأزمة:
أولا: أكدت هذه الأزمة دعم المؤسستين العسكرية والأمنية للملك الأردني الملك عبد الله الثاني، والتفاف معظم المواطنين حوله، حيث ظلت، أي الأزمة، محصورة في نطاق ضيق مع بعض التداعيات المحدودة.
ثانيا: أدار الأمير حمزة بن الحسين الجانب المتعلق به من الأزمة بمسؤولية عالية، وأدب جم، ولم تصدر عنه أي كلمة مسيئة، سواء لشقيقه الملك، أو للأجهزة الأمنية والعسكرية التي فرضت عليه الإقامة الجبرية في قصره، وطالبته بالصمت، والتوقف عن أحاديثه عن الفساد وسوء الإدارة، وإهدار المال العام، وقبل في اخر المطاف بوساطة عمه الأمير الحسن حرفيا.
ثالثا: توصل الأسرة الهاشمية الحاكمة في الأردن إلى قناعة راسخة بأن تفاقم الانقسامات والصراعات في صفوفها سيقوض شرعية حكمها، ولهذا بادر حكيمها الأمير الحسن بالتحرك سريعا، وبتكليف من الملك، وتطويقها، والحيلولة دون امتدادها إلى الشارع الأردني المحتقن، رغم حالة التهميش التي يعيشها حاليا.
رابعا: أدت بعض الأخطاء الإدارية الحكومية، وانخراط بعض رموز الحرس القديم في عملية استقطاب سياسي، بطريقة قديمة، والتهجم على الأمير حمزة في محاولة لإظهار الولاء، إلى زيادة شعبيته، خاصة محاولة الزج بزوجته في أتون الأزمة، وإجرائها اتصالات خارجية، ودون أي وعي بخطورة هذا المنحى وحساسيته، فالحرس القديم ومعظم رموزه يتحملون مسؤولية انهيار البلاد، ولا يتمتعون بمصداقية في الأوساط الشعبية.
خامسا: كشفت هذه الأزمة من هم أصدقاء الأردن ومن هم خصومه في المنطقة، ومارست السلطات الأردنية أعلى درجات المسؤولية عندما تحلت بالصبر وكظم الغيظ، ولم تكشف عن هؤلاء الأعداء ودور بعضهم في المؤامرة، لأن أوضاع الأردن الاقتصادية الصعبة، وتصاعد حدة التوترات في الإقليم، لا تسمحان بفتح جبهات، ومعارك دبلوماسية.
سادسا: اتضح عمليا مدى ضعف العديد من مؤسسات الدولة، وأبرزها الإعلامية الرسمية منها، بشقيها المحلي أو الدولي، كما أن المتحدثين الرسميين لم يكونوا على مستوى الحدث، الأمر الذي دفع الرأي العام الأردني للهجرة إلى الإعلام العربي والخارجي ووسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة التطورات وتفاصيلها بحثا عن المعلومة.
سابعا: قارن كثيرون، داخل الأردن وخارجها، بين الأمير حمزة ونظيره المغربي مولاي هشام بن عبدالله العلوي، المسمى بالأمير الأحمر، الذي غرد خارج السرب، وانتقد إدارة ابن عمه الملك المغربي للأوضاع بالبلاد، وعندما يئس من الإصلاح تنازل عن اللقب الملكي، ولكن من المستبعد أن يلجأ الأمير حمزة إلى السير على الطريق نفسه، والتخلي عن طموحاته.
ثامنا: الشارع الأردني الذي شعر بالصدمة في البدايات الأولى للأزمة وساده بعض القلق أظهر تماسا وحرصا على استقرار بلاده وأمنها، وأظهر ولاء للنظام الهاشمي، كعنوان لهذا الاستقرار، ومن المؤكد أنه سيطالب بالمقابل بعد انقشاع الغبار، والمقابل حريات وحكم رشيد، واجتثاث للفساد، وإصلاحات سياسية جذرية.
تاسعا: الحديث عن مؤامرة خارجية تقف حول الأزمة ورموزها، يظل غير مقنع، طالما لم يقترن بالأدلة والإثباتات الموثقة، وهذا لم يحصل حتى كتابة هذه السطور، مجرد تسريبات هنا وهناك، لا أكثر ولا أقل.
عاشرا: العرش الهاشمي مستهدف، وأيا كان من يتربع عليه من جهات عديدة، أبرزها دولة الاحتلال الإسرائيلي والحلفاء العرب الجدد الذين تجاوزا الأردن وهمشوا دوره الإقليمي، من خلال مشاريع اقتصادية وبنى تحتية، مثل قناة إيلات اسدود، وخط سكك الحديد لربط ميناء حيفا بالخليج الفارسي، وتصدير النفط والغاز عبره.
من غير المعتقد أن الأزمة انتهت كليا، وسيظل جمرها تحت الرماد، الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا لمؤسسة العرش الحاكمة، والنهج القديم في كنس المشاكل تحت السرير، والاستمرار في إدارة الأزمات وفق نظريات العقود الماضية، وإهمال المطالب الشعبية، وعدم التصدي بجدية للفساد، وتنظيم انتخابات برلمانية شفافة وليس مزورة وشكلية لا تمثل الشعب، وبسقف سياسي عال من الحريات والنقد والمحاسبة للسلطة التنفيذية، ومعاقبة المقصرين، وتقديم الدماء الشابة الكفؤة على الولاءات الشكلية والشللية، وبدون مراعاة كل ما تقدم، وبشكل سريع، ستعود الأزمات بشكل أكبر وأخطر، وقد تكون بين الشعب ومؤسسة العرش في المرة القادمة، فالاحتقان كبير ويتضخم، والفجوة بين الفقراء، وهم الأغلبية الساحقة، والمتنفذين الأثرياء الفاسدين تتسع لدرجة أن الخرق بدأ يتسع على الراقع.
نعم هناك استهداف للأردن، يتشابه بطريقة أو بأخرى مع استهداف اخر مماثل للبنان، والعنوان هو التجويع من أجل التركيع، وتقديم التنازلات لـ”إسرائيل” وأمريكا، ففي لبنان المطلوب رأس المقاومة وسلاحها، وفي الأردن الوطن البديل والتخلي عن المقدسات، ونعتقد أن الشعب الأردني، مثل نظيره اللبناني.. لن يركع، ويتخلى عن عروبتي فلسطين والأردن، ومقاومة الاحتلال.
السؤال الأخير والملح هو: هل نرى تغييرات جدية سريعة، وانقلاب رسمي على النهج القديم المتعفن والانحياز إلى المطالب الشعبية المذكورة انفا، والتصدي للمؤامرة الأمريكية الإسرائيلية؟ نأمل ذلك.
المصدر: رأي اليوم