طوى العدوان السعودي على اليمن عامه السادس، ليدخل عامه السابع باحثاً عن تسوية تُنزل السعودية عن الشجرة، بعد أن تحول اليمن إلى مقبرة للغزاة ومرغ أنف المعتدي في التراب.يسطر اليمنيون في الذكرى السادسة للعدوان الملاحم البطولية، وتكتب المقاومة اليمنية المعادلات العسكرية التي تقوم على الحق أولاً، حيث تمكن شعب أعزل من مواجهة تحالف إقليمي دولي أراد إذلال شعب اليمن واحتلال أرضه وتحويله إلى منطقة استراتيجية تابعة.
وعندما نتحدث عن المعادلات فإن المعادلة الكبرى اليوم في المنطقة هي اليمن، والتي ستكون الفاصلة في تحديد استراتيجية غرب آسيا وتكوين رؤية سياسية جديدة تكون اليمن هي اللاعب الأساسي فيها وفق سيادتها ورؤيتها المستقلة، ومن هنا تحول اليمن إلى صانع المفاجآت الإقليمية والدولية.
عام سادس من العدوان بقيادة السعودية ينطوي على عشرات التساؤلات حول ما حقّق من غايات وأهداف قال التحالف إنه أنشئ من أجلها، فيما صنعاء وغيرها من المحافظات ماتزال قوية صامدة، وفيما القوات المسلحة اليمنية واللجان الشعبية لا تزال تبسط سيطرتها على موانئ الحديدة وخطوط الملاحة وتحرر معظم المناطق المحتلة.
هكذا يكمل اليمنيون عامهم السادس وهم يواجهون العدوان ولا يعطون الغزاة إعطاء الذليل، فيما سجل هذا العام أحداثاً كبيرة قلبت موازين القوى فيها لصالح الشعب اليمني، وأحدثت فارقاً هائلاً في الصناعات العسكرية ومسارات المواجهات الميدانية، بعكس السنوات الماضية.
وفيما تتصاعد النداءات الدولية لإيقاف الحرب في اليمن، بدعم أمريكي واضح، إلا أن المكاسب العسكرية التي حققتها «صنعاء» خلال هذا العام، تجعل الأمريكيين والصهاينة والسعوديين في حيرة من أمرهم، فهم يريدون الاستمرار في الحرب للقضاء على قوة أنصار الله المتصاعدة وإيقاف نموها المتصاعد، وفي الوقت عينه يريدون إيقاف الحرب خشية أن تطالهم المفاجآت المتواصلة من صنعاء وتهز عرش المملكة، وأبوظبي و»تل أبيب» من خلفهما.
أولاً: عام الإنجازات والانتصارات
حقق اليمنيون ثلاثة إنجازات عسكرية مذهلة، لا تزال تشكل هاجساً لقوى العدوان، وغيرت في موازين القوى ومسار المواجهة، فالصناعات العسكرية اليمنية في تطور متصاعد، وهذا الأمر يزعج الأمريكيين بالتحديد، فهم ومنذ سنوات كثيرة يتعاملون مع المنطقة العربية من منطلق الحرص على عدم امتلاك الدول العربية التقنيات والقدرات على التصنيع العسكري.
وبالتوازي مع التطور الصناعي العسكري للقوات المسلحة اليمنية، تتصاعد عمليات توازن الردع، والتي تأتي هي الأخرى في مسار متصاعد، وكل واحدة تكون أكثر إيلاماً للعدو من سابقاتها، وهي حتى الآن بمثابة رسائل تحذيرية للنظام السعودي ودول العدوان بأن القادم سيكون عسيراً، إذا لم تتوقف الحرب.
وإلى جانب التطورات اللافتة في الصناعات العسكرية وتصاعد عمليات توازن الردع، يثبت المقاتلون اليمنيون قدراتهم المذهلة في الميدان وعلى جبهات القتال المشتعلة، فخلال هذا العام تمكنوا من تحرير عدة جبهات، مثل جبهة «نهم» والتي كانت تهدد العاصمة صنعاء مباشرة، وجبهة «الجوف» والتي كانت تهدد محافظتي عمران وصعدة، حتى وصلت قوات الجيش واللجان الشعبية إلى مدينة مأرب الاستراتيجية الغنية بالنفط والغاز.
ويمكن القول إنه من خلال التطور المذهل في الصناعات العسكرية اليمنية، وتنامي عمليات «توازن الردع» التي أصابت جميعها إلى الآن عمق النظام السعودي، فإن احتمالات «التوسع» واردة.
ثانياً: معادلة المسيرّات والصواريخ الباليستية
ينظر المحللون الغربيون إلى قدرة اليمنيين على جمع مخزون قوي من الأسلحة وتدريب المقاتلين على استخدامها بشكل فعال، وهو بحسب هؤلاء يشكل إشارة واضحة إلى السرعة في عملية التعلم الاستراتيجي والتشغيلي للجهات الفاعلة من غير الدول. ودائماً ما يتم الحديث عن الصواريخ والطائرات المسيرة التي احتلت مركز الصدارة في مواجهة العدوان.
لقد حطم اليمنيون قدرات الدفاع الصاروخية التي لطالما تغنت بها واشنطن، فقد امتلك اليمنيون القدرة على الوصول إلى أهداف في قلب الأراضي السعودية، متحدين نظام الدفاع الصاروخي الذي عجز في كثير من الأحيان عن صد الهجمات اليمنية، مع النظر إلى أن السعودية والإمارات من بين أكبر المشترين لأنظمة الدفاع الصاروخي في جميع أنحاء العالم، بحسب ما تشير دراسة لمركز «الاتحاد للأبحاث».
وبحسب دراسة للباحث جان لوب سمعان بعنوان «التكيّف مع عدوّ متكيّف: الحوثيون والصواريخ والطائرات بدون طيار في اليمن»، نشرتها مجلة (Parameters) في حزيران 2020، فإن انتشار التقنيات العسكرية المتقدمة للجهات الفاعلة من غير الدول، تعني أن الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار يمكن الوصول إليها بشكل متزايد وبأسعار معقولة. من ناحية أخرى لا تزال أنظمة الدفاع الصاروخي تتطلب تمويلاً كبيراً وتدريباً متقدماً لمشغليها.
كما لا تزال تكاليف الاستثمار المقارن بين الصواريخ والدفاع الصاروخي متفاوتة، ومن الواضح أن هذا الاتجاه يقلل القيمة الرادعة للدفاع الصاروخي، حتى لو لم يقض عليه بالكامل.
لقد أثبتت الدفاعات الجوية والصاروخية النشطة أنها عنصر ضروري في استراتيجية تحالف العدوان، للتخفيف من آثار حملة الصواريخ، لكن بقدر أهميتها أثبتت أيضاً فشلها في إيقاف الصواريخ أو حتى تعطيل مسارها. قدمت حرب الصواريخ اليمنية دروسا قيّمة للولايات المتحدة وحلفائها. فمن الصعب أن نتخيل حرباً مستقبلية تتدخل فيها الولايات المتحدة لا تغمرها مجموعة متنوعة من الصواريخ. ويظهر جلياً أنّ هناك تخوفا كبيرا من عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة على كبح جماح نشاط الصواريخ التي يطلقها الجيش واللجان الشعبية اليمنية.
وقد نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، تقريراً بعنوان «حرب الصواريخ في اليمن» يعرض فيه كل من إيان ويليام، وشان شيخ، مراجعة شاملة لحرب الصواريخ اليمنية. فمن الجوانب الرئيسية للحرب في اليمن، أنها شهدت استخداما أكثر للصواريخ الباليستية، نسبة لأي صراع آخر في التاريخ الحديث. فقد أطلق اليمنيون المئات من الصواريخ الباليستية، إلى جانب صواريخ كروز وطائرات بدون طيار، لضرب قواعد التحالف السعودي، والبنية التحتية، وهذا ما قدم لمحة نادرة عن فائدة الصواريخ الباليستية وحدودها كأداة عسكرية.
وتظهر معطيات ونقاشات ودراسات عدة، أن الأمريكيين حاولوا دمج اليمن في مشاريع التقسيم المطروحة لدول المنطقة، عبر الدعم اللامتناهي للعدوان السعودي، وذلك بسبب موقع اليمن الاستراتيجي الذي يؤهله للعب دور حيوي في منطقة المواصلات الدولية، وكونه على تماس مع أكثر من قضية شائكة، ما شكل أحد أسباب الحرب التي هدفت إلى منع القوى التي تملك رؤية لـ»يمن مستقل ومقتدر وصديق للشعوب الإسلامية ومناهض لمشاريع التبعية والهيمنة الأمريكية» من أن يكون لها دور في النهوض بهذا البلد، إلا أن صمود اليمنيين أفشل المخططات الأمريكية، واليوم تطوي الحرب عامها السادس، فيما قوى العدوان تبحثُ عن تسوية تخرجها من هذا المستنقع.
*د. علي مطر – أكاديمي لبناني وباحث فـي العلاقات الدولية