أفضى إصرار قيادة صنعاء على فصل الملفّ الإنساني عن الملفّين السياسي والعسكري، إلى التوصُّل إلى مشاورات مبدئية في مسقط، تُعدّ بمثابة عودة إلى «اتفاق استوكهولم» بخصوص مدينة الحديدة ومطار صنعاء، وتجاوُز للمبادرة السعودية المطروحة قبل أيّام، ومعها «المرجعيّات الثلاث».
تطوُّر تبقى فاعليته رهناً بترجمته على الأرض، خصوصاً في ظلّ صدور إشارات أوّلية سلبية إزاءه، من قِبَل الحكومة الموالية للرياض
وشهدت العاصمة العُمانية، مسقط، خلال الأيام الماضية، حراكاً دبلوماسياً نشِطاً بين المبعوثَين الأممي والأمريكي إلى اليمن من جهة، ووفد صنعاء المفاوِض من جهة أخرى، تَركّزت حول فصل الجانب الإنساني عن الجانبَين العسكري والسياسي، والبدء بتنفيذ إجراءات بناء ثقة على الأرض من أجل تخفيف المعاناة عن الملايين من اليمنيين، وتهيئة الأجواء للدخول في نقاشات سلام جادّة تشمل الملفّات الأخرى.
ومن جديد، رمت صنعاء الكرة إلى ملعب الرياض، مُخيّرةً إياها بين وقف القصف الجوّي مقابل وقف هجمات الصواريخ الباليستية والطيران المُسيّر، أو استقبال المزيد من الضربات.
وتمكّن وفد صنعاء، الذي رفض مقايضة الملفّ الإنساني بأيّ ملفّات أخرى، من التوصُّل إلى تفاهُمات مبدئية خلال لقاءاته المباشرة وغير المباشرة مع المبعوث الأممي مارتن غريفيث، والمبعوث الأميركي تيم ليندركينغ، عن طريق الوسيط العُماني.
وتقضي تلك المشاورات بالعودة إلى آلية “اتفاق استوكهولم” في شأن مدينة الحديدة ومطار صنعاء المُوقَّع بين الأطراف اليمنيين برعاية دولية منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2018، والتي تلزم جميع الأطراف بتسهيل دخول إمدادات الوقود والدواء والغذاء وكلّ الشحنات التجارية إلى ميناء الحديدة من دون أيّ عراقيل، بشرط إيداع الإيرادات الضريبية والجمركية المستوفاة من سفن المشتقّات النفطية الواصلة إلى الميناء في فرع البنك المركزي اليمني الموجود في المدينة، للمساهمة في دفع مرتّبات موظفي الخدمة المدنية.
وتمّ تجاوُز الخلاف حول تنفيذ هذا البند بالاتفاق على إيداع الإيرادات في الحساب الخاص برواتب موظفي الدولة، حتى يتمّ حسم أمرها بشكل نهائي.
رفَض صنعاء مقترح الفتح المشروط لمطار صنعاء
وفي الوقت الذي حَلّق فيه الطيران المدني لأوّل مرّة في أجواء اليمن منذ ستّ سنوات يوم السبت، قالت مصادر سياسية، لـ”الأخبار”، إن وفد صنعاء رفَض مقترح الفتح المشروط لمطار صنعاء، وطالب بفتحه أمام الرحلات كافّة من دون شروط أو تفتيش في مطارات دول العدوان، وهو ما تمّ التفاهُم عليه مع المبعوثَين الأممي والأمريكي، اللذين أبديا، هذه المرّة، “تفهُّماً” في ما يتعلّق بالملفّ الإنساني، بحسب عضو وفد صنعاء، عبد الملك العجري، الذي أشار، في تصريحات صحافية، إلى أن “الجانب العُماني بذل جهوداً كبيرة لتقريب وجهات النظر”.
وعلى رغم أن جبهات محيط مأرب شهدت هدوءاً حذراً أواخر الأسبوع الماضي، إلّا أن مصادر مطّلعة نفت أن تكون لذلك التراجُع في حدّة المواجهات أيُّ علاقة بالمشاورات التي جرت في مسقط، والتي كان التصعيد العسكري في مأرب أحد أبرز ملفّاتها.
ووفق المصادر، فإن وفد صنعاء قصَر النقاش على الملفّ الإنساني، واشترط النظر إلى معركة مأرب كجزء من اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، وعدم ربطها بإجراءات “حسن النيات”، المُتمثّلة في وقف احتجاز سفن المشتقّات النفطية، ورفع الحظر الجوّي عن حركة الملاحة في مطار صنعاء.
ويعني إقرار مفاوضات مسقط العودة إلى “اتفاق استوكهولم”، عملياً، تجاوُز المبادرة السعودية المعلَنة الأسبوع الفائت، والتي حاولت فيها الرياض تقديم نفسها كطرف إقليمي وسيط، فضلاً عن تحييد الحديث عن “المرجعيات الثلاث” (قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني)، والتي طوَتها أصلاً محطّات سابقة؛ منها اتفاق “استوكهولم” نفسه.
إلا أن السعودية، التي بعثت بوفد منها إلى مسقط أثناء المشاورات الأخيرة، أوعزت إلى الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، المقيم في الرياض، برفض المقترحات الأميركية والأممية الجديدة، وهو ما تُرجم خلال أوّل لقاء عُقد بين غريفيث وليندركينغ وهادي، حيث جَدّد الأخير تمسُّكه بالمبادرة السعودية و”المرجعيات الثلاث”.
من ضمن ما تناولته مشاورات مسقط أيضاً إيقاف التصعيد الجوّي بين صنعاء والرياض
ومن ضمن ما تناولته مشاورات مسقط، أيضاً، إيقاف التصعيد الجوّي بين صنعاء والرياض، تمهيداً لوقف شامل لإطلاق النار، في عودة مماثلة، أيضاً، إلى المبادرة التي كان قد أطلقها “المجلس السياسي الأعلى” في صنعاء عشية ذكرى “ثورة 21 سبتمبر” عام 2019.
ويأتي ذلك بالتزامُن مع تصاعُد العمليات الجوّية للجيش اليمني و”اللجان الشعبية” ضدّ أهداف اقتصادية وعسكرية في العمق السعودي، والتي جدّدت صنعاء، أمس، تحذيرها الرياض من استمرارها، ما يشير، بحسب مصادر سياسية، إلى تخييرها المملكة “بين القبول بالسلام أو مواجهة العواقب”.
وحذّر الناطق باسم قوات صنعاء، العميد يحيى سريع، من أن “عملية الصمود الوطني” ستتبعها “عمليات أكبر وأقوى في حال عدم توقّف العدوان والحصار”، مهدّداً بأن “دول العدوان ستتفاجأ بتنفيذ صنعاء ضربات خلال عام واحد، مماثلة لتلك التي تلقّتها خلال السنوات الـ 6 الماضية”.
ودعا التحالف السعودي الإماراتي إلى “وقْف عملياته مقابل وقف صنعاء عملياتها بصورة مباشرة”، مؤكداً “أن الكرة أصبحت الآن في ملعب السعودية”.
وأشار إلى أن “الحصار لا يمكن تبريره بمنع وصول الأسلحة لأنها أصبحت تُصنَع في الداخل”، كاشفاً عن “منظومات صاروخية جديدة سيُعلَن عنها في العام السابع”.
وكان قد أكد رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام ، اليوم الاثنين، أنه لا مكان لأنصاف الحلول فيما يتعلق بالوضع الإنساني في اليمن.
وقال محمد عبدالسلام في تغريدة له على تويتر” لا مكان لأنصاف الحلول فيما يتعلق بالوضع الإنساني الذي نؤكد على موقفنا الثابت بعدم إخضاعه لأي مقايضة بالمطلق.
وأضاف أن عدم الرغبة في فصل الملف الإنساني عن غيره من الملفات دلالة على عدم الجدية في التوصل لحل سلمي شامل وعادل“.
الاخبار اللبنانية