بعدَ مرورِ ستة أعوام بالضبط، وفي نفس توقيت اللحظات الأولى التي شن فيها تحالُفُ العدوان حربَه على اليمن، كان سربٌ مكونٌ من 26 طائرة مسيرة وصاروخاً بالستياً، يدُكُّ عدةَ مقرات ومنشآت اقتصادية وعسكرية سعودية ضمن دائرة نيران يمتدُّ محيطُها من أقصى شرق المملكة (رأس تنورة والدمام) إلى أقصى غربها (ينبع ورابغ) وإلى جيزان ونجران وعسير جنوباً،
في عملية نوعية كبرى وجّهت رسائلَ قوة ووعيد مِن حَيثُ توقيتها وحجمها ونوعية أهدافها والظروف السياسية والميدانية التي جاءت فيها، كما مثّلت ترجمةً فوريةً لإعلان السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، اقتحامَ العام السابع للمواجهة من موقعٍ متقدمٍ في شتى المجالات.
العمليةُ حملت اسم “اليوم الوطني للصمود” تخليداً للمناسبة، وأوضح ناطقُ القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، أنه تم خلالها استهدافُ مقرات شركة أرامكو، عصب الاقتصاد السعودي، في كُـلٍّ من رأس تنورة ورابغ وينبع وجيزان، بـ12 طائرة مسيّرة نوع (صمّاد3) وثمانية صواريخ باليستية نوع “ذو الفقار” و”بدر” و”سعير”، فيما تم استهدافُ مواقعَ عسكرية أُخرى داخل نجران وعسير بست طائرات مسيرة أُخرى نوع (قاصف 2k).
الضرباتُ كلها حقّقت إصاباتٍ دقيقة، وهو ما أكّـده أَيْـضاً ناشطون سعوديون أبلغوا عن سماع دوي انفجارات، فيما قام بعضهم بتوثيق الحرائق المشتعلة في بعض مقرات أرامكو المستهدفة، وقد اعترفت وزارة الطاقة السعودية باندلاع حريق في محطة توزيع المنتجات البترولية في جيزان، محاولة تجاهل بقية الضربات التي كشفت عن نفسها أَيْـضاً من خلال توقف حركة عدة مطارات رئيسية داخل المملكة لعدة ساعات طوال الليل، على رأسها مطارات جدة والرياض والدمام، نتيجة كثافة الضربات اليمنية.
اكتساح صاروخي يفضح الحماية الغربية
العمليةُ وبسعة دائرة نيرانها، مثلت اكتساحاً صاروخياً جويًّا كَبيراً للأجواء السعودية، وفضيحة جديدة لكل أنواع المنظومات الدفاعية الأمريكية والبريطانية والأُورُوبية التي تستخدمها المملكة، علماً بأن قواتٍ أجنبيةً تعملُ على تشغيل هذه المنظومات، خَاصَّةً تلك الموجودة حول منشآت أرامكو، أي أن الأسلحةَ اليمنية قد كتبت نهايةَ هذه المنظومات بشكل نهائي.
جاءت هذه العمليةُ في توقيتٍ مشابهٍ للحظات الأولى التي انطلق فيها العدوان على اليمن قبل ست سنوات بالضبط، لتؤكّـدَ على انقلاب موازين القوة الذي حدث في المسافة الزمنية بين الليلتين، مع فارق في المشروعية بين الاعتداء السعودي الأمريكي الغادر بالأمس، والرد اليمني الشجاع اليوم، إضافةً إلى أن اليمن لم يكن يمتلك في بداية العدوان أيَّ شيء يوازي ولو جزءاً بسيطاً من القدرات التي تمتلكُها السعودية اليوم.
كما تأتي العمليةُ عقب ساعات من خطاب تأريخي ألقاه السيد بمناسبة يوم الصمود الوطني وأكّـد فيه على أن اليمن يدخل العام السابع من المواجهة وهو في “موقع متقدم” على كُـلّ المستويات، بما في ذلك مستوى العمليات العسكرية التي أكّـد القائد أنها ستتواصل “بزخم” كَبيرٍ خلال هذا العام، وهو ما تترجمه بوضوح هذه العملية التي حملت بصمة “المسار التصاعدي للردع”،
مِن حَيثُ عدد الطائرات والصواريخ المستخدمة فيها، وحجم دائرة النار التي تضمنت أهدافها داخل الجغرافيا السعودية، إلى جانب كونها تأتي بعد أسبوعٍ واحد فقط من عملية “السادس من شعبان” التي سبقتها عمليتا “توازن الردع السادسة والخامسة” بفوارقَ زمنيةٍ قصيرة جِـدًّا فيما بينها.
ولعلَّ هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها القوات المسلحة عن ضرب عدة مقرات لشركة أرامكو في أربع مناطق سعودية خلال عملية واحدة، وفي ذلك توضيحٌ إضافيٌّ لمعنى “الزخم العسكري” الذي تحدث عنه القائد، ورسالة جلية بأن عمليات الردع تدخل مستوى جديدًا يضاعف التهديد على أهم المنشآت التي لم ينكر النظامُ السعودي خوفَه من استمرار استهدافها عندما “ناشد”، أكثرَ من مرة، المجتمعَ الدولي “لحماية مصادر الطاقة العالمية” في المملكة.
رسالةٌ قدمها المتحدثُ باسم العميد يحيى سريع بشكل أوضح، إذ أعلن عن “جاهزية القوات المسلحة لتنفيذ عمليات عسكرية أشد وأقسى خلال الفترة المقبلة” في حال استمرار العدوان والحصار.
ووفقاً لذلك، كانت الرسالةُ السياسيةُ التي وُجِّهت للعدو من خلال هذه العملية واضحة، وبالأصح مثّلت العملية توضيحًا عمليًّا للرسالة التي وجهها السيد القائد في خطاب “اليوم الوطني للصمود”، حَيثُ أكّـد على رفض المحاولات الأمريكية والسعودية الأخيرة لوضع الملف الإنساني في مقايضة فاضحة بمقابل مكاسبَ عسكرية وسياسية، وقال: إن “الطريق إلى السلام واضح ويتمثل بوقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال للأرض”.
نهاية واضحة للضجيج الإقليمي والدولي
حديثُ السيد القائد والعملية التي تلته، يكتبان نهايةً واضحةً لـ”الضجيج” الإقليمي والدولي الذي حاول خلال الفترة الماضية “ابتزاز” صنعاء لإجبارها على وقف عملياتها العسكرية الموجعة وتقدمها الميداني في مأرب، (السيد وعد أَيْـضاً باستمرار التقدم الميداني خلال العام السابع)، الأمر الذي يقطع الطريقَ “البديل” الذي حاولت أطرافُ العدوان أن تشقَّه للخروج من مأزق تأرجحها ما بين حاجتها المُلحةِ لإيقاف تصاعد النشاطات العسكرية لصنعاء، ورغبتها في استمرار العدوان والحصار.
مأزقٌ تؤكّـدُ المتغيراتُ أنه سيزدادُ صعوبةً على أطراف العدوان التي يبدو أنها ما زالت مُصِرَّةً على تجنُّب المخرج الوحيد منه، وما زالت تحاول شق الطريق “الوهمي” البديل، حَيثُ واصلت الولايات المتحدة التمسك بالمراوغة وتحدثت خارجيتها مجدّدًا عن عملية “سلام” لا تتضمن وقف العدوان وإنهاء الحصار،
تزامُناً مع محاولة لتطوير أُسلُـوب “الابتزاز” من خلال السماح لأربع سفن مشتقات نفطية بالوصول إلى ميناء الحديدة (علماً بأن ثلاثَ سفن منها تتبع القطاع الخاص) مع الدفع بحكومة المرتزِقة إلى واجهة المشهد والقول إنها هي من “سمحت” بدخول السفن، في إصرارٍ أمريكي سعودي على تقمُّصِ دور “الوسيط”، ويبدو أن الأمم المتحدة أَيْـضاً مُصرةٌ على مواصلة اللعب بالطريقة ذاتها، حَيثُ توجّـه مبعوثها، مارتن غريفيث، إلى مسقط، أمس، متمسكا بنفس المنطقِ الذي يستخدمُ فتحَ مطار صنعاء وإدخَالَ سفن الوقود كأوراقِ تفاوُضٍ سياسية!.
عمليات ردع قادمة
لذلك، يمكنُ بسهولة التأكيدُ على أن صنعاءَ ستواصلُ تصعيدَ ضرباتها، متمسكةً بشروط السلام الفعلي، علماً بأن هذه الضرباتِ تمتلِكُ على الطاولة وزناً أكبر من أوراق “الابتزاز” التي تتمسكُ بها أطرافُ العدوان، أي أن هذه الأخيرةَ ستعودُ دائماً لمواجهة “ضرورة” وقف العدوان وإنهاء الحصار التي تحاول التهرب منها، مع فارق أنه مع كُـلِّ عودة لمواجهة هذه الحقيقة ستكونُ الخسائرُ السعودية قد تضاعفت كَثيراً،
وبالنظر إلى الملامح الأولية لطبيعةِ عملياتِ الردع التي ستشهدُها المرحلة القادمة يمكن القول إن الحساباتِ التي تعتمدُ عليها الولاياتُ المتحدة وفريقُها؛ مِن أجلِ التمسك بموقفهم، قد تتغيّر تماماً، وبشكل لم يكونوا يتوقعونه، وَإذَا كانت هذه الحساباتُ تعتمدُ على “التضحية” باقتصاد المملكة وأمنها ومرتزِقتها، فقد تتمكّنُ واشنطن من كسبِ قليلٍ من الوقت، لكن بلا أية فائدة، لأَنَّ هذا الطريقَ ينتهي بهزيمةٍ مؤكَّـدةٍ لها.