على الرغم من كثافة التصريحات الكلامية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حول السلام في اليمن، فلا العدوان والحرب على اليمن توقفت ولا الحصار على الموانئ والمطارات ارتفع جزئياً أو كلياً، ولا المأساة في اليمن صارت أخف مما سبق ،
بل على عكس ذلك تماماً ، على أن التصريحات المكثفة الصادرة عن مسؤولين أمريكيين في عهد بايدن يحجبها الواقع المشهود والمكشوف أمام العالم ، وكل الدعوات الأمريكية للسلام في ظل تشديد الحصار واستمرار العدوان العسكري الغاشم على اليمن لا تعدو عن كونها تضليلاً وخداعاً ونفاقاً.
العقوبات الأمريكية على شخصيات يمنية كما غيرها من الممارسات العدوانية للولايات المتحدة، كلها تندرج ضمن سلسلة الحرب الأمريكية التي تشنها أمريكا على اليمن منذ ستة أعوام وتقودها وتذخِّرها وتحشِّد لها، لكنها هذه المرة تتزامن مع تصريحات تحاول إدارة بايدن من خلالها الظهور في لبوس الحريصة على السلام والداعية لها، وعمر أمريكا لم تكن إلا مشعلة للحروب وصانعة لمآسيها.
المراوغة الحالية التي تتبعها إدارة بايدن ، على عكس الوضوح الذي اتبعته إدارة سلفه ترامب ، تعكس النهج الأمريكي للإدارة الحالية في التعامل مع مختلف قضايا العالم ومنها الحرب التي تقودها على اليمن، وتأتي العقوبات الأخيرة في سياق الضغوط التي تمارسها أمريكا لتحقيق ما فشلت فيه بالقوة النارية الغاشمة
وبقرار التصنيف الذي سقط بين أيدي الأمريكيين بعدما تأكد لهم أنهم إنما يعزلون أنفسهم ويثيرون الشعب اليمني للتحرك في مواجهتهم وإسقاط مؤامراتهم ، كما تتزامن مع تشديد الحصار وقرصنة سفن الوقود ومنعها من الوصول إلى الموانئ اليمنية بشكل كلي ، إنها حلقة من حلقات الحرب الأمريكية على اليمن يتم فيها المناوبة بين الأدوات والوسائل في حرب أمريكا على اليمنيين بهدف إخضاعهم وتركيعهم.
عقوبات الأمريكيين بلا قيمة بطبيعة الحال والمآل ، لكن أمريكا تتخذ من العقوبات وسيلة من وسائل الحرب الأمريكية والضغوط التي تنتهجها الإدارات المتعاقبة لإخضاع الشعوب والدول والكيانات والأنظمة ، على أن الإدارة الأمريكية الحالية وهي تواصل حربها العدوانية على اليمن وتشدِّد الحصار وتضاعف معاناة المدنيين لا تضيف شيئا جديدا إلى ما سبق وأن أثبتته السلوكيات لمن سبقوها منذ عهد أوباما وترامب ،
بل هي تأكيد أن أمريكا لم تتغير وأنها ما تزال مستمرة في العدوان على اليمن وشنِّ الحرب عليه ومحاصرته وتضييق الخناق على معائش اليمنيين وحياتهم ، أما ما تقوله وتسوِّقه من تصريحات فهي من قبيل الدعاية الإعلامية لترميم ما فسد من سمعتها وتكشَّف في عهد ترامب الذي كان صريحا يعبِّر عن أمريكا كما هي في واقعها.
لقد أكدت بلادنا أن تحالف العدوان بقيادة أمريكا ما زال مستمرا في العدوان على اليمن ، وأن على أمريكا أولا أن توقف القصف والغارات وترفع الحصار عن الموانئ والمطارات اليمنية، فمن شن الحرب هو المسؤول عن استمرارها وعليه إعلان إنهائها ،
وما تؤكده أمريكا بفعائلها وعقوباتها وتصريحاتها أنها ما زالت ماضية في ممارسة التضليل وقلب الحقائق لإخفاء جرائمها في اليمن ، والتغطية عليها ، والتنصل عن المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية التي تلزمها كما يفترض أن تعلن وقف الحرب وترفع الحصار كليا ،
ولا يمكن لها أن تغطي الحقائق بغربال ، التضليل الذي تمارسه الإدارة الحالية بات مكشوفا بفعل ما راكمته أمريكا من سيرة طويلة ، وبفعل ما هو قائم في الواقع المكشوف للعالم أجمع ، الذي بات يدرك طبيعة الحرب على اليمن والدور الأمريكي الرئيسي والقيادي في الحرب ، ويعرف تفاصيل جرائم أمريكا في اليمن وما فعلته باليمنيين من مجازر ومآس وتدمير وحصار وتجويع وإبادة شاملة.
المعروف والمسلَّم به أن أمريكا وعلى مدى وجودها على البسيطة وبرغم تعاقب الإدارات وتغيُّر الرؤساء وتبدُّل الأحداث ، تنتهج سياسة الخداع والمرواغة والنفاق في ما تقوله وتفعله ، إضافة إلى سلوكها العدواني الوحشي ضد الشعوب والأمم ، ويشهد التاريخ الأميركي على التناقضات والأكاذيب والنفاق والخداع ،
والأحداث كثيرة التي تثبت ذلك وهذا ما يدفعنا إلى عدم الثقة بأمريكا ، ولا بما تقوله ولا بما تظهر به من مواقف ، فهي الشيطان الأكبر ، والشيطان ينقلب على عقبيه ويتراجع عن عهوده وعن وعوده ، وأمريكا لا تلتزم بقيم إنسانية ولا أخلاقية ولا دولية ، تفعل كل ما يحقق لها مصالحها المتمثلة في نهب ثروات الشعوب والسيطرة عليها واستعبادها وإخضاعها.
لا تملك الإدارة الجديدة في أمريكا مقاربة جديدة للحرب والعدوان على اليمن ، وليست في وارد السلام أبدا ، هي تحاول ترميم السمعة السيئة من خلال التصريحات الدعائية ، وإن زعمت أنها تريد السلام في اليمن فهي كاذبة وحتى لو فعلت فذلك من باب (مكره أخاك) ، ذلك أن أمريكا تعيش على الأزمات والحروب وتستمر بها متحكمة في العالم ،
إدارة بايدن ليست إلا نسخة عدوانية مطوَّرة عن سابقاتها، الوجوه الناعمة والألسنة الوديعة لا تعكس خيرا للبشر جميعا ولا لليمنيين بشكل خاص ، بل تخفي الشرور والإجرام والنزوع نحو حروب الإبادة والدمار والموت الجماعي.