كشف تحقيق بريطاني، أن الإمارات ترتكب جرائم مباشرة ضد المدنيين في اليمن، وذلك بالرغم من مزاعم الانسحاب التي تسوقها لوسائل الإعلام منذ أشهر.
وقال تحقيق نشره موقع ” ميدل ايست آي”، البريطاني، إنه في حين أن السعودية قد تلقت الجزء الأكبر من الانتقادات لدورها في البد الذي مزقته الحرب، يؤكد الخبراء أن الإمارات، التي تدعي الانسحاب، لا تزال تعقد الوضع اليمني بشدة.
وأعلنت أبوظبي في أكتوبر الماضي، أنها أنهت تدخلها العسكري في اليمن، لكن الآن، وبعد مرور أربعة أشهر، يتبين العكس تماماً بحسب الموقع البريطاني.
وحسب الموقع، فإن الإمارات تنشط بشكل كبير في الجزر الاستراتيجية، والموانئ البحرية والمطارات، والقواعد العسكرية والميليشيات.
وأكد جاستن راسل، رئيس مركز نيويورك للشؤون السياسية الخارجية (NYCFPA)، الذي رفع دعوى قضائية ضد وزارة الخارجية الأمريكية بشأن صفقة أسلحة متوقفة الآن إلى الإمارات، أن منظمته وثقت استمرار تدخلات أبوظبي في اليمن.
وقال راسل: “الإمارات، سواء في العلن أو في السر، لا تزال تمارس الاعتداءات في المنطقة”.
وأضاف: “صرف إعلان انسحاب الإمارات الانتباه الدولي بعيداً، وأبعد بقية العالم عن رائحة ما يفعلونه بالفعل في المنطقة … ولكن تأكد لنا أن الإمارات لا تزال تمول وتدعم أدواتها ميدانياً في اليمن بشكل منتظم”.
ووصفت الأمم المتحدة الأزمة اليمنية بأنها “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، وتسبب الحرب بنزوح الملايين وقتل ما يقرب من 250 ألف شخص، كثير منهم على يد التحالف الذي تقوده السعودية، بالشراكة مع الإمارات.
وفي حين بدأت الإمارات والسعودية مشاركتهما في العدوان على اليمن إلى جانب حكومة هادي، اتخذت الإمارات في عام 2017 مسارًا منفصلاً قليلاً، مع التركيز على دعم “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الساعي إلى فك الارتباط مع اليمن الشمالي.
باب المندب
تتنوع مصالح الإمارات في اليمن، لكن الهدف الرئيسي للدولة الخليجية الصغيرة -التي لا تشترك في حدود مع اليمن- هو الحفاظ على النفوذ على مضيق باب المندب، الذي يمر عبره حوالي 9% من النفط الخام والبترول المكرر المنقول بحراً إلى العالم.
تقول شيرين الأديمي، الأكاديمية في جامعة ميشيغان: “من الواضح جدًا بالنسبة لي كيمنية فهم لعبة الإمـارات، وهي إنشاء سلطة موالية في اليمن تسهل مرور نفطهم عبر باب المندب”.
وأضافت الأديمي: “موقع اليمن استراتيجي ومهم. ولهذا السبب شهدت اليمن منذ عقود تدخلات من قبل السعودية والولايات المتحدة، بسبب موقعها فقط”.
بعد استقلاله، سيطر اليمن الجنوبي على كامل الساحل الجنوبي لليمن، ومصب المضيق الذي يربط خليج عدن وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس المصرية.
ويبلغ عرض المضيق في أضيق نقطة له 18 ميلاً، ولا تستطيع الناقلات المرور خلاله إلا عبر ممر بعرض أربعة أميال فقط، مما يجعل التحكم فيه سهلاً جداً. لذلك عملت الإمارات طوال السنوات الماضية على احتلال مناطق استراتيجية حول هذا الممر المائي.
من جزيرة سقطرى، عند مصب خليج عدن، إلى جزيرة ميون، في قلب باب المندب، تراوغ الإمـارات، على أمل الحفاظ على هيمنتها على الموانئ وحركة المرور البحرية في المنطقة.
لكن حكومة هادي تصر على أن تلك الجزر والموانئ لا تزال تحت سيطرة الإمارات حتى يومنا هذا. ونسف محمد قيزان، وكيل وزارة الإعلام في حكومة هادي، مزاعم الإمـارات بالانسحاب.
وقال قيزان في تغريدة على تويتر استهدفت وزير الخارجية الإماراتي آنذاك أنور قرقاش “العالم قرية صغيرة بفضل وسائل الإعلام والجميع يعرف أنكم ما زلتم في اليمن، اسحبوا جنودكم من سقطرى، وبلحاف، وميون، وأوقفوا تسليح المليشيات”.
واتهم الرحبي القوات الإماراتية باستخدام المطار “كسجن غير قانوني لارتكاب أشكال شنيعة من التعذيب ضد اليمنيين”.
مع ذلك، هناك بعض المؤشرات على أن الإمـارات تسحب بعض قواتها، مثل التفكيك الأخير لميناء عصب العسكري الذي بنته في إريتريا، على بعد 40 ميلاً غرب اليمن، قبالة باب المندب.
كانت القاعدة العسكرية موقعًا استراتيجيًا تستخدمه الإمـارات لاستيراد الأسلحة والقوات بما في ذلك المرتزقة الأجانب. حيث أوضحت صور الأقمار الصناعية الحديثة تفكيك القاعدة.
لكن شيرين الأديمي حذرت من أن الإمـارات من المحتمل أن تبقي قوات أجنبية دربتها ومولتها في المناطق التي تنسحب منها.
وقال الأديمي “في وقت ما من العام الماضي أعلنوا أنهم ينسحبون… لكنهم لم يذكروا حقيقة أنهم تركوا وراءهم مرتزقة مدربين بعد سحب قواتهم البرية الرسمية”.
وتابعت قائلة: “هنا يأتي دور العلاقات العامة: يجعلون الأمر يبدو وكأنهم انسحبوا من اليمن، في حين أن كل ما فعلوه هو مجرد سحب وجودهم المادي الرسمي”.
وأصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش قبل أيام تقريراً أشار إلى أن الإمـارات والسعودية “تنفقان المليارات على شركات العلاقات العامة لتبييض سجلاتهما الحقوقية السوداء”.
وسعت استراتيجية القوة الناعمة الإمـاراتية، التي أُطلقت في عام 2017، إلى تلميع سمعة الدولة عالمياً، على الرغم من سلسلة الاتهامات بارتكاب جرائم حرب إنسانية في اليمن وليبيا وأماكن أخرى.
وقالت الأديمي: “لقد تمكنت الإمارات من الاستفادة من كون السعوديين هم الواجهة لهذه الحرب، في حين أنهم تمكنوا من التراجع قليلاً والوقوف وراء الكواليس”.
هذا الأسبوع، تبادل عضو الكونجرس الأمريكي روخانا، الذي لطالما دافع عن إنهاء الدعم الأمريكي لدور البلاد في اليمن، الانتقادات اللاذعة مع سفير الإمـارات لدى الولايات المتحدة. حيث دعا خانا الإمارات إلى السماح بالإفراج عن الحسني.
وقالت الأديمي حول ما يتعلق بتأثير الإمارات على الحركة الانفصالية: “المجلس الانتقالي الجنوبي مدعوم من الإمارات ولن يكون موجودًا بدونها… لذلك علينا أن نكون واضحين جدًا هنا بشأن دوره”.
وفي تقرير لهيومن رايتس ووتش حثت المنظمة الولايات المتحدة على إنهاء دعمها للسعودية والإمارات بشكل كامل وفرض عقوبات على القوتين لضمان عدم امتلاك أي من الدولتين “الوسائل لارتكاب المزيد من الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب في العراق واليمن”.
ومع قرب نهاية ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أجبرت الإدارة الإماراتية على إبرام صفقة أسلحة ضخمة بقيمة 23 مليار دولار، والتي تضمنت بيع طائرات بدون طيار وطائرات إف -35.
ولكن، كواحدة من أولى تحركاته في السياسة الخارجية، جمّد الرئيس بايدن مؤقتاً بعض مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات لمراجعتها، لكن صياغة الأمر لا تزال مقلقة للدعاة الذين يعملون ضد الصفقات.
وبعد أيام من إعلان التجميد المؤقت، بدا أن وزير الخارجية أنطوني بلينكين يقلل من أهميته، قائلاً “بشكل عام، عندما يتعلق الأمر بمبيعات الأسلحة، من المعتاد في بداية أي إدارة مراجعة أي مبيعات معلقة للتأكد من أنه أمر يعزز أهدافنا الاستراتيجية ويدفع سياستنا الخارجية إلى الأمام”.
وقال راسل، رئيس مركز نيويورك: “نحن قلقون للغاية بشأن الصياغة” ، مضيفًا أن دعواهم القضائية ضد وزارة الخارجية بشأن صفقة الأسلحة الإماراتية لم تُلغَ رغم تجميد البيع ومراجعته.
وأشار راسل أيضًا إلى أنه ليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعارض مبيعات الأسلحة للإمارات لاستخدامها في ليبيا، حيث تشارك في حرب أخرى بالوكالة.
وقال راسل: “إن منح الإمـارات طائرات بدون طيار، ومنحها أسطولًا من طائرات F-35 لا يساعد في تقليل التأثير الذي أحدثته الإمارات، وما زالت تحدثه في المنطقة”.
ودعا إلى إغلاق كامل لجميع الأسلحة الأمريكية وعقود التدريب مع كل من السعودية والإمارات. وقال: “كل ما تفعله [صفقات الأسلحة] هو مفاقمة أزمات حقوق الإنسان التاريخية الكبيرة في المنطقة”.