تزامن التواصل الأوّل الذي أجرته الإدارة الأميركية الجديدة مع محمد بن سلمان، مع تسريب أوردته صحيفة «واشنطن بوست»، ويفيد بقُرب موعد نشر تقرير استخباري يُحدِّد دور الأمير الشاب في عمليّة اغتيال جمال خاشقجي.
باتت «مصيبة» صعود إدارة أميركية جديدة تؤمن بالمسار الدبلوماسي مع إيران، تجمع كلّاً من السعودية وإسرائيل، اللتين تُكّثفان، في هذه الأيام، اتصالاتهما ومباحثاتهما، في محاولة لوضع أسس لمواجهة التبدُّلات المتوقّعة في استراتيجية الولايات المتحدة.
في خضمّ ذلك، تبدو الرياض وبن سلمان الطرف الأضعف، بمحاولتها شراء خدمات تل أبيب في واشنطن، في مقابل تنازلات علنية يمكن الجزم بأن إسرائيل لن تتردّد في انتزاعها من المملكة، على حساب القضية الفلسطينية
لم يَعُد نشر معلومات عن لقاءات ومحادثات بين النظام السعودي وكيان العدو يثير الاستهجان أو التعليقات التي كانت عادة ما تصاحب أيّ كشف عن حدث استثنائي، حتى في إسرائيل.
ومن الواضح أن ذلك يعود إلى أن الجهات الإعلامية الإسرائيلية تَعلم أكثر مما تَنشر عن مسار التطبيع، ولذا لا تجد في هذه المعلومات أيّ جديد أو تحوُّل يستوجب تسليط الضوء عليه.
يتجلّى هذا في ما كشفته تقارير إعلامية إسرائيلية من أن المحادثات بين الرياض وتل أبيب «تشهد تسارعاً في الأيام الأخيرة»، من دون اكتراث بأصل انعقاد محادثات، في إشارة صريحة إلى أن التواصُل مستمرّ وفق وتيرة محدّدة، ولكن الجديد يكمن في تسارعه.
وعلى أيّ حال، فإن في ما تَقدّم دلالة ثابتة على حقيقة الموقف بن سلمان من قضية فلسطين، والذي تتمّ التغطية عليه ببعض الكلام الإنشائي، الذي هو في جوهره أيضاً لا يرتقي إلى الحدّ الأدنى من طموحات الشعب الفلسطيني وحقوقه، بل ويُعدّ مُهدّداً لقضيته، لكن بعناوين وقنوات مختلفة.
على أنه في ما يتعلّق بالسياق الخاص للتطوُّرات الأخيرة، فقد كان هذا الأمر متوقَّعاً على خلفية المخاوف المشتركة بين كيان العدو والنظام السعودي، والتي ارتفعت في ضوء مُحدّدَين رئيسيَن: الأوّل يتعلّق بصمود إيران في مواجهة «الضغوط القصوى» وتطوُّر مبادراتها العملانية على المستوى النووي، وهو مُتغيِّر يفرض نفسه على صنّاع القرار السياسي الإقليمي والأميركي والدولي؛
والثاني يتمثّل في مقاربة الإدارة الأميركية الجديدة التي قد تختلف في تكتيكاتها عن الإدارة السابقة، خاصة بعدما لم تنجح الأخيرة في تحقيق ما كانت تهدف إليه. ويتخوّف النظام السعودي، ومعه كيان العدو، من تداعيات هذه المقاربة، التي قد تصبح أكثر واقعية في ظلّ الأداء الإيراني وتعاظم قدرات محور المقاومة.
إزاء ذلك، من الطبيعي أن يبادر الأطراف القلِقون إلى رفع مستوى التشاور والتنسيق، وفي مقدّمهم الرياض وتل أبيب باعتبارهما تمثّلان الثقل الرئيس في المحور المعادي لمحور المقاومة. وعلى وقع تقدير الجهات المختصّة لخطورة مآلات المشهد الإقليمي، يصبح مفهوماً ما كشفته القناة شبه الرسمية في التلفزيون الإسرائيلي، «كان/ 11»، من أن «الفترة الماضية شهدت محادثات هاتفية بين كبار المسؤولين في الرياض وتل أبيب».
وأشارت القناة إلى أن «المحادثات تركّزت حول مخاوف السعودية في شأن تغيير الإدارة في الولايات المتحدة… وسياسة (جو) بايدن تجاه المنطقة». وأضافت أن « القلق الذي تتشاركه السعودية مع إسرائيل هو من عودة أميركية محتملة إلى الاتفاق النووي مع إيران»، إلى جانب الملفّ المتعلّق بحقوق الإنسان في الداخل السعودي.
يُتوقّع أن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من التكامل والتنسيق في مواجهة قوى المقاومة
ترجمة ذلك، عملياً، أن المرحلة المقبلة قد تشهد تنازلات سعودية أكثر صراحة وعلنية في ما يتعلّق بقضية فلسطين، في مقابل أن تَستخدم إسرائيل نفوذها في الولايات المتحدة من أجل مساعدة الرياض على مواجهة التحدّيات التي خلقتها مواقف الإدارة الجديدة في واشنطن.
وهو ما لفتت إليه القناة أيضاً، بالقول إن «مشاركة السعودية القلق في هذا الشأن مع الحكومة الإسرائيلية، يأتي ربّما أيضاً من فكرة أن تل أبيب قد تساعد الرياض في مواجهة الإدارة الأميركية الجديدة».
ومن الطبيعي أن تسعى إسرائيل إلى استغلال ذلك، كما هي العادة، في استدراج النظام السعودي إلى تقديم تنازلات علنية، خاصة وأن المملكة تتلقّى المزيد من الإشارات التي تُعزّز قلق محمد بن سلمان، ومنها أخيراً تأكيد المتحدّثة باسم البيت الأبيض، جينيفر ساكي، أن إدارة بايدن «على عكس الإدارة السابقة، لن تتوانى عن إثارة قضايا حقوق الإنسان في السعودية»، وأنها «بصدد إعادة النظر في علاقتنا مع السعودية».
ومنعاً للالتباس، يجدر التذكير بأن النظام السعودي كان ولا يزال يُجسّد المصالح والسياسات الأميركية في المنطقة، والتي تستوجب الحفاظ على استقراره وثباته، مع ابن سلمان أو من دونه، ولكن ما يقوم به الأخير يُعدّ فرصة للمزيد من الابتزاز الإسرائيلي والأميركي، في أكثر من اتجاه وقضية، فضلاً عن أن موقف إدارة بايدن من تصرُّفات ولي العهد يأتي ضمن استراتيجيتها الهادفة إلى محاولة التعديل في النظرة إلى الولايات المتحدة، والتي تَهشّمت في ظلّ إدارة دونالد ترامب.
وبناءً على ما كُشف في إسرائيل، يُتوقّع أن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من التكامل والتنسيق في مواجهة قوى المقاومة في لبنان وفلسطين.
وهو ما يستوجب، بالتوازي مع تقديم تنازلات سعودية علنية لمصلحة إسرائيل، تصعيد الهجمة السياسية والإعلامية على قوى المقاومة في لبنان وفلسطين والمنطقة، باعتبارها النقيض لمشروع التطبيع، ومحاولات إضفاء الشرعية على الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
ويكمن منشأ هذا الترابط في أنه كلّما أظهرت قوى المقاومة قدرة على الصمود والندّية في مواجهة كيان العدو والمشاريع الأميركية في المنطقة، تراجعت فرص الترويج للتطبيع كخيار لا بدّ منه لدى الرأي العام العربي. وفي مقابل ذلك، ليس أمام بن سلمان والسعوديين سوى محاولات التوهين من انتصارات المقاومة، أو طمسها، وتشويه قواها.
الاخبار اللبنانية