لا يبدو واضحاً ما إذا كانت الإدارة الأميركية في واشنطن ستربط المسائل الداخلية السعودية بملفّ اليمن، على رغم إعلانها وقف دعمها الحرب التي تقودها حليفتها السعودية في اليمن، لا تبدو الولايات المتحدة، بوضعيّتها الراهنة (الداخلية والخارجية)، قادرة على إغلاق هذا الملفّ فوراً.
إذ ثمّة مصالح لها ولوكلائها الإقليميين، تجد نفسها معنيّة بالبحث عن تأمينها من خلال فرض مسار سياسي، بالتفاوض المباشر أو عبر أصدقاء مشتركين. ومن هنا، يُتوقَّع أن تعمل الإدارة الأميركية، قبل فتح باب المفاوضات، على لملمة أوراق القوة لديها ولدى حلفائها، لفرض ما عجزت عنه في الميدان العسكري. وما يُعزّز ذلك التوقُّع هو ازدياد الانزعاج الأميركي من العمليات اليمنية ضدّ المطارات والمنشآت الحيوية السعودية، وأيضاً اقتراب الجيش و«اللجان الشعبية» من تحرير مدينة مأرب (شرقاً).
وفي هذا الإطار، تعتقد مصادر واسعة الاطّلاع أن تلك التطوّرات ستدفع واشنطن إلى التشدُّد في شأن مقاربة الوضع في اليمن.
ولعلّ دعوة الخارجية الأميركية، أمس، «أنصار الله»، إلى «وقف التقدُّم في مأرب، وإنهاء جميع التحرّكات العسكرية وأيّ أعمال مزعزعة للاستقرار، والتوجُّه للمفاوضات»، تُعدّ دليلاً على ما تقدّم.
في الانتظار، تُؤكّد مصادر عسكرية في صنعاء لـ«الأخبار» أن شيئاً من الشراكة الغربية في العدوان لم يِتغيّر، موضحة أن معظم الوظائف والمهامّ التي كانت تُنفَّذ من قِبَل الجانب الأميركي أحيلت من واشنطن إلى بريطانيا التي يخدم 6300 خبير عسكري وفنّي منها في جميع القطاعات العسكرية والاستخباراتية في اليمن.
وتُذكّر المصادر بمقابلة تلفزيونية أجراها أحد الضباط البريطانيين المشاركين في الحرب، قال فيها إن ما يقرب من 95% من عمليات تجهيز المهامّ الجوية تتمّ على يد الضبّاط والفنّيين البريطانيين، فيما ترفض لندن حتى اليوم إيقاف انخراطها في الحرب.
وعلى رغم كلّ ذلك الدعم الغربي، فإن التحالف السعودي – الإماراتي، ومِن خلْفه رعاته وفي مقدّمهم واشنطن، لا يملكون، في أيّ مفاوضات، الكثير من أوراق القوة التي تُخوّلهم انتزاع المكاسب وتوزيعها على الوكلاء، باستثناء الورقة الاقتصادية (سياسة التجويع والحصار والاستمرار في إغلاق المرافق البرّية والجوية) التي استُخدمت طوال الحرب، من دون أن تؤدّي إلى النتائج المرجوّة منها.
وفي حال تَحرّرت مأرب وعادت إلى حكومة الإنقاذ، فإن جانباً كبيراً من فاعلية الحصار الاقتصادي سيضمحلّ، فضلاً عن أن صنعاء باتت تملك القدرة الردعية المتناسبة.
وفي هذا الإطار، وَجّه الجيش اليمني رسائل عبر وسطاء، وأخرى بالنيران، إلى القيادة السعودية بأن «نظامكم الاقتصادي، والذي يُعدّ أهمّ ركيزة من ركائزه الاستقرار الأمني، لدينا القدرة على تقويضه وإفقاد العالم الثقة به».
تُؤكّد مصادر عسكرية في صنعاء أن شيئاً من الشراكة الغربية في العدوان لم يتغيّر
في المقابل، ثمّة مَن يرى أن الإدارة الأميركية تُمنّي النفس باتباع سياسة الحزمة الواحدة في مقاربة ملفّات الإقليم، أي التساهل في بعضها، كاليمن مثلاً، مقابل طلب تنازلات في أخرى. غير أن المحور المعادي للولايات المتحدة في المنطقة أعلن أكثر من مرّة أن الخصوصية الوطنية لكلّ ساحة من ساحاته تتقدّم على ما عداها من اعتبارات. وكنموذج من ذلك، يأتي الرفض المطلق من قِبَل القيادة الإيرانية لمقايضة الملفّ النووي بأيّ من الملفّات الداخلية أو الخارجية.
وهو رفض لن يتبدّل في ظلّ استشعار طهران ارتياحاً أكبر وقدرة أوسع على المناورة بعد فشل سياسة «الضغوط القصوى» ضدّها. يُضاف إلى ما تقدّم أن مسؤولي الإدارة الأميركية الحالية، أو على الأقلّ معظمهم، يعلمون جيداً، من خلال المشاركة في المفاوضات التي أدارها وزير الخارجية الأسبق جون كيري في مسقط قبيل رحيل إدارة باراك أوباما أواخر عام 2016، زيف الادعاءات حول تبعية القيادة اليمنية لأيّ جهة.
كما يدركون أن صنعاء عملت في كثير من الملفّات وفق القواعد والمرتكزات الوطنية التي تراها مناسبة، حتى لو كانت على خلاف نصائح الأصدقاء والحلفاء.
في السياق نفسه، لا يبدو واضحاً إلى الآن ما إذا كانت واشنطن ستربط المسائل الداخلية السعودية بملفّ الحرب على اليمن، وإن كان المرجّح فصل الأمرين، علماً أن الشأن الداخلي ليس أقلّ تعقيداً من بقية الملفّات.
وما إعلان الناطق باسم البيت الأبيض، منتصف الأسبوع الماضي، أن ليس لدى الإدارة خطط للاجتماع مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلّا دليل على أن واشنطن غير راضية على أداء ابن سلمان، وأن إطلاق بعض سجناء الرأي غير كافٍ، وأن المطلوب أكبر من ذلك، بما يصل ربّما إلى الإفراج عن أمراء آل سعود المحتجزين، وعلى رأسهم محمد بن نايف.
على أن التصريحات والمواقف الأميركية أظهرت أن إدارة جو بايدن ليست في وارد التفريط بالحليف السعودي، لكنها ستنتهج مقاربة مغايرة لسابقتها.
وهذا ما أشار إليه المحلّل والكاتب الأميركي، أرون ديفيد ميللر، لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، بقوله إن بايدن قرّر وضع مسافة سياسية بين واشنطن والرياض، أبعد من تلك التي كان ترامب قد رسمها.
الأخبار اللبنانية