استهداف كبار الشخصيات
كشف شبكة تجسس إماراتية جديدة “تم خداعنا باسم الأمن القومي وإغرائنا بالمال للاشتراك في عمليات تجسس على الشيخة موزة وميشيل أوباما ومسؤولين بالفيفا”.. هكذا كشف ديفيد إيفيندين، المحلل السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكي لصحيفة نيويورك تايمز عن استخدامه هو وعدد من زملائه السابقين في الوكالة من قبل السلطات الإماراتية وتجنيدهم للتجسس لصالحها بعد تضليلهم بأن هذه العمليات هي خدمة لحكومة حليفة للولايات المتحدة تساعد في القضاء على الإرهاب.
جاء هذا في تقرير صادم نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كشفت فيه عن شبكة تجسس تديرها الإمارات بإشراف من ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، قامت خلالها بتجنيد عدد من العملاء السابقين في وكالة الأمن القومي الأمريكية، والذين أكد بعضهم أنهم انسحبوا من هذه الشبكة بعد اكتشافهم لسوء نوايا النظام الإماراتي وراء هذه العمليات.
حول ما كان يفعله في أبو ظبي، قال ديفيد إيفيندين إنه، مع عشرين آخرين من المحللين والمقاولين في وكالة الأمن القومي الأمريكية، تم استدراجهم إلى الإمارات العربية المتحدة عن طريق مقاول بيلتواي البوتيكي بعروض مادية مغرية وصلت إلى ضعف رواتبهم لأربع مرات معفية من الضرائب مع وعود بنمط حياة فاخر.
وبحسب إيفيندين، فقد قيل لهم إن عملهم سيكون هو نفسه كما كان في الوكالة الأمريكية لكن هذه المرة بالنيابة عن حليف مقرب، كأنه امتداد لحرب أمريكا على الإرهاب.
بدأ السيد إيفيندين تعقب الخلايا الإرهابية في الخليج، كان ذلك في عام 2014 في الوقت الذي بدأ تنظيم داعش فيه في العمل بنشاط مكثف، إذ كان قد فرض للتو حصاراً على الموصل وتكريت، وعليه قام السيد إيفيندين بتتبع أعضاء التنظيم أثناء قيامهم بإغلاق الهواتف المحمولة وتطبيقات الرسائل.
شبكة تجسس إماراتية جديدة
ربما كانت تعلم الإمارات أن السيد إيفيندين مسيحياً ملتزماً بتعاليم دينه، ولعل هذا ما جعلها تفكر في استقطابه، غير واضح، لكن الأكيد أن إيفيندين كان لديه حافزاً كبيراً للعمل مع الإمارات في تتبع أعضاء داعش والقضاء عليهم، لأن أفضل طريقة لإثبات إيمانه -كما يعتقد- كان مطاردة أولئك الذين يحاولون قتل المسيحيين، لكن مهمة استهداف داعش لم تستمر طويلاً، إذ تم تكليفه بمهمة أخرى، وهي اثبات أن جارة الإمارات الصغرى: قطر، تقوم بتمويل جماعة الإخوان المسلمين، ولم تكن هناك سوى طريقة واحدة لتنفيذ ذلك، كما قال السيد إيفيندين لرؤسائه، وهي اختراق قطر.
“افعلوا ذلك”.. هكذا قال الإماراتيون لإيفيندين وفريقه، دون الاعتبار إلى أن قطر أيضاً هي حليف رئيسي للولايات المتحدة، لكن هذا لم يمنع الإماراتيون من التصميم على اختراقها. لم يمض وقت طويل بعد ذلك حتى تتالت عمليات الاختراق الأخرى التي قام بها ” CyberPoint”، وذلك باختراق من اعتبرتهم الإمارات أعداء، سواء حقيقيين أو مجرد مشتبه فيهم، في جميع أنحاء العالم: مسؤولين الاتحاد العالمي لكرة القدم (فيفا)، معارضين ومنتقدين النظام الإماراتي على تويتر، وبالطبع، أفراد العائلة المالكة القطرية.
كان الإماراتيون يريدون أن يعرفوا كل شيء عنهم، متى سيلتقون وبمن؟ ماذا يدور في اجتماعاتهم؟ أين هي وجهات سفرهم، وهي المعلومات التي كان يبرر الإماراتيون أنها مهمة لخدمة هدفهم الأصلي: الحرب على الإرهاب- مثلما أوضح السيد إيفيندين.
حتى ذلك الوقت، كان الأمر يبدو طبيعياً بالنسبة لعملاء وكالة الأمن القومي الأمريكية السابقين، لكن الأمر تغير تماماً عندما ظهرت رسائل البريد الإلكتروني لميشيل أوباما- السيدة الأولى للولايات المتحدة -آنذاك-على شاشته ] إيفيندين[ في أواخر عام 2015. أوضحت تلك الرسائل أن فريق ميشيل أوباما كان بصدد وضع اللمسات الأخيرة لتنظيم رحلة إلى الشرق الأوسط للقاء الشيخة موزة بنت ناصر –والدة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد- والتي كانت قد دعت السيدة أوباما لإلقاء كلمة في قمتها التعليمية السنوية في الدوحة، حيث ستروج سيدة الولايات المتحدة الأولى لمبادرتها “Let Girls Learn”.
أوضحت الرسائل أن السيدة أوباما وفريقها كانوا على تواصل دائم مع الشيخة موزة، لكن محتوى جميع الرسائل كان محتوى إنسانياً من الدرجة الأولى، يهتم بالتعليم وتطوير المجتمع والترتيب للاجتماعات والخ الخ، ما دفع إيفيندين لإعادة التفكير فيما يفعله مع أبو ظبي. “كانت تلك هي اللحظة التي قلت فيها لا ينبغي أن نفعل هذا “… “لا ينبغي أن نستهدف هؤلاء الناس”، هكذا صرح إيفيندين للصحيفة.
لم يتردد السيد إيفيندين في مغادرة الإمارات بعد اختراق هواتف الشيخة موزة وميشيل أوباما، سرعان ما كان على متن رحلة العودة للولايات المتحدة هو وعائلته وعدد قليل من زملائه الذين انضموا إليه وقاموا بإبلاغ مكتب التحقيقات الفيدرالي فيما بعد بما حدث.
من الجدير بالذكر أن الوكالة لم تعلق على فتح التحقيقات، لكن وبحسب نيويورك تايمز فإن المقابلات تشير إلى أن عمليات التدقيق في عمل CyberPoint لا تزال جارية. لم يمض وقت طويل بعد عودة السيد إيفيندين إلى الوطن حتى بدأ عدد من رفاقه القدامى في وكالة الأمن القومي، والذين لا يزالون في الخدمة، في مراسلته لأخذ نصيحته حول تلقيهم عروض عمل رائعة في أبو ظبي، وهي العروض التي لا تزال تلاحق موظفي الوكالة حتى اليوم.
قال إيفيندين إنه كان يتوسل إلى زملائه الذين تلقوا عروضاً من أبو ظبي قائلاً “رجاء لا تذهبوا”.. “هذا العمل ليس عادياً بل مختلف تماماً عن العمل الذي تقوم به هنا في الولايات المتحدة”… “ربما يقنعوك أنك بقبولك هذه الوظيفة فأنت تخدم بلدك وتعتقد أنك وطني، لكني أحذرك… في يوم من الأيام قد تستيقظ وتجد أنك مجرد مرتزق آخر في سباق تسلح عبر الإنترنت، وأنك ارتكبت بذلك خطأ فادحاً”.
تظل أمريكا القوة الإلكترونية العظمى الأكثر تقدمًا في العالم، ولكن الحقيقة القاسية، التي لا يريد مسؤولو المخابرات مناقشتها، هي أنها أيضًا الأكثر استهدافًا وضعفًا والتي يمكن اختراقها بسهولة… اختراق ميشيل أوباما دليل على ذلك، وتجنيد مسؤولي الوكالات الاستخباراتية دليلا آخراً.