لأكثر من عامين، لم يحقق تحالف العدوان الذي تقوده السعودية في اليمن مكاسب عسكرية أو دبلوماسية كبيرة؛ وتظهر خطوط المعركة الحالية تقريبًا سيطرة العدوان على ما كان جنوب اليمن قبل عام 1990 وسيطرة حكومة صنعاء على ما كان شمال اليمن قبل عام 1990. وحاليا، يجري معظم القتال بين قوات العدوان وصنعاء في محافظة مأرب الغنية بالطاقة والتي تعد آخر موطئ قدم لتحالف العدوان في شمال اليمن.
وبالرغم من تراجع عوائد حملتها العسكرية في السنوات الأخيرة، لا تزال الرياض غير مستعدة للانسحاب تحت ضغط هجمات الحوثيين على البنية التحتية السعودية باستخدام طائرات بدون طيار متطورة وصواريخ دقيقة قدمتها إيران.وفي محاولة لوقف تصعيد الصراع، تحولت السعودية من استراتيجية “بدء القصف” إلى استراتيجية “رد الفعل” على هجمات الحوثيين.
وقد يؤدي التقدم الأخير في تنفيذ اتفاق الرياض لعام 2019، والذي يهدف إلى تحقيق التوازن بين القوة السياسية والعسكرية لحكومة المرتزقة في مواجهة الانفصاليين الجنوبيين، إلى درء الانهيار الداخلي لتحالف العدوان المناهض لصنعاء بقيادة السعودية في الوقت الحالي. ومع ذلك، لم يتم حل التوترات بين أطراف الاتفاقية بشكل جذري، ما يعني أنها عرضة للظهور مرة أخرى عاجلاً أم آجلاً.
أما بالنسبة لشمال اليمن، فقد ترسخت أقدام الحوثيين أكثر، وتشمل بعض المؤشرات على هذا الاتجاه استمرار الكشف عن أنظمة أسلحة جديدة، وآخرها صاروخ “قدس-2” الذي استخدم لضرب منشأة “أرامكو” في جدة. وبالإضافة إلى ذلك، أبدى الحوثيون اهتمامًا بلعب دور في السياسة الإقليمية إلى جانب المحور الذي تقوده إيران عندما عرضوا إطلاق سراح الأسرى السعوديين مقابل إطلاق السعوديين سراح سجناء حماس.
وبالرغم من الجمود الظاهر في النزاع في اليمن، فهو لا يزال عرضة للتغييرات في اللعبة والتي يمكن أن تغير الديناميكيات ومسار الحرب في نهاية المطاف. وبينما كان من المتوقع أن يكون تأثير “كورونا” كارثيًا في اليمن، إلا أن تأثيره الفعلي كان محدودًا بسبب مجموعة متنوعة من العوامل.
بما في ذلك السكان الشباب في اليمن (60% من السكان تحت سن 25 عامًا) وعلاقاته التجارية المحدودة مع الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، فإن احتمال الانسحاب السعودي من اليمن، أو هجوم الحوثيين على أهداف إسرائيلية، أو الانهيار النهائي لاتفاق الرياض، أو زيادة المشاركة التركية في اليمن، يمكن أن يعيد تشكيل الحرب اليمنية بطرق يصعب التنبؤ بها.
المحاور الأربعة
أولاً، نظرًا للتكاليف الباهظة للسعودية من حيث خسائر الأرواح والأموال والسمعة، وحقيقة أن أهداف الحملة لا تزال غير قابلة للتحقيق، فقد يقرر ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” أن عام 2021 يعد وقتا مناسبا لتقليص تدخل الرياض في اليمن بدلاً من اتخاذ هذه الخطوة بشكل متأخر أي بعد أن تسبب قضية اليمن ضررا بالفعل للعلاقات مع إدارة “بايدن”.
ولذلك قد تستبق الرياض الاشتباك مع واشنطن وتقرر تملق البيت الأبيض من خلال إنهاء الحملة وتقديم إنجاز مبكر لفريق “بايدن”. وقد يتم اتخاذ القرار السعودي مقابل وعد أمريكي بمساعدة السعوديين في الدفاع ضد الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون. وستخلق هذه السلسلة من الأحداث التي تبلغ ذروتها بانسحاب الرياض فراغًا في القوة ومن المرجح أن تكون بداية مرحلة جديدة من الحرب الأهلية اليمنية بدلاً من أن تؤدي إلى نهاية الصراع.
ثانيًا، قد يسعى الحوثيون إلى زيادة شعبيتهم المتدنية من خلال هجوم على الأصول الإسرائيلية أو على إسرائيل نفسها. ولم يثبت الحوثيون حتى الآن أنهم يمتلكون أسلحة قادرة على الوصول إلى اسرائيل (حوالي 1800 كيلومتر من اليمن)، رغم أنهم نجحوا في ضرب مطار دبي بطائرة بدون طيار متفجرة، مما أظهر القدرة على إصابة هدف على بعد 1450 كيلومترًا تقريبًا.
ثالثًا، يمكن أن ينهار اتفاق الرياض، بين حكومة المرتزقة والمجلس الانتقالي الجنوبي، مع عودة الاشتباكات المسلحة بين الجانبين. وفي هذه الحالة، يمكننا أن نرى إعادة تشكيل شبكة التحالفات والعداوات داخل اليمن. وبالرغم أن بعض عمليات إعادة الاصطفاف قد تبدو غير واردة الآن، فقد قيل نفس الشيء عن تعاون الرئيس الراحل “علي عبدالله صالح” مع الحوثيين بعد إجباره على ترك منصبه في عام 2012، بالرغم من أنه خاض 6 حملات ضدهم من 2004 إلى 2010.
رابعًا، بعد تحقيق نجاح عسكري كبير من خلال الاستخدام الفعال للطائرات بدون طيار من ليبيا إلى سوريا إلى أذربيجان، قد تقرر تركيا أن المشاركة الأكبر في اليمن يمكن أن توفر لها النفوذ الذي تريده تجاه دول الخليج وكذلك فرص لتوسيع وجودها حول البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وقد ينطوي هذا القرار على قدر ضئيل من المخاطر، حيث يمكن لتركيا تقديم الدعم لحزب الإصلاح في اليمن تحت ستار المساعدات الإنسانية؛ حيث أن الجمعيات الخيرية التركية نشطة إلى حد ما في اليمن. قد يجعل هذا التطور أي حكومة مركزية في اليمن، تضم شخصيات مرتبطة بالإصلاح مثل نائب الرئيس “علي محسن الأحمر”، مصدر إزعاج أكبر للعلاقات الإماراتية السعودية.
وستكون التداعيات الأساسية لأي من هذه العوامل التي تغير قواعد اللعبة هي تغيير التحالفات و/أو موازين القوى في اليمن. ومن الصعب تصور مدى الدقة التي ستحدث بها هذه التغييرات بالنظر إلى الطبيعة المتغيرة للعلاقات في اليمن، ولكن في السيناريوهات التي تنطوي على إضعاف التحالف الذي تقوده السعودية (إما بسبب الانقسامات الداخلية أو سحب الدعم)، من المفترض أن تكون قوات الحوثي المدعومة من إيران المستفيد الرئيسي.
ومع ذلك قد تتسبب هذه العوامل في تغيير قواعد اللعبة بطرق مختلفة، فعلى سبيل المثال، قد يؤدي الانسحاب السعودي إلى بحث الحوثيين عن أعداء جدد لمواصلة “المقاومة”، وستبدو إسرائيل بالتأكيد واحدة من المرشحين الأكثر ترجيحًا.
الدور الإسرائيلي
لا تعد إسرائيل لاعباً فاعلاً في الساحة اليمنية، لكن لها مصالح هناك، فشاغلها الأساسي هو منع الحوثيين من ضرب إسرائيل أو الأصول الإسرائيلية. وقد أظهر الحوثيون قدرة على دمج الذخائر الموجهة بدقة والاستخبارات في الوقت المناسب خلال العديد من محاولات الاغتيال الأخيرة، بما في ذلك هجوم أواخر ديسمبر/كانون الأول 2020 الذي كاد يقضي على مجلس الوزراء بأكمله في حكومة المرتزقة المشكلة حديثًا.
ستسعى اسرائيل إلى تعزيز علاقاتها مع شركاء الخليج من أجل مراقبة وتقييم التهديد الحوثي عن كثب. وسيساعد ذلك إسرائيل في إحباط الهجمات المحتملة من خلال نهجها متعدد الطبقات للدفاع ضد الصواريخ (تعطيل الإمداد وردع الاستخدام والدفاع ضد الضربة) وتقليل احتمالية انجرارها إلى الصراع كمشارك نشط في القتال. وفي حين أن الأشهر المقبلة قد تشي بالاستمرارية أكثر من التغيير في اليمن، فمن الجدير أن نتذكر كلمات عالم المستقبليات “هيرمان كاهن” التي تقول أن “المستقبل الذي يبدو أكثر احتمالا قد لا يكون كذلك”.
وفي حين أن الولايات المتحدة ليست لاعبا مباشرًا في الحرب الأهلية اليمنية، فمن المرجح أن يؤثر تغيير الإدارة على الصراع. ومن المتوقع أن تسحب إدارة “بايدن” دعمها للحملة السعودية وتكثف الضغط على الرياض لإنهائها. ولم يتضح بعد ما إذا كان ذلك سيؤدي في النهاية إلى إجبار السعوديين على الانسحاب أو دفعهم لمزيد من التحوط بتعزيز علاقاتها مع ضامني الأمن البديل أو تجاه كلا الخيارين.
وقد يستمر الوضع الإنساني الكئيب في اليمن والصراع بين الفصائل المتحاربة لسنوات قادمة، لكن بعض الخصائص المميزة للنزاع يمكن أن تتغير. إن التفكير في المستقبل في الشرق الأوسط، حيث غالبًا ما يتجاوز الواقع الخيال، قد يبدو وكأنه مهمة حمقاء، لكن الفشل في القيام بذلك يزيد من مخاطر الوقوع في مأزق بسبب واقع دائم التغير.