تداخلت في رأسي المشاهد والصور والأحداث من طوابير طويلة أمام محطات البترول، و أخرى أكثر طولاً أمام لجان توزيع المواد الغذائية، كل الأجواء مكفهرة مشحونة بالنزق والرفض المطلق لسياسة الإفقار والتجويع، ظل ذهني يتابع باهتمام صور اليأس والفاقة البادية على وجوه الناس بالذات الفقراء ممن سحقتهم المعاناة والمشاكل وتحولت إلى مخاوف لا حصر لها، انتهت إلى إحباط مريع للشباب وزدات من معاناة اليمنيين، بأن ضاعفت الكم الهائل من المشاكل والحالات المؤلمة الناتجة عن الحصار الاقتصادي الجائر،
في ظل تعطل المسارات السياسية وإصرار أمريكا وبريطانيا وأذنابهما في المنطقة على استمرار العدوان وتفاقم الحصار وشمل كل شيء يتصل بالحياة، وأكد أن حدة التوتر باتت آلية ملزمة تضاعف الحقد والكراهية في نفوس اليمنيين لهؤلاء المعتدين المتغطرسين.
في ظل المعطيات السابقة، يظل اليمنيون معرضين للكثير من النكبات بغض النظر عن المواقف والتصريحات التي أفصح عنها الرئيس الأمريكي الجديد بايدن أو أركان حكمه، فإن البعض يعتبرها مجرد فواصل زمنية هدفها إضاعة وإهدار الوقت خاصة وأنها ترافقت مع المواقف الديماغوجية للمبعوث الأممي غريفيث الذي يعلن أحياناً أشياء يبدو أنه عاجز عن تنفيذها أو أنها في الأساس وردت من باب التسويف والمماطلة وإعطاء الفرصة للطرف الآخر للتغطية على الهزائم والإخفاقات التي يتعرض لها في ميادين القتال،
وهي بالفعل – كما وصفها محلل أمريكي – هزائم مروعة غير مسبوقة في تاريخ الحروب الإنسانية إلا في جيش طالوت مقابل العماليق التي وصفها القرآن بقوله ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) صدق الله العظيم،
وهذا هو حال المجاهدين في بلادنا اليوم من أبطال الجيش واللجان الشعبية الذين يواجهون أعتى وأفتك الأسلحة بصدور عارية وأقدام حافية، أعداد ضئيلة جداً تواجه زحوفاً كبيرة وكلهم متمسكون بنص الآية الكريمة ( والله مع الصابرين )، فالصبر والصمود هما معيار التفوق وقوة الإيمان بالله سبحانه وتعالى أساس تحقيق الانتصارات الكبيرة، لذلك لجأ ويلجأ الأعداء إلى الحصار الاقتصادي الجائر ومنع صرف مرتبات موظفي الدولة لسنوات متعاقبة،
والهدف من ذلك إثارة اليمنيين ضد النظام في صنعاء، إلا أن الأيام أثبتت أن المواقف العظيمة لا تتزحزح والضمائر المستنيرة لا يمكن أن تخضع للمساومة والبيع والشراء، كلها إرادات صلبة تتحدى المؤامرات مهما تعددت أو تنوعت،
مع ذلك تتغير المحاولات من وقت لآخر، أحياناً باستهداف طرف معين بذاته في الساحة اليمنية وإثارة الناس عليه، وأحياناً باستهداف كل اليمنيين كما هو حال الحصار الجائر الذي تجاوز كل الحدود، إلا أن اليمنيين يتقبلونه بصدر رحب، إذ تجد الواحد منهم يرابط أمام محطة البنزين أياما حتى يصل إلى مبتغاه، ومبتغاه هنا ليس كاملا وإنما بحسب الطاقة المسموح بها التي لا تزيد عن 40 لتراً لكل وسيلة مواصلات، فيأخذها بنفس راضية كونه يعتبر نفسه جزءاً من المعركة الكبيرة المتمثلة في الدفاع عن الوطن، وهذا هو حال كل مواطن يمني شريف يؤمن بالله وبالوطن ولا يقبل الخنوع والاستسلام،
وهذا ما يجعلنا نؤكد بالفم المليان أن اليمن ستبقى عصية على الأعداء ولن تعود إلى بيت الطاعة كما يعتقد آل سعود ومشائخ الإمارات، فاليمن تحررت وخرجت من موضوع الحديقة الخلفية، وعلى هذا الأساس هي اليوم تتحمل كل هذا الحصار الجائر وتكابد المآسي في كل الميادين: في الصحة في الاقتصاد في المعيشة اليومية في كل جوانب الحياة بالذات في الصحة، حيث يتم إزهاق أرواح الأطفال والنساء والشيوخ نتيجة انعدام الأدوية اللازمة لإسعافهم، غير أنه كما يُقال (رب ضارة نافعة ) فالأزمات وحدت اليمنيين وخلقت حالة من التكافل الاجتماعي والتعاون بين اليمنيين بأسلوب حضاري متميز أساسه الحافز الديني وما يتصل به من علامات إذكاء للروح المعنوية وتعزيز قوة الصمود والتحدي في النفوس،
هذه الحالة هي التي تواجه اليوم كل هذا الصلف من العدوان بجانبيه العسكري والاقتصادي، وتضع لبنات بناء المستقبل على أساس الاحتفاظ بالعزة والكرامة وصيانة السيادة والاستقلال، وكلها مؤشرات هامة تُعبر عن صلابة الموقف وقوة الإرادة لدى اليمنيين الذين لن يستسلموا ولن يخضعوا للأعداء مهما تجاوزت التآمرات الحدود.
الشعب اليمني قادر على أن يتحمل ويصبر ويقاوم، خاصة أنه أمام عدو لا يحترم المواثيق الدولية ومجرد من الصفات الإنسانية، وإلا لو عدنا للقرار (1622) لوجدنا أنه لم يُشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الحصار ولم يتحدث عنه، فمن أين استلهموا مرجعية هذا الحصار.. ومن الذي أعطاه المشروعية؟.
كان القرار قد أشار إلى تفتيش روتيني للسفن لمنع تدفق الأسلحة كما قالوا، لكنهم تجاوزوا كل حد وحوّلوه إلى رأس حربة للعدوان والعالم كله يتفرج وغريفيث بين الحين والآخر يُمنّي اليمنيين بالوعود الكاذبة، ولم ندرك يوماً أن تصريحاته عن الخطوات العملية أخرجت الأمر والمواقف من دائرة الإعلان إلى دائرة العمل، وعلى هذا الأساس يمكن قياس مواقف الدول الأخرى، وإن كنا في هذا الصدد نثمن الموقف الأخير لإيطاليا وألمانيا وأمريكا إن صدقت في منع توريد الأسلحة إلى دولتي العدوان السعودية والإمارات، وهي خطوة إن كانت صادقة تمثل صحوة ضمير متأخرة، مع ذلك تستحق الإشادة.
سيظل الفعل الحاسم للمجاهدين الأبطال وهم من سيقررون نهاية هذا العدوان عندما يتصدون له ببسالة تنتهي بتحرير كل شبر من أرض الوطن، وعلى الجميع أن يدركوا بأن اليمن -كما قلنا- باتت عصية على التركيع والضم والتبعية، والله من وراء القصد..
____
أحمد يحيى الديلمي