” الكرام والكرامة والأنفة تُوَرث ولاتكتسب” من اروع واجمل ما قرأت في حياتي يرقىٰ الى اكاديمية التاريخ والادب والاخلاق والانسانية والدين والعروبة للكاتبة السورية “احلام العظم” في اطار ردها على الطالبتان الجزائريتان اللتان تقدمتا برسالة لنيل شهادة الماجستير بعنوان :” تسول اللاجئات السوريات في الجزائر ” وقالتا ماقالتا والكاتبة ” احلام العظم ” من شامنا بالرد ومن يمننا بالمجاراة نكتب
ونؤكد : بالفعل كانت ” ام صلاح ” السورية بمثابة الام للطلاب اليمنيين في حي الحمدانية حلب – سوريا بالمعاملة وطبخ المحشي وبابا غنوج والمكدوس والشاكرية والتبولة ومنهم العبد لله فحفرت في ذاكرتنا ذكريات انسانية لاتمحا مع الزمن ناهيك عن الدراسة المجانية والطب المجاني والاستفادة من الدعم الحكومي للكتب الدراسية والخبز والمواد الغذائية ووقود التدفئة شتاءً وبدون اقامة وفيزا وتقدير واحترام لايوصف من الشعب السوري والجيش والشرطة والمخابرات السورية نعم المخابرات السورية ” الشبيحة “التي عاملتنا وحافظت علينا كطلاب علم ودراسة دون الانزلاق الى مالايحمد عقباه من مفاتن اللهو والطرب حقا كان حُلمْ جميل لا ولن يعود .
نعم درسنا في سوريا مع كل الطلاب العرب ومن كل الاقطار العربية حتى من اريتيريا دون ان نشعر باى نوع من انواع التمييز وخطاب الكراهية والفتن ولاحقا الصهيونية العالمية وادواتها المتوحشة تغرق سوريا المواطنة العربية والعروبة والمقاومة بدواعش العالم و النتيجة حوالي ثلث الشعب السوري الى التهجير القسري والغربة القاهرة الى كل صقاع العالم ومنها الجزائر التي افرزت رسالة ماجستير بعنوان ” تسول اللاجئات السوريات ”
فكان الرد اقوى من رسالة الماجستير .
بالفعل “إن الكرام والكرامة والأنفة تُوَرث ولاتكتسب “فكان الرد من الكاتبة السورية احلام العظم كما يلي :
من أخلاقنا نحن في سورية ألا نسمي المتسول متسولاً، وإنما نسميه محتاجا.. أما في باقي أصقاع الأرض، فيسمونه متسولاً أو شحاداً… شيء طبيعي أن يكون التشرد والغربة والفقر والنفي، كلها من مخرجات الحروب. ولكن الشيء غير الطبيعي أن يُعامل من هُجِّر من دياره معاملة الذليل وقد كان في بلده عزيزاً كريماً… !!!
فهذه المرأة السّوريّة المتسوّلة التي تتحدث عنها رسالة الماجستير، كانت سيدة في بلادها، ثم صارت متسولة في بلادكم، كانت ربة منزل لها أسرة وجيران، وربما تحمل شهادة الماجستير نفسها!
أو قد تكون معلمة أو مهندسة أو كاتبة… وهي الآن تكتب عنكم في الوقت الذي تظنون فيه أنكم تكتبون عنها رسائل الماجستير
هذه المرأة السورية التي كانت تطبخ لأولادكم (أصدقاء ولدها) القادمين من الجزائر للدراسة في سورية بالمجان، وكانت تعاملهم كأولادها.. هذه المرأة السورية التي كانت تدفع ولدها ليدافع عن شرف الامة المهدور بأمثالكم.. هذه المرأة السورية التي كانت تضمّ أزهار الياسمين الشامي لتجعل منها طوقاً تهديه لأحبتها، ولكنها الآن بلا ياسمين وبلا أحبة.. هذه فلسفة لا يدرك معانيها إلا أهل الشام..!!!
وقد تكون هذه المرأة المتسولة من نسل الأمير عبد القادر الجزائري الذي اختار أن تكون الشام و دمشق منفاه الأخير، فاستقبله أهل الشام بالتكبير والتهليل، فأنزلوه منازل الأمراء التي تليق به وأغدقوا عليه وعلى جماعته الأموال والأراضي والأوقاف، لأن العظماء يعرفون قدر بعضهم بعضا.. حتى عندما مات، دفنوه إلى جوار قُطْبهم محي الدين بن عربي، فأكرموه حيا وميتا…
وقد تكون هذه المتسولة هي نفسها التي خاطت علم الجزائر بيديها لترفعه في المظاهرات خلال حرب التحرير، ثم باعت ذهبها وأرسلت المال لتشتروا به سلاحا تدحرون به المستعمر الفرنسي…
نعم قد تكون متسولة، ولكن الشيء الأكثر أهمية من التوصيف ومن نيل شهادة الماجستير هو :
لماذا ألجأتموها إلى التسول؟ أليس في الجزائر بيوت؟! أليس في الجزائر طعام؟! أليس في الجزائر ثياب؟! أليس في الجزائر من يقرأ قوله تعالى (يطعمون الطّعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيرا)؟ أليس في فلسفتكم شيء إسمه ضيف؟!!! أليس في فلسفتكم شيء إسمه إغاثة الملهوف؟ أليس في فلسفتكم شيء إسمه الإنسانية؟ ألا يوجد على وجه الأرض شعب كالشعب في بلاد الشام ؟ تعلمون ماذا فعل السوريون بأشقائهم الهاربين من الحروب من فلسطين والجزائر ولبنان والعراق؟!!!
كنا نسميهم ضيوفاً وسكنوا في أفضل المناطق وفي دمشق أرقى حي يسمى حي المهاجرين، لم نرضَ أن يسكنوا في المدارس والمخيمات أو تحت مشمّع مطري ما بين دولتين، بل أسكناهم بيوتنا، وأطعمناهم مما نأكل، وألبسناهم مما نلبس… حتى عادوا إلى ديارهم من غير أن يفقدوا ذرة واحدة من كرامتهم…!!!
ماذا نفعل والكرام والكرامة والأنفة تُوَرّث ولا تُكتسب ؟ يطلق المحللون على الازمة في سورية إسم (الفاضحة) لأنها فضحت الجميع، فضحت الأشقاء قبل الأعداء، ومن أجل الإنصاف، هذا الكلام لا ينطبق على كل الشعب الجزائري، لأن فيه من العظماء ما فيه…!!!
حكمت ظروف الحرب على أهل سوريا باللجوء إلى بلد عربي رغبة بالأمن والأمان علهم يجدوا إخواناً لهم ناصرين كما فعل الأنصار مع المهاجرين، ولكن لو ذهبوا إلى دولة أوربية مسيحية لكان أشرف لهم وسيجدون العون والأمان كما وجده الصحابة عند هجرتهم إلى الحبشة المسيحية فعاشوا عند النجاشي 15 سنة بأمن وأمان حتى عادوا بعد فتح خيبر…!!!
دمشق شقيقة بغداد اللدودة، ومصيدة بيروت، وحسد القاهرة، وحلم عمّان، وضمير مكة، وغيرة قرطبة، ومقلة القدس، ومغناج المدن وعكازة التاريخ …..!!!!!
إنها دمشق الرووح والكرام.. امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي، ومدرسة عشرين نبي، وفكرة خمسة عشر إله خرافي لحضارات شنقت نفسها على أبوابها، إنها دمشق الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله ، شرود القصيدة ومصيدة الشعراء، دمشق التي تتقن كل اللغات ولا أحد يفهم عليها إلا الله جل شأنه وملائكة عرشه .
دمرَّ هولاكو بغداد ..
وصار مسلماً في دمشق..
حرر صلاح الدين القدس …
وطاب موتاً في دمشق،
لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم…
من الأزرق ما يكفي لتغرق القارات الخمس…!!!
لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحدوها عبق الملائكة…
ومن المداخن ما يكفي “لتشحير” وجه الكون .
لديها من الصبر ما يكفي لتنتشي بهزة أرضية ، ومن الأحذية و”الشحاحيط” المعلقة في سوق الحميدية ما يكفي للإحتفال بجميع قادات العالم .!!!
لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع ، ومن الشرفات ما يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهم على مهل .
دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين ؛؛؛ في أرقى أحيائها تسمع وجع “الطبالة”…
وفي ظلمة “حجرها الأسود” يتسلق كشّاشو الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من “المهاجرين”.
دمشق ..
لا تُقسم إلى محورين..
فليست كبيروت غربية وشرقية..
ولا كما القاهرة أهلي وزملكاوي..
ولا كما باريس ديغولي وفيشي..
ولا هي مثل لندن شرق وغرب نهر التايمز..
ولا كمدن الخليج العربي مواطنون ووافدون..
ولن تكون كعمّان فدائيون وأردنيون..
ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم..
دمشق مكان واحد ؛؛؛ فإذا طرقت باب توما
ستنفتح نافذة لك من باب الجابية ..!!!
وإذا أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة .!!!
وإن أضعت طريق الجامع الأموي ،
ستدلك عليه ” كنيسة السيدة ”
لا تتعب نفسك مع دمشق ولا تحتار فهي تسخر من كل من يدعي أنه يحميها ومن يهدد بترويضها ، فتود أن تعانقها
أو تهرب منها ، وتقول جملة واحدة للجميع :
( إنها دمشق )
كن إنسانا قبل أن تكون عربياً…
أبو جميل أنعم العبسي