مقالات مشابهة

الشعب في ساحات الاستفتاء والتفويض

خرج الشعب اليمني الحر والبطل متدفقا على ساحات العزة والكرامة مثل طوفان جرار، وغطمطم زخّار، ليقول كلمته الفصل، ويعلن موقفه الحق والعدل، ويدلي باستفتائه الجديد حول استمراره واستعداده للثبات والانتصار في معركة الحرية والكرامة والعزة والسيادة، مهما تكالب عليه المستعمرون، ومهما صنّفه الموسوون المجرمون، ومهما همهم به أذنابهم التائهون.

لقد كان خروجا عظيما ملأ عشرات الساحات، ولكأن القرار الأمريكي الأحمق استثار فيهم المارد العتيد، واستنفر منهم كل شهم وصنديد، فهبت جميع مكوناته بصورة ملأتِ الدنيا فخرا وعزا ومجدا، وهبّ معه الأحرار على امتداد هذا العالم تظاهرا واستنكارا ضد استمرار الحرب عليه، فصار يوم الاثنين 25 يناير ثورة يمنية كبرى، وانعطافة عالمية عظمى، يجب أن يصيخ لها العالم سمعه، ويشخص إليه بصره.

خرج الشعب كعادته قويا صلبا صامدا ثابتا شامخا، وكان خروجه استفتاء جديدا على الاستمرار في خط النار لمواجهة المعتدين من أنظمة العمالة والخيانة، ومن يقف خلفهم من الأمريكان والصهاينة، وكان خروجه أيضا تفويضا جديدا في مرحلة جديدة لقيادته الإيمانية والثورية والسياسية، مفاده أنه مع قيادته قلبا وقالبا، وأنهم لا يأبهون لتصنيفهم في قائمة الإرهاب الأمريكي، ولا في أية قوائم عار مشابهة في هذه الدنيا.

لقد كان يجب على الطاغين أن يعلموا أن الشعب اليمني الذي عمَّد معركته الدفاعية المقدسة بأنفس أبنائه البارة، وأرواحهم الزكية، دفاعا عن حريته وكرامته وعزته وسيادته، لمدة ست سنوات، لن ترهبه قائمة أمريكية واحدة، ولا ألف قائمة وقائمة، وخروج شعبنا اليوم ضد هذا التصنيف بمثابة رسالة واضحة المضمون بينة المعاني بأنه مستعد وثابت وصامد في خنادق الشرف والمواجهة لسنوات عديدة قادمة، ولأجيال متلاحقة جيلا بعد جيل وإلى يوم القيامة.

إن ما يجب أن يفهمه هذا العالم عموما، والمستكبرون وعملاؤهم المرتزقة والمنافقون خصوصا، أن قطار الحرية والعزة والكرامة في اليمن قد انطلق من غير رجعة، وأن موكب الإيمان والجهاد فيه ماض في طريقه، ولن يتوقف، وعلى أمريكا أن تنشغل بهمومها الداخلية وانقساماتها العميقة عن التدخل في شؤون هذا الشعب، والاعتداء عليه، وارتكاب جرائم جديدة بحقه، كما على أنظمة الخيانة والعمالة في المنطقة أن تتدبر أمورها بعيدا عن شعبنا الذي بات يمضي في درب نهضته اللائحة، ويتدرّج في سلم حضارته الشاملة.

أما التصنيف الأمريكي فقد أثبت للمرة الألف أن العدو الحقيقي لشعبنا والمعتدي عليه والقاتل لأطفاله ونسائه، والمحاصر له في أكله وشربه ودوائه وغذائه هي امبراطورية الشر الكونية، وأم الإرهاب العالمية أمريكا، وشعبنا يعلم من أقصاه إلى أدناه أن الأمريكان يعترفون يوميا أنهم مشاركون مشاركة فعلية في العدوان على بلدهم وحصاره وتجويعه، ويقودون كل عمليات الإجرام ضده، أما استماتة المرتزقة والأدوات المحلية النازلة في فنادق العهر، وأحضان العمالة على وضع اليمن في قوائم الإرهاب رغم ما يتسبّب به في معاناة الشعب اليمني يبين أنهم ليسوا سوى أوراق تواليت تعمل أمريكا على تغطية عوراتها وجرائمها بها.

إن حركة أنصار الله حركة شعبية عابرة للطوائف المذهبية، والمكونات المجتمعية، والأحزاب السياسية، وقد خُلِقَتْ من رحم هذا الشعب، وتناسلت من مراحل معاناته، وهي موجودة في هذا الشعب بشكل قوي وفاعل ومؤثر أفقيا وعموديا، وخروج شعبنا اليوم شاهد على ذلك، وكوادر هذه الحركة ليست لهم أرصدة في بنوك هذا العالم، ولا يمتلكون شركات تجارية عابرة للحدود، ولا يعتادون الاصطياف في منتجعات المترفين وشواطئ العراة والشذاذ،

بل هم من أبناء هذا الشعب ويلتصقون بإخوتهم وبلدهم ومجتمعهم حلا ومرتحلا، وحياة وموتا، وأي تصنيف إرهابي يراد به إرهابها، لن يؤدي إلى نتيجة، ولن يكون له مردود عملي يفيد الطغاة والمجرمين، لا في واشنطن ولا تل أبيب ولا الرياض ولا أبو ظبي؛ اللهم إلا مزيدا من تشديد الحصار على الشعب اليمني كله، والإمعان في تجويعه وقتله بالحصار عن الدواء والغذاء.

ليس من مصلحة السلام والأمن الدوليين أن يتم تجاهل رسالة الشعب اليمني والشعوب العالمية الحرة التي خرجت اليوم، ولا يصب ذلك في المصلحة المشروعة لشعوب العالم جميعا، والاستمرار في الحرب والحصار يعني إعطاء التفويض الكامل للجيش واللجان الشعبية وإطلاق أيديهم لضرب العدو المعتدي أيا كان بشكل غير مسبوق،

ولن يتردد شعبنا في التحلل من كل الالتزامات العرفية التي ربما كان يراعي شيئا منها سابقا، وعلى السعوديين والإماراتيين والصهاينة أن يعلموا أنهم لن ينعموا بالسلام والرخاء وسعادة البال في الوقت الذي يعاني فيه شعبنا، ويموت أطفاله جوعا وهزالا ومرضا؛ لأن يد هذا الشعب الضاربة ممثلة في القوات المسلحة ستكون حاضرة بقوة في المشهد في قادم الأيام، وخروج شعبنا اليوم أعطى التفويض المطلق لهم في هذا الاتجاه.

آن للعالم أن يستيقظ من غفلته السادرة، وأن يصحو من سباته العميق، وأن يعترف بأن الشعب اليمني بات سيد نفسه، وأنه قد شب عن الطوق، وأنه بتطويره قدراته الدفاعية والعسكرية، وتمدد يده الضاربة على المستوى الإقليمي لم يعد ذلك الشعب الذي طاله العدوان عام 2015م، ولتعلم جارة السوء ومرتزقتها وعملاؤها أنهم هم أكثر المتضررين من استمرار هذا العدوان والحصار وبقاء هذا التصنيف الإجرامي، فشعبنا قرر بالتوكل على الله أنه لن يموت جوعا وبجواره نظام يكتظ بأمراء الكروش المنتفخة، وساسة العمالات المرتبكة، (وعلى نفسها جنت براقش).

قال الله تعالى: (فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)
______
د. حمود عبدالله الأهنومي