تصالحت السعودية وقطر، فماذا عن “العربية” و”الجزيرة”؟ فطوال سنوات الخصومة الثلاث، تحولت المحطتان السعودية والقطرية إلى نقطتي المواجهة الرئيستين بين البلدين الخليجيين. العالم كله تم تقديمه على الشاشتين انطلاقاً من هذه الخصومة. فالتغير الذي ستشهده الشاشتان، “العربية” والجزيرة” في ظل هذه المصالحة الغامضة، لن يكون وقعه خفيفاً عليهما.
المشهد في الخليج والموقف من إسرائيل، والخبر المصري واللبناني والعراقي، جميعها ارتبط بهذه الخصومة. صورة الإخوان المسلمين والمسافة من النظام السوري والعلاقات مع طهران، ارتبطت أيضاً بهذه الخصومة الفارغة، التي لم يفصَح يوماً عن أسبابها الحقيقية، والتي من المرجح أن لا أسباب لها تتعدى أمزجة الحكام وتوتراتهم الشخصية.
لكن التغير الذي ستشهده الشاشتان، “العربية” و”الجزيرة” في ظل هذه المصالحة الغامضة، لن يكون وقعه خفيفاً عليهما، فالمشاهد سيضيع بين الشاشتين حين يلوح له أمير قطر مبتسماً على شاشة القناة السعودية، وهو لن يعثر على أثر لصورة الصحافي السعودي القتيل جمال خاشقجي على الشاشة القطرية بعدما كانت الأخيرة قد حولته إلى أيقونتها.
هذه المفارقة ستنسحب على الملفات كلها التي تعالجها الشاشتان، ولن ينفع معها انسحاب تدريجي من قضاياهما “المركزية” خلال مرحلة ما قبل المصالحة. وهنا يحضر الشرط المهني بوصفه آخر هموم المعالجات السياسية لقضايانا في العالم العربي، ذاك أن الأنظمة جعلت من كل شيء وقوداً لنزواتها، فالشاشتان تحويان طاقات فعلية تمت إطاحتها في سياق مواجهات لا طائل منها ولا تمت للشروط المهنية بصلة.
حملة “الجزيرة” على خطوات التطبيع مع إسرائيل التي أقدمت عليها كل من الإمارات والسعودية ستجد نفسها أمام حائط مسدود بعدما كانت المحطة القطرية قد وظفت بها كل طاقات فريقها، وأبلسة الاخوان المسلمين وشيطنتهم، لن تكونا بعد الآن مهمة المحطة السعودية. لكنّ ثمة درساً ترسمه هذه المصالحة في سياق رسمها للمفارقة، ويتمثل في أن مسارعة أصحاب قضايا عادلة إلى التجاوب مع شرط سياسي أملته الخصومة هو خطوة خاطئة يجب الكف عنها.
يجب أن لا تراهن نساء سعوديات مضطهدات من قبل سلطات بلدهن على “الجزيرة” لحمل قضيتهن، ويجب ألا يلجأ خصوم رجب طيب أردوغان إلى “العربية” لرفع أصواتهم. هذا الأمر، إضافة إلى أنه لا يخدم عدالة قضيتهم، يعرضهم إلى احتمالات خسارتهم القضية في ظل مصالحة مفاجئة. أما أن يتحول الإعلام إلى خاصرة ضعيفة في مشهد سياسي متحول، فهذا ما ضاعف منه حلول دونالد ترامب زعيماً أوحداً لهذا العالم، ومن غير المؤكد أن يخفف منه رحيل الرجل، ذاك أنه خلف وراءه “ترامبات” صغاراً لن تطيح بهم انتخابات.
وخسارتنا نحن المشاهدين العرب بشاشتينا الكبريين تشكّل نموذجاً، فالانتقال من الخصومة القصوى إلى الصمت أو القبول أو الحماسة يشبه إلى حد كبير تلك الانقلابات التي أحدثها فينا سيد البيت الأبيض في السنوات الأربع الأخيرة، ومثلما حولت هذه الانقلابات العالم إلى مكان تسوده الكوارث، ستؤدي هذه التحولات إلى صدمات وصدوع مهنية ستحل على الشاشتين اللتين أُرغمتا على خوض المواجهة، وها هما ترغمان على خوض المصالحة.
المصدر درج