لا يزالُ الانتصارُ التاريخي الكبير الذي حقّقه أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة في العملية العسكرية الشهيرة “البنيان المرصوص” يشكّلُ صُداعاً لقوى العدوان الأمريكي السعودي والمرتزِقة، ومنذ ذلك الحين والعدوّ يتجرع الهزائم تلوَ الهزائم وبات يلفظ أنفاسه الأخيرة في معقله الرئيس مأرب.
وإلى الآن، لم يكشف عن هذه العملية النوعية والتاريخية سوى القليل، وَعلى الرغم من المشاهد التلفزيونية التي شاهدها العالم والتي تدل على عظمة الإنجاز إلا أن ما خفي كان أعظم، وستكشف الأيّام القادمة عن مشاهد لم يتوقعها أحد.
وتصف مجموعة الأزمات الدولية في تقرير موسع كتبته عن هذه العملية في أواخر يناير من العام الماضي ما حدث بأنه “نصر صريح” للجيش واللجان الشعبيّة في اليمن، منوّهة إلى أن أنصار الله حقّقوا أكبر المكاسب في ميدان المعركة.
كان العدوان والمرتزِقة يراهنون على هذه الجبهة كَثيراً؛ كونها تعد البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء، ولهذا فقد كان الإعداد كَبيراً ومهولاً، وفي المنطقة كان يتواجد أكثر من 17 لواءً، لكن كُـلّ هذا تبخر في أسابيع؛ بفعل الهجوم والخطة العسكرية المحكمة والانتصار المذهل.
وتقدر مساحة مديرية نهم بأكثر من 1800 كم2، وتشتهر بأنها منطقة ذات مرتفعات جبلية وعرة وتضارس يصعب اقتحامها أَو الوصول إليها، غير أن أبطال الجيش واللجان الشعبيّة ضربوا أروع الأمثلة في الفداء والتضحية، واعتلوا جبال يام والمنارة وغيرها، وطردوا المرتزِقة منها، وحقّقوا انتصارات خيالية.
هذه الهزيمة المدوية كانت كفيلة بإحداث شرخ في العلاقة بين مرتزِقة العدوان وتبادل الاتّهامات في ما بينهم، وقد تعرض الفارّ عبد ربه منصور هادي للتوبيخ من قبل قوى العدوان السعودي الأمريكي لفشله في كسب المعركة، في حين ألقى بعضُ الإعلاميين والسياسيين المرتزِقة باللومِ على العدوّ السعودي؛ بحجّـة أنهم لم يحصلوا على الدعم الكافي، وهي حجج واهية فضحتها عدساتُ كاميرا الإعلام الحربي والتي وثقت مشاهد للعتاد الكبير والأسلحة المتعددة التي كان يمتلكها المرتزِقة في تلك المنطقة الاستراتيجية من البلاد.
انتصار وتأييد إلهي
وبوضعِ مقارنة بسيطة بين ما يملكه أبطال الجيش واللجان الشعبيّة من قوة وعتاد، وما يملكه العدوّ، فَـإنَّ المراقِبَ للأحداث يجزم بأن الانتصارَ الفعلي سيكون من نصيب قوى العدوان والمرتزِقة، وأن صنعاء ستكون تحت سيطرتهم لا محالة، لكن ما حدث كان خارقاً للعادة.
ويؤكّـد الخبراء العسكريون والمشاركون في هذه العملية أن عنايةَ الله ولطفَه وتأييدَه كان السببَ الرئيسَ في حدوث النصر التاريخي، فاللهُ قد وعده عبادَه المؤمنين بالنصر والتمكين.
ويتحدث وكيل محافظة صنعاء، حميد عاصم، عن الدور الكبير الذي لعبه أبناء مديرية نهم في هذا النصر، موضحًا أن صمودهم وثباتهم كانت له نتائج عظيمة، حَيثُ ضحى أبناء تلك المديريات بمئات من الشهداء وضحوا بما يمتلكون من أموال ومزارع، وأن أبناء مديرية “نهم” رغم كُـلّ هذه الجراح صمدوا في قراهم ولم ينزحوا جراء القصف الذي كانوا يتعرضون له طيلة مدة الحرب.
لقد عانى أبناء مديرية نهم كَثيراً في ظل وجود قوات الأعداء والمرتزِقة خلال السنوات الماضية التي سبقت عملية “البنيان المرصوص”، حَيثُ تعرضت منازلهم للدمار والخراب، وقُتل العشرات من النساء والأطفال في قصف همجي بالطيران الأمريكي السعودي، وبالقصف المتوحش للمرتزِقة الصاروخي والمدفعي، ولم تسلم حتى المزارع من الخراب والتدمير والنهب؛ ولهذا انطلق أبناء مديرية نهم إلى الجبهات، مشاركين أبطال الجيش واللجان الشعبيّة حتى تحقّق النصر العظيم.
تحول نوعي للجيش واللجان الشعبيّة
وبحسب اعترافات القيادات العسكرية التابعة للمرتزِقة، فَـإنَّ ما حدث في جبهة نهم، كان خسارة فادحة، فقد فقدوا “جبال يام”، و”معسكر اللواء 312” وهو المعسكر الذي يمثّل أحد أهم المواقع في المديرية.
ويقول الخبير والمحلل العسكري مجيب شمسان: إن الانتصار في هذه العملية كان استراتيجياً وتحولاً نوعياً في سير المعارك، وخلالها تم تحرير أكثر من 2500 كيلو متر ومواجهة عشرين لواءً كانت تتمركز في جبهة نهم، لافتاً إلى أن أبطال الجيش واللجان الشعبيّة استطاعوا إدارة العمليات بمثل هذا المستوى من الاحترافية، وفي مسرح عمليات واسع جِـدًّا؛ ولهذا كانت العملية “انتقالاً نوعياً واستراتيجيا على كافة المستويات؛ باعتبَار أنها كانت تشكل تهديداً حقيقياً على صنعاء من قبل تحالف العدوان وَتتحَرّك دوماً مع تحَرّك جبهة الساحل الغربي التي كان يستغلها العدوّ من ضمن أهدافه الاستراتيجية، وذلك لتشتيت قوات صنعاء ما بين هاتين الجبهتين الاستراتيجيتين.
ويؤكّـد العقيد شمسان في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن أبطال الجيش واللجان الشعبيّة استغلوا هذه العملية وذلك بالانتقال من عمليات الهجوم والدفاع إلى عمليات الهجوم الكلي، بالإضافة إلى إفشال المخطّطات الاستراتيجية للعدوان وقواته التي كان تتمركز في مأرب والجوف وتعطيل أهم المخطّطات في عملية التقسيم للجغرافيا اليمينة.
ومن الأهميّة الاستراتيجية لهذه العملية أنها أسقطت أهم أهداف العدوّ والمتمثل في السيطرة على صنعاء، وانتقل أبطال الجيش واللجان الشعبيّة إلى السيطرة على محافظتي الجوف ومأرب الغنيتين بالثروات النفطية والغازية، كما كان له دور في نقل المعركة إلى مركز الثقل وموقع تمركز قوات العدوان بمأرب، والتي كان المرتزِقة ينطلقون منها إلى كافة الجبهات ويشكلون تهديداً حقيقيًّا على صنعاء وبقية المحافظات.
ويسوق العقيد شمسان عدداً من الدروس التي يمكن الاستفادة منها في هذه العملية، ففيها كانت التنسيق على أعلى مستوى بين مختلف الوحدات العسكرية، ودخلت عناصر جديدة في المواجهة، سواء ما يتعلق منها في الدفاع الجوي وسلاح الجو المسير.
معركة فريدة من نوعها
ويرى الكاتب والمحلل السياسي صقر أبو حسن، أن عملية “البنيان المرصوص” أظهرت للعالم أجمع مدى قدرة المقاتل اليمني، وعزيمته على تحقيق الانتصار وهزيمة الغزاة والمرتزِقة، وقد أثبت اليمنيون من جديد أن اليمن مقبرة للغزاة.
ويقول أبو حسن في تصريح خاص “للمسيرة”: إن عملية البنيان المرصوص كانت واحدة من أهم العمليات العسكرية اليمنية منذ بداية العدوان على اليمن، وأوضحت للعالم القدرات التي يمتلكها المقاتل اليمني، وَمدى عجز الآليات العسكرية ذات الأثر التدميري الكبير في إحداث هزيمة للمقاتل اليمني الذي يحمل البندقية، منوِّهًا إلى أنها ليست معركة أسلحة وإنما هي معركة مبادئ وقيم يتسلح بها المقاتل ليخوض غمار الحرب ويخرج منها منتصراً أَو شهيداً.
ويؤكّـد أبو صقر أن هذه العملية ستكون درساً مهماً في العلوم العسكرية والتخطيط القتالي للجيوش الحديثة، لتكون تجربة عسكرية استثنائية في زمن استثنائي، بعد أن نقلت هذه العملية وغيرها من العمليات الموجعة لقوى العدوان، الجيش اليمني إلى مرحلة كسب الرهان في الميدان وتحقيق انتصارات على الأرض.
ويبين أبو حسن أن مناطق نهم وما جاورها على مدى سنوات قبل عملية البنيان المرصوص كانت في قبضة المرتزِقة، لكن تحريرها ساهم كَثيراً في تحرير محافظة الجوف وساهم كَثيراً في كشف قوة المقاتل اليمني الذي تسلح بالإيمان والمبادئ، وهشاشة التمركز العسكري للعدوان في تلك المناطق؛ لذا فالدروس التي يمكن الاستفادة منها أن هذه العملية رمت بطموحات قوى العدوان في دخول صنعاء إلى قعر الجحيم وسنوات من التكتيك والقتال العسكري في تلك المناطق انتهت في غضون أَيَّـام وبات زمام المبادرة الآن بيد الجيش اليمني.