على مدار الأربع سنوات الماضية، أنفقت حكومة المملكة المتحدة حوالي 2.4 مليون جنيه إسترليني، بصورة سرية، لدعم الجيش السعودي وتعزيز قدرته العسكرية بالرغم من اتهام الدولة الخليجية في تلك الفترة بقصف وقتل المدنيين اليمنيين بشكل عشوائي.

صفقة أسلحة للعدوان على اليمن

الأرقام – التي تم الحصول عليها من خلال استجوابات برلمانية – هي المرة الأولى التي تفصح فيها المملكة المتحدة عن المبلغ الذي تم إنفاقه على المملكة الخليجية عبر الصندوق السري، حيث كشف جيمس هيبي، وزير الدفاع، في ديسمبر/كانون الأول رداً على استفسار من البرلمان البريطاني “أن الأموال المعنية بلغت 2.4 مليون جنيه إسترليني منذ عام 2016، بما في ذلك 550 ألف جنيه إسترليني في 2019-2020”.

من الجدير بالذكر أنه قبل ذلك بشهرين كان جيمس كليفرلي، وزير الخارجية، قد أعلن أن المملكة المتحدة مولت قوات بريطانيا لمساعدة المملكة العربية السعودية على “حماية أمنها القومي” و “دعم امتثال الجيش السعودي للقانون الإنساني الدولي”. كما قال متحدث باسم وزارة الدفاع بأن “علاقتنا الدفاعية مع المملكة العربية السعودية تشمل تنظيم دورات تدريبية وتقديم نصائح وإرشادات عسكرية”.

لم تقتنع مجموعة الحملة، التي ساعدت في الكشف عن هذه الأرقام، بالتبريرات الحكومية، بل قالت إن “إعلان المملكة المتحدة عن هذه المبالغ يؤكد تورطها في أسوأ أزمة إنسانية في العالم حيث قتل الآلاف من المدنيين منذ بدء العدوان على اليمن في مارس/آذار 2015، بسبب القصف العشوائي من قبل التحالف بقيادة السعودية، والذي تم تسليحه من قبل صناع الأسلحة الغربيون”.

ووفقاً لمشروع بيانات اليمن، فإن القوات الجوية السعودية مسؤولة عن سقوط آلاف القتلى من المدنيين، والذين يقدر عددهم بنحو 8750 بسبب الضربات الجوية العشوائية، والتي لم تتوقف بسبب جائحة كورونا رغم أن معدلها انخفض قليلاً. أما منسقة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، ليز غراندي، أكدت بحسب الإحصاءات التي أجرتها الهيئة بأنه في يوليو/تموز 2020 قُتل ما لا يقل عن سبعة أطفال وامرأتين في غارة جوية يشتبه في أن التحالف بقيادة السعودية في شمال غرب اليمن.

من جانبه، اعتبر سيد أحمد الوداعي، مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (بيرد)، المشارك في الحملة المُشار إليها، أن حكومة المملكة المتحدة استغلت صلاحياتها واستحوذت على أموال دافعي الضرائب لتعزيز القدرة العسكرية السعودية ومساعدتها في ارتكاب جرائم وحشية في اليمن.

إسترليني

خلال تلك الفترة، كانت علاقة القوات الجوية البريطانية السعودية غير واضحة، لهذا فإن الإعلان عن تسليح الحكومة للسعودية ودعمها الجيش السعودي كان صادماً للبعض، ففي الوقت الذي كان يقوم فيه وزراء بريطانيون بسؤال نظرائهم السعوديين عن الجرائم التي ترتكب في اليمن واستنكارها، كان هناك وزراء آخرون يقومون بالتوقيع على صفقات بيع أسلحة للرياض، بما في ذلك بوريس جونسون، عندما كان وزيراً للخارجية، حيث وافق جونسون على بيع صواريخ بيفواي الموجهة في أغسطس/آب 2016، بعد أيام قليلة من غارة جوية على مصنع للبطاطس في البلاد أسفرت عن مقتل 14 مدنيا.

وفي عام 2019، أوقفت محكمة الاستئناف مبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية، بحجة أن الوزراء لم يجروا تقييماً صحيحاً للمخاطر المتعلقة بسقوط ضحايا مدنيين جراء القصف الناتج عن الأسلحة البريطانية، لكن في الصيف الماضي، استأنفت ليز تروس، وزيرة التجارة، بيع الأسلحة بعد أن خلصت إلى أنه لم يكن هناك سوى “حوادث متفرقة” يمكن اعتبارها انتهاكات للقانون الدولي الإنساني.

تأتي الأموال لدعم الجيش السعودي بشكل أساسي من خلال صندوق النشاط المتكامل السري، الذي أعيدت تسميته الآن ليصبح “صندوق الخليج الاستراتيجي”، وهو حافظة مالية تنفق منه المملكة المتحدة على مساعدات واستشارات عسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي الستة، وكان ميزانيتها تبلغ 20 مليون جنيه إسترليني قبل أن تنخفض إلى 8.4 مليون إسترليني بسبب أزمة جائحة فيروس كورونا.

الجدير بالذكر أن أموال هذا الصندوق كانت تنفق بصورة سرية، حيث كان الوزراء البريطانيون يرفضون -حتى وقت قريب الكشف عن كيفية إنفاق هذه الأموال، متذرعين بأنها معلومات تمس الأمن القومي، بالرغم من اتهامات بأنها قد تكون مرتبطة بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

ولكن وخلال العام الماضي ظهرت علامات على مزيد من الشفافية بهذا الشأن، إذ قال وزير خارجية بريطانيا – كليفرلي- إن المملكة المتحدة واثقة من أن لها تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا على حقوق الإنسان في المنطقة، بسبب نشاط صندوق الخليج الاستراتيجي، ووعد بتعزيز إدارتها وبأنه سيتم نشر ملخص لعمل الصندوق. وتتمتع المملكة المتحدة منذ فترة طويلة بعلاقة عسكرية واستراتيجية وثيقة مع المملكة العربية السعودية، حيث توفر الأسلحة عبر BAE Systems ، حيث تحقق مبيعات بقيمة 2.5 مليار جنيه إسترليني إلى 3 مليارات جنيه إسترليني سنويًا للشركة البريطانية.

كما تقدم المملكة المتحدة خدمات عسكرية مباشرة للسعودية، وسبق وتم الكشف عن وجود 17 خبيراً عسكرياً بريطانياً لدى جيش المملكة، من بينهم ثلاثة في مركز العمليات الجوية. في تعليقه على ذلك، قال البرلماني، مارتين داي، إن المملكة المتحدة “لا تكتفي بمجرد الاستفادة ماديا من بيع الأسلحة إلى السعودية التي تشن حربا وحشية على اليمن”، مضيفا: “لقد صدمت عندما اكتشفت أن الحكومة البريطانية قد حولت سرا ملايين الجنيهات لتدريب القوات المسلحة السعودية”.