جسدت الذكرى السنوية للشهيد أعظم مواقف الصمود والثبات، باستذكار تضحيات الشهداء الذين سطروا الملاحم البطولية في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي منذ ما يقارب ست سنوات قتل وجرح خلالها عشرات الآلاف من المدنيين بينهم أطفال ونساء.
وأحيا اليمنيون سنوية الشهيد، تعبيراً عن مدى تعظيمهم للشهداء وعرفاناً بتضحياتهم وعطائهم وتجديداً للعهد بالمضي على دربهم في معركة الدفاع عن الوطن وحماية أراضيه وسيادته واستقلاله ومقدراته.
وتأتي ذكرى سنوية الشهيد للتذكير بمكانة الشهداء وعظمة تضحياتهم، والتعريف بدور المرأة اليمنية وعطائها ووفائها وصبرها وصمودها ونهجها الإيماني وثبات موقفها ووقوفها إلى جانب أخيها الرجل في وجه العدوان وإفشال مخططاته التي تستهدف اليمن أرضاً وإنساناً.
وحلّت ذكرى سنوية الشهيد 1442 هجرية، في ظل استمرار العدوان وتداعياته الكارثية التي أوجدها تحالف العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي الصهيوني، لتتعاظم مسئولية أبناء اليمن في استمرار الصمود والثبات ورفد الجبهات لمواجهة قوى الاستكبار والطغيان.
وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) وثقّت جانباً من مواقف المرأة اليمنية التي ضربت أروع صور الصمود والتماسك حين استقبلت جثامين الشهداء الذين رووا بدمائهم تربة الوطن في جبهات العزة الكرامة، متحملة آلام الحزن والفراق للأهل والأحبة بقوة وثبات.
صمود أسطوري
أم عدنان التي قدّمت صورة ناصعة في الصمود، حينما استقبلت بالزغاريد جثمان ولدها الثاني أيمن الذي استشهد في جبهة مأرب بعد خمسة أشهر من استشهاد شقيقه عدنان في الجبهة ذاتها، لتضرب بذلك أروع الأمثلة في الصبر والثبات والحمد والشكر لله تعالى الذي اصطفى من هذه الأسرة شهيدين دفاعاً عن الوطن وأمنه واستقراره.
والدة الشهيدين خالد في جبهة تعز ومحمد بجبهة صرواح مأرب، أكدت على عظمة الشهادة ومكانة الشهداء عند الله تعالى الذين نالوا شرف الشهادة واختارهم الله تعالى إلى جواره. واعتبرت تضحية الشهداء وبذل أرواحهم لله والوطن شرفاً في الدنيا وفوزاً عظيماً في الآخرة .. داعية إلى استمرار رفد الجبهات في مواجهة العدوان.
فيما عبرت أم جلال عن فخرها واعتزازها بتقديم شهيد وهب نفسه فداء للوطن .. وقالت ” إن الشهداء أحياء عند الله يرزقون في أعلى درجات الجنان، كونهم قتلوا في سبيل الله، ودفاعاً عن الأرض والعرض والسيادة الوطنية”.
الشهيد الخالد والنصر المنتظر
تجلّت عظمة المرأة اليمنية بقوة إيمانها وتمسكها بالخالق تبارك وتعالى والذي من خلاله ترسّخ مفهوم وثقافة الجهاد والاستشهاد في نفوس الأجيال لمواجهة تحديات المرحلة الراهنة والمخاطر التي تٌحدق بالأمة. وحرصت أم حسن على تسمية مولودها البكر باسم والده تخليداً لذكرى زوجها الذي استشهد في الجوف قبل أسبوعين من قدومه لتوّثق شجاعة زوجها وتربي ولدها تربية جهادية تعزّز في نفسه أسس التضحية والفداء وبذل النفس لله وللوطن.
فيما التزمت زوجة الشهيد عبد الرحمن بوعدها لزوجها الذي استشهد في جبهة مأرب بتسمية مولودها الجديد “نصر” إيماناً بأن تضحيات زوجها والمرابطين في الجبهات، سيتحقق النصر المنتظر وتحرير تراب الوطن من دنس الغزاة والمحتلين.
أفراح مصبوغة بالدم
واصلت المرأة اليمنية ملحمة الصمود والثبات، وهي مثخنة بالجراح والدموع على فراق أحبائها وأهلها جراء العدوان الذي لم يراع حرمة الدماء وإمعانه في استهداف المدنيين والأحياء السكنية، وبالغ في فجوره وانتقامه بقصف التجمعات وصالات الأعراس بالغارات التي خلفت المئات من النساء والأطفال الذين تحوّلت أفراحهم إلى نحيب وعويل؛ اختزلت في ذاكرتهم مشاهد محزنة لبقايا جثث وأشلاء مصبوغة بالدم.
مجزرة عرس سنبان في عنس بذمار إحدى المجازر المروعة لتحالف العدوان التي ارتكبها في أكتوبر 2015 وراح ضحيتها 113 شهيداً وجريحاً جلّهم نساء وأطفال، ومجزرة الزفاف في منطقة غافرة بمديرية الظاهر بصعدة 2018، والتي خلفت ٢٢ شهيداً وجريحاً أغلبهم نساء وأطفال، تركت هذه المجازر البشعة جرحاً عميقاً لن يندمل.
وبالنظر إلى مجازر العدوان في الأفراح والمناسبات، لن تكفي سطور لسردها واستذكارها، لكن أبرزها مجزرة تحالف العدوان السعودي الأمريكي في يوليو 2020م بقصف حفل زفاف بمنزل مواطن من منطقة المساعفة بمديرية الحزم في محافظة الجوف، راح ضحيتها 31 شهيداً وجريحاً معظمهم نساء وأطفال، كما استهدف في أكتوبر من العام ذاته مواطنين بمنطقة المعاطرة في مديرية خب والشعف بالجوف كانوا على متن أربع سيارات في زيارة معايدة، ما أدى إلى استشهاد 20 من الأطفال والنساء وجرح سبعة آخرين.
وافتتح تحالف العدوان السعودي الأمريكي ومرتزقته العام 2021 بمجزرة بشعة باستهداف المرتزقة صالة أفراح بمديرية الحوك محافظة الحديدة خلف أكثر من عشرة شهداء وجرحى من المواطنين المنتظرين أمام بوابة الصالة لخروج عائلاتهم من حفل الزفاف.
فقد واشتياق للشهداء
تفوقّت المرأة اليمنية بعزيمتها وقوتها في تحمل مشاعر الفقد والاشتياق لمن اغتالتهم طائرات العدوان في الصالة الكبرى يوم السبت الثامن من أكتوبر 2016م، أثناء تقديم العزاء لآل الرويشان في تجرد كامل عن القيم الدينية والأخلاق الإنسانية والأعراف البشرية التي تراعي حرمة الموت والموتى.
تحملت أم هاشم المحبشي فراق ولدها الذي كان من بين ضحايا مجزرة الصالة الكبرى التي راح ضحيتها أكثر من 700 شهيد وجريح، معزية نفسها بأن ابنها الذي علمها غيابه معنى الصبر والثبات حيّ في أعلى مراتب الجنان. وحرصت أم الشهيد كل يوم على تنظيف مقتنيات الشهداء المبعثرة في غرفته، لتسترجع ذكريات ماضي الشهيد ولحظاته، تاركة غرفته كما غادرها أبنها لتكون شاهد حي على وحشية وقسوة العدوان الذي حرق الحجر والشجر وأمعن في تدمير نفوس وأحلام اليمنيين.
ومن هنا ستبقى المرأة اليمنية أيقونة العزة والثبات، تختلف عن غيرها من نساء العالم باعتزازها بهويتها الإيمانية ومواجهتها لقوى العدوان، كونها لم تصمد فحسب، لكنها ضحّت بزوجها وأبنها وأخيها ورفدت الجبهات بقوافل العطاء، وأذهلت العالم بقوة إرادتها وثباتها وشجاعتها وتضحياتها واستشعارها للمسئولية لما يقارب ستة أعوام من العدوان والحصار.
تقرير: سميرة قاضي