أزمة متراكمة اثر فوضى حملها دخول 2021م، تتسبب بضرب الولايات المتحدة الأمريكية، فاجتماع لمصادقة فوز الإنتخابات الرئاسية يقاطعه اقتحام للكونغرس، ويتسبب باستقالات كبار مسؤولي البيت الأبيض، يتبعه تهديدات بقرار عزل ترامب عن السياسة، ويقابله تهديدات ترامب بنشر قوات مسلحة من مناصريه إذا ما مضى مجلس الشيوخ في إجراءات عزله، وشوهد مسلحون يجوبون شوارع العاصمة الامريكية واشنطن التي تشهد توترا غير مسبوق في تاريخ أمريكا.
ببداية العام 2021، يعقد الكونغرس الأمريكي جلسة للمصادقة على فوز الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية في انتظار تسلمه السلطة من الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، الذي يظل متمسكا برفضه لنتائج الانتخابات.
حيث قرر المشرعون الأمريكيون الأربعاء الماضي التصديق على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، باجتماع للمصادقة على ذلك، وكان حقق الديمقراطيون تقدما مهما في مجلس الشيوخ عقب النتائج التي أعلنت اليوم في جورجيا.
ترامب لن نقبل بالهزيمة ويدعوا انصاره للزحف نحو الكنغرس
وامام جمع من انصاره احتشدوا امام البيت الابيض، اكد الرئيس الامريكي دونالد ترامب انه لن يقبل بالهزيمة وان الديمقراطيون نجحوا لسنوات طويلة في تزوير الانتخابات. وطالب ترامب نائب الرئيس باستخدام صلاحياته لحماية البلاد واعادة فرز الاصوات. معتبرا ان ما حصل هو أكبر سرقة للأصوات في تاريخ الولايات المتحدة.
وقال ترامب ان بعض الجمهوريين تآمروا مع الديمقراطيين لخذلان امريكا. مشيرا الى ان لا احد يصدق بان بايدن حصل على نحو ثمانين مليون صوت. واضاف انه يريد من الكونغرس أن يقوم بالعمل الصائب لاثبات الاصوات الصحيحة.
اقتحام الكونغرس
اقتحم انصار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب مبنى الكونغرس، أثناء عقد جلسته للمصادقة على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن وتنصيبه رئيسا للولايات الأمريكية. وخلال اقتحام شرفات الكونغرس الأمريكي اعتدى انصار ترامب على الشرطة التي بدأت بتفريقهم من على شرفات الكونغرس بغية تأمينه من الإقتحام، والذي نتج عنه إصابات للعديد من أفراد الشرطة.
وتجاوز المتظاهرين إقتحامهم لمبنى الكونغرس وتوغلوا الى الغرف بداخل المبنى، والى قاعات وغرف مجلس النوب.
استقالات متتالية في إدارة ترامب بعد اقتحام الكونغرس
وأثارت أحداث واشنطن سخطاً داخل إدارة ترامب، خصوصا بعد اقتحام الكونغرس فوفق ما أفادت وكالة “رويترز”، استقال مستشار الرئيس ترامب للشؤون الروسية ريان تولي من منصبه، فيما من المتوقع أن يحذو المزيد من الأعضاء البارزين في مجلس الأمن القومي حذو ريان تولي.
وأضاف مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، أن تعهد ترامب بتسليم سلس للسلطة للرئيس المنتخب جو بايدن في 20 من الشهر الجاري، كان يهدف إلى تجنب المزيد من الاستقالات، لكنه لن يمنع على الأرجح رحيل بعض المسؤولين.
مقتحمو الكونـغرس مُلاحقون
ومن المقرر أن تمثل أول مجموعة ممن اعتقلوا من بين أنصار ترامب، بسبب اقتحام مبنى الكونغرس أمام المحكمة، اليوم الخميس، لتوجيه اتهامات رسمية، بينما كثفت الشرطة عمليات البحث عن مطلوبين آخرين بسبب ارتكاب أعمال عنف.
وقال قائد إدارة شرطة العاصمة واشنطن روبرت كونتي في مؤتمر صحفي، إن 4 أشخاص لقوا حتفهم داخل الكونغرس واعتُقل 52 بعدما اقتحم أنصار ترامب المبنى، محاولين منع التصديق على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن.
وأضاف أن “47 من بين 52 اعتقلهم الأمن، كانوا على صلة بانتهاك حظر تجول فرضته رئيسة البلدية ميريال باوزر، وإن 26 من هؤلاء ألقي القبض عليهم في ساحة مبنى الكونغرس”.
وطلب مكتب التحقيقات الاتحادي من الجماهير، تقديم معلومات أو صور أو تسجيلات فيديو أو أي شيء يمكن أن يساعد في تحديد هوية من كانوا “يحرضون على العنف”.
قرار عزل ترامب
دعا زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الخميس الماضي، إلى عزل الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، من السلطة على الفور، في وقت وزّع فيه نواب حزبه مواد مساءلة ترامب “تمهيداً لإمكانية عزله من السلطة”، فيما دعت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى إقصاء رئيس الولايات المتحدة الحالي، دونالد ترامب، من السلطة، واصفة إياه بـ”الشخصية شديدة الخطر”.
وقبل أيام وجّهت بيلوسي رسالة إلى النواب الديموقراطيين دعتهم إلى اتخاذ قرار عزل ترامب، وأعلنت المضي في تمرير قرار يدعو نائب الرئيس مايك بنس إلى تفعيل المادة الخامسة والعشرين لعزل الرئيس. لقد شرعت عملياً بإجراءات العزل داخل الكونغرس قبل أقل من عشرة أيام من نهاية ولايته، وبذلك، لا يستند الديموقراطيون إلى إمكانية تجريم ترامب وأنصاره فحسب، بل إلى إمكانية إدانتهم بتهمة الإرهاب أيضاً.
النائب الديموقراطيّ جيسون كرو قال إن وزير الدفاع مكارثي أبلغه بأن البنتاغون كان على دراية بمزيد من التهديدات المحتملة التي يشكلها «الإرهابيون» في الأيام التي تسبق تنصيب الرئيس المنتخب، حيث تم العثور على بندقيات وقنابل حارقة وعبوات ناسفة.
فوضى داخلية
وتتسع رقعة الانقسامات في أمريكا كما تعاني ازمه صحية جراء انتشار وباء كورونا وتضرب الأزمة الاقتصادية مؤسسات المال والأعمال إثر الجائحة، كما تشهد أمريكا انقساما حادا وتوترا عرقيا، بالتزامن تجري التحضيرات لانتقال السلطة في وقت يسعى الديمقراطيون لعزل ترامب ولو قبل أيام من انتهاء ولايته، لاتهامه بالوقوف خل «حركة التمرد» و”محاولة الانقلاب» الأسبوع الماضي.
واستباقاً لجلسة اليوم الأربعاء التي من المقرر عقدها لمناقشة عزل ترامب، التقى أمس ترامب ونائبه مايك بنس في البيت الأبيض، ما يعكس نيتهما في تشكيل جبهة موحدة في مواجهة الديمقراطيين الذين يطالبون برحيل ترامب فوراً.
ووفقاً للتحليلات فإن هذا عمليا يعني أن ترامب لا يعتزم الاستقالة قبل انتهاء ولايته، موعد تنصيب بايدن، كما يعني أيضا أن بنس لا يعتزم من جهته تنحية الرئيس بموجب التعديل الـ25 للدستور الذي يجيز لنائب الرئيس بالاتفاق مع أغلبية أعضاء الحكومة تنحية الرئيس إذا ما ارتأوا أنّه «غير أهل لتحمل أعباء منصبه»، ويبقى ترامب مهددا بعقوبة قد تطبع مستقبله السياسي وتدخل تاريخ الولايات المتحدة، فقد يصبح أول رئيس أمريكي يواجه مرتين نص اتهام في الكونغرس ضمن إجراء عزل.
وسينظر الكونغرس في نص الاتهام اليوم الأربعاء على أن يجري تصويتا في اليوم نفسه، وسط توقعات أن يتم تبني النص بسهولة إذ يدعمه عدد كبير من الديمقراطيين في مجلس النواب، ما يعني فتح إجراء عزل ثان بحقه، وهنا ثمة شكوك تحيط بمسار ونتيجة المحاكمة التي يفترض أن تجري لاحقا في مجلس الشيوخ والذي يعد حاليا غالبية جمهورية، وسيتولى الديمقراطيون السيطرة عليه في 20 الجاري لكنهم سيكونون بحاجة لجمع أصوات العديد من الجمهوريين من أجل بلوغ غالبية الثلثين المطلوبة لإدانة ترامب.
ويتوقع مراقبون اندلاع أعمال عنف ضخمة وفوضى عارمة وقتلى وضحايا في واشنطن، بالتزامن مع جلسة اليوم، وإن مرت فلن يمر يوم تنصيب بايدن بسلام في 20 الشهر الجاري، المشهد الذي يرسم صورته هذه الأيام السياسيون الأميركيون وقبيل أسبوع فاصل على حفل التنصيب، على خلفية مشهد اقتحام مبنى الكابيتول من قبل ترامب، باعتبار أن ما جرى يؤسس لتلك الأعمال بشكل جنوني وأكثر اتساعاً ليشمل كل الساحة الأمريكية، وزاد منها تمسك ترامب بتهوره وعدم الإقرار بهزيمته حتى الآن، ولتكون محاولة عزله الثانية ضربة قوية يستثمرها الديمقراطيون على أمل أن تصيب هدفها.
على المستوى العالمي
تسقط رهانات دول وكيانات وأنظمة وممالك راهنت على ترامب باعتباره قدراً محتوماً، وأنه لن يرحل عن الحكم في يومٍ من الأيام ، وتندب حظها اليوم وهي تشاهد التهاوي في أمريكا والمحك الذي باتت عليه، فأمريكا التي سوقت نفسها على أنها القدر المحتوم اهتزت صورتها وسقطت أرضا بحدث اقتحام الكابيتول.
ورغم أنّ الديموقراطية الأمريكية ما تزال تحاول امتصاص ما حدث والظهور بمظهر المنظومة العميقة المتينة والمستندة إلى إرث طويل متجذر من الأصول السياسية والدستورية والأعراف والبروتوكولات، لكنها اهتزت وباتت على شفا جرف هار يتوقع سقوطها في أي لحظة، ورغم أن رحيل ترامب يحمل معنى إيجابياً بالنسبة إلى الديموقراطيين وإلى عموم معارضيه بين الأميركيين، فإنَّ الخسائر المتوقع أن تتكبّدها أميركا من فترة حكمه على المستوى الدولي ستستمر بالتبلور لوقت طويل على الأرجح.
ويوم أمس توالت التحذيرات من حلقات العنف المسلحة والفوضى هذه أتت مع إعلان وزير الأمن الداخلي بالوكالة تشاد وولف أمس الأول استقالته في خطوة مفاجئة، فيما عين مدير الوكالة الفيدرالية للأوضاع الطارئة بيت غاينور ليحل محله، في خطوة اعتبرت أنها لم تضع حدا للتساؤلات بشأن أمن العاصمة الفيدرالية خلال الأسبوع المقبل، في وقت يكثف المسؤولون المحليون وقوات الأمن الجهود لمنع وقوع أعمال عنف جديدة.
مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) كان قد حذر في وثيقة داخلية بأن أنصارا لترامب يخططون للقيام بتظاهرات مسلحة في الولايات الخمسين خلال الفترة الممتدة من نهاية الأسبوع إلى موعد أداء بايدن اليمين الدستورية، وفق ما كشفت وسائل إعلام، ووسط هذا الخوف من فوضى انتشار السلاح الذي أباحه ترامب في ولايته، أعلن البيت الأبيض في بيان أنه تم إعلان حالة طوارئ في واشنطن نتيجة للظروف الطارئة الناتجة عن مراسم تنصيب الرئيس الـ 46 من 11 الشهر الجاري إلى 24 منه 2021م».
وبينما يواصل المسؤولون الفيدراليون والمحليون تبادل الاتهامات بشأن مسؤولية الأحداث التي شهدتها واشنطن الأربعاء الماضي، أعلن البنتاغون أنه سمح بنشر 15 ألف عنصر من الحرس الوطني خلال مراسم تنصيب بايدن، وأن هذه القوات ستجهز بمعدات وأسلحة مكافحة الشغب، غير أنه لم يسمح لها حتى الآن بحمل أسلحة في شوارع العاصمة الفيدرالية.
ومع هذا المشهد الأمني غير المستقر والمتخلخل فإن التحضيرات للمراسم تجري بوتيرة سريعة، ولاسيما مع إقامة سياج أمني حول محيط مبنى الكونغرس حيث سيؤدي بايدن اليمين الدستورية خلفا لترامب، فيما قالت لجنة تنظيم حفل أداء اليمين: إن «أمريكا الموحدة» سيكون شعار حفل تنصيب الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة.
وأمام هذه المخاطر الأمنية دعت رئيسة بلدية واشنطن موريال باوزر أنصار بايدن إلى تفادي القدوم إلى العاصمة يوم تنصيبه، بل المشاركة عبر الإنترنت».