استقبل كثير من المستأجرين العام الجديد بعبء إضافي اسمه جشع المؤجرين الذي عجزت حكومة «الإنقاذ» عن شطبه من على كاهل المستأجرين..
فمع بداية السنة الجديدة 2021م، انتشرت حمى رفع الإيجارات لدى غالبية مُلاك العقارات وفي مختلف أحياء العاصمة صنعاء، وبدا الأمر كما لو أن هناك اتفاقاً جماعياً بينهم لرفع إيجارات عقاراتهم، ليس فقط للتضييق على المستأجرين، وإنما للرد على كل القرارات والقوانين والمبادرات الخاصة بحماية المستأجرين وعدم رفع أسعار الإيجارات عليهم.
«كريسماس» المؤجرين!
تتزايد شكاوى المستأجرين من ابتزازات مُلاك العقارات ومضاعفة أسعار الإيجارات عليهم شهرا بعد آخر.
وآخر ابتزازات المؤجرين وليس أخيرها تزامن مع احتفالات رأس السنة «الكريسماس» وتدشين سنة جديدة، حيث احتفل بها كثير من المؤجرين على طريقتهم الخاصة، وذلك بفرض مبالغ إضافية على أسعار إيجارات الشقق أو المنازل أو مطالبة المستأجر بالإخلاء الفوري للعقار المؤجر.
جعجعة بلا طحين
كثيرة هي القوانين والمبادرات والتوجيهات، سواء الصادرة عن المجلس السياسي الأعلى أو رئاسة الوزراء أو أمانة العاصمة، أو التي تمت مناقشتها في مجلس النواب، وتلك الصادرة عن جمعية حماية المستأجر، ومع ذلك لم يظهر حل واحد للمشكلة التي وصلت أعداد من يعانون منها وينتظرون الحلول لها إلى الآلاف.
ما يجعل كل تلك القرارات والمبادرات والتوجيهات مجرد ضجيج لم يثمر سوى عن جعجعة لم تحم المستأجرين من ابتزاز المؤجرين، بل منحت هؤلاء الأخيرين الحرية في تحديد الرقم الذي يريدونه، والسؤال الذي يطرحه الكثيرون هنا، هو: بعد أن فشلت الحكومة في إيقاف أسعار الإيجارات عند حدها، وبعد أن يئسنا من جديتها في حمايتنا من جبروت وتسلط وابتزاز المؤجر لنا، فهل نحن معشر المستأجرين بحاجة إلى مبادرات نستعطف بها مُلاك البيوت لاتخاذ موقف إنساني تجاهنا؟!
«زريبة» بـ60 ألف ريال
أحد المواطنين، يقول: «إن أزمة الإيجارات وارتفاعاتها تتفاقم يوما بعد آخر، في ظل تجاهل الجهات المسؤولة لهذه المشكلة المجتمعية الخطيرة، وغيابها التام في طرح أي حلول لها».
ويؤكد أنه اضطر لحشر أفراد أسرته البالغ عدهم 9 أشخاص، في بيت صغير شعبي مكون من ثلاث غرف ضيقة جداً، أشبه بزريبة.
ويضيف: «البيت الذي كنت أسكن فيه تم بيعه، والمالك الجديد أعطاني مهلة 5 أشهر لإخلاء المنزل بحجة أنه سيهدمه وسيعيد بناءه من جديد، وخلال المهلة كنت أبحث عن شقة للسكن، والمشكلة أن الموظف البسيط الذي يعتمد على مصدر دخل واحد، لا يستطيع أن يستأجر شقة جيدة صالحة للسكن، إلا في حال كان لديه أكثر من وظيفة، كون الإيجارات مرتفعة جداً».
ويوضح أن إيجار الشقة يصل إلى 80 ألف ريال، في حين متوسط إيجار شقة صغيرة مكونة من غرفتين ومطبخ وحمام لا يقل عن 35 ألف ريال، ولكنها لا تتسع لمن يبلغ أفراد أسرته 9 أشخاص، وبعد جهد جهيد حصل هذا المواطن على شقة (شعبي) بـ60 ألف ريال، غرفها ضيقة جداً أشبه بأقفاص، مشيراً إلى أن معظم دخله بالكاد يكفي لإيجار الشقة التي يسكنها.
ابتزاز مستمر
إيهاب القحطاني اضطر هو الآخر للبحث عن شقة تتناسب مع دخله، كونه عاملاً في مجال النجارة بالأجر اليومي، وقد استأجر شقة بـ30 ألف ريال مكونة من غرفتين ضيقتين لدرجة أنهما ضاقت بممتلكاته وأثاثه وأدواته المنزلية، إذ أنه لم يستطع إدخال التنور إلى الشقة لضيق المدخل وكذا الدرج مما اضطره لتركه عند أحد أقاربه.
ويقول: «الدرج ضيق جداً وسلالم الدرج بمساحة بلاطة واحدة، وفي البداية كنت أجد صعوبة في إدخال أسطوانة الغاز إلى الشقة أو إخراجها منها عبر الدرج الضيق الذي تبلغ مساحة سلالمه 10 سم، فعند إدخالها أحملها على كتفي وبشكل طولي، ولا أستطيع أن أنقلها إلى الكتف الأخرى لضيق مساحة الدرج، أما حين تكون الأسطوانة فارغة فإني أنزلها من الدرج بطريقة احترافية، إذ أرفعها بكلتي يدي كما لو أني أرفع كأس العالم».
وتبقى المشكلة الكبرى التي يعاني منها إيهاب مع هذه الشقة هي ابتزاز المؤجر له ومضاعفة الإيجار عليه بشكل مستمر. ويؤكد أن صاحب البيت طالبه أن يدفع 5000 ريال زيادة فوق الإيجار ابتداء من هذا الشهر (يناير 2021)، أي مع بداية العام، أو الخروج من الشقة.
ويضيف: «رضخت لطلبه مكرها من أجل الاحتفاظ بالشقة، فلو قررت الخروج منها فمن الصعب الحصول على البديل، فأسعار الشقق نار وسيطلب مني ضمانات وإيجار شهرين أو 3 أشهر مقدماً، ولو قررت الذهاب إلى المحكمة فهذا معناه أنني سأدخل في خصومة مع صاحب البيت الذي سيبذل كل جهده لإخراجي من المنزل، خصوصاً وأن المؤجر هو من يكسب القضية دائما في المحاكم».
ليسوا كلهم جشعين
يؤكد الحاج محمد المطري (مؤجر) أنه قام برفع مبلغ بسيط على المستأجرين عنده، بالتزامن مع السنة الجديدة، وذلك لمواجهة متطلبات المعيشة، وليس من باب الجشع، حسب تعبيره.
ويقول: «أنا لدى شقتان، كل واحدة منهما تتكون من غرفتين وحمام ومطبخ، وهما مصدر دخلي، وكان إيجار الشقة 25 ألف ريال، ومع بداية السنة الجديدة رفعت 5 آلاف ريال، بحيث أصبح الإيجار الحالي للشقة الواحدة مبلغ 30 ألف ريال».
ويضيف: «البعض يقول بأن المؤجرين جشعون، وأنهم بلا إنسانية وأنهم كذا… وكذا…، ولكن ليس كلهم ينطبق عليهم هذا القول، فمثلا أنا لو كان عندي 10 شقق أو مصدر دخل آخر سأكون بلا إنسانية لو رفعت الإيجارات، ويجب ألا نقارن بين المؤجر الذي لديه أكثر من عمارة سكنية أو عشرات الشقق ويرفع الإيجارات وبين من لديه شقة أو شقتان كمصدر دخله الوحيد».
مؤجر آخر يقول: «الإيجارات مثلها مثل جميع السلع والمواد الغذائية التي تشهد ارتفاعا في أسعارها، خفضوا الزبادي والدقيق ونحن مستعدون لكي نخفض الإيجارات».
تطبيق لتحديث المستأجر الجديد
أزمة السكن وارتفاع أسعار الإيجارات، تزامنت مع قدوم نازحي الحديدة إلى صنعاء التي استقبلهم فيها السماسرة ومُلاك العقارات كما لو أنهم سياح وليسوا نازحين، حيث ارتفعت أسعار الإيجارات بشكل كبير، ووصل إيجار بعض الشقق السكنية العادية إلى 80 ألف ريال، وسعيد الحظ من المؤجرين من كان لديه شقق شاغرة.
فيما أغلب المؤجرين كانت لديهم شقق مؤجرة بأقل من نصف هذا المبلغ، ولم يكن لديهم شقق شاغرة لتأجيرها على مستأجر جديد وبالسعر الجديد، ولم يكن أمامهم سوى طريقتين، إما تطفيش المستأجرين القدامى وابتزازهم في محاولة لإرغامهم على الخروج من الشقة التي سيضمنون تأجيرها بالسعر الجديد. فيما عمد عدد من مُلاك العقارات إلى تطبيق سياسة العصا والجزرة لاستدراج المستأجر إلى فخ السعر الجديد، وذلك برفع الإيجارات وبشكل تدريجي على المستأجر القديم والذي يتم ترقيته إلى مستأجر جديد وفق آخر تحديث لأسعار الشقق.
زيادة سنوية منتظمة
يقول محمد حميد: «الشقة التي كنت مستأجرها بـ30 ألف ريال ارتفع سعرها إلى الضعف، أي أصبح إيجارها 60 ألف ريال».
ويضيف: «منذ أن بدأت أزمة السكن وصاحب البيت في كل مرة يرفع الإيجار علي، حتى وصلت إلى 50 ألف ريال، ولكنه لم يكتف بذلك، فمع بداية هذا العام رفع السعر إلى 60 ألف ريال، ودفعني إلى التوقيع على عقد إيجار لمدة سنة واحدة، وهو ما يعني أنه سيرفع الإيجار مجددا في السنة القادمة، وإذا لم أقبل في العام المقبل، فسيطالبني بالخروج من المنزل، ولو ذهبت إلى المحكمة فلن ينصفني القضاء وسيخذلني، والعبرة ممن سبقوني إلى المحاكم».
التوجيهات غير كافية
يؤكد أحمد سعيد شماخ، خبير اقتصادي وعضو مجلس الشورى ورئيس مؤسسة الإعلام المالي والاقتصادي، أن هناك خللاً في القوانين والتشريعات في ما يخص العلاقة بين المستأجرين ومُلاك البيوت.
ويطالب شماخ الجهات الرسمية بإنشاء هيئة أو مؤسسة خاصة لتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وخصوصا في هذه المرحلة التي تتطلب إيجاد قانون لتنظيم هذه العلاقة كشرط أساسي، معتبرا أن التوجيهات غير كافية.
ويقول: «يمكن مثلا عمل نموذج موحد ويعمم على عقال الحارات والأمناء الشرعيين والمحاكم وأقسام الشرطة، ويتم التعارف عليه، وهذا يمكن أن يحد من المشاكل القائمة بين المؤجر والمستأجر».
ويضيف: «يفترض أن يكون هناك إعانة اجتماعية تعين المستأجرين وبالذات الذين هم بلا مرتبات، ودون أن نحمل المؤجرين وزر السياسات سواء الخاصة أو الفردية من قبل الأفراد أو المؤسسات وبعض الجهات، وإذا كان المستأجر ميسور الحال ويستلم راتباً لا يجب عليه أن يستغل صاحب البيت في الوقت نفسه، ويقول له هناك توجيهات أو تعليمات بكذا وكذا، فليس كل المؤجرين جشعين، وإنما البعض منهم، بل إن بعضهم يعاني مثل بقية الشعب، وليس لهم مصدر دخل سوى شقة أو شقتين أو بعض الدكاكين، لا يجب أن نحاصره في مصدر رزقه، وأي إنسانية ستجعله يشقي على الناس».
العقد يحكم الطرفين
ويستطرد شماخ: «صحيح أن لدينا حرية في السوق وكل شيء يخضع للعرض والطلب، ومع ذلك يفترض أن يكون هناك جوانب إنسانية وتراحم في ما بيننا، ولكن في الوقت نفسه لا أحد يجبرني على حقي ويقول مدري أيش وممنوع كذا، هذا بيني وبين الله، ويعود علي وعلى تربيتي الدينية والأخلاقية والإنسانية، والقانون يتدخل عندما يتجاوز المؤجر النظم والقوانين المعمول بها في البلاد، كأن يحاول طرد المستأجر إلى الشارع أو يفرض عليه حاجات لتطفيشه، والعقد هو الذي يحكم بين الطرفين».
لا رفع للإيجار إلا بأمر من المحكمة
يوضح الرائد أحمد جميل، مدير قسم شرطة مذبح بأمانة العاصمة، أنه ومع بداية العام الجديد تم استقبال عدد من الشكاوى من قبل مستأجرين بشأن قضايا رفع الإيجارات عليهم. مؤكداً أن أقسام الشرطة لديها توجيهات صارمة من وزارة الداخلية بالوقوف في صف المستأجرين في حالة تم رفع الإيجارات عليهم أو عند محاولة طردهم من مساكنهم، وكذا في حالة تعرضهم للابتزاز والتعسف من قبل أصحاب البيوت.
ويقول الرائد جميل: «بداية العام استقبلنا شكاوى عدد من المستأجرين بسبب رفع الإيجارات عليهم، ونحن بدرونا قمنا باستدعاء المؤجرين والضغط عليهم بعدم رفع الإيجارات، وإذا أراد أن يرفع فعليه أن يستخرج أمراً من المحكمة يجيز له رفع الإيجار على المستأجر، ونفس الشيء إذا أراد إخراج المستأجر من الشقة».
صلاحياتنا محدودة
ويشير إلى أن كثيراً من المستأجرين ممن تم رفع الإيجارات عليهم تقبلوها كأمر واقع دون اللجوء إلى أقسام الشرطة، «ولكن عندما يصل إلينا المستأجر يمكن أن نوقف المؤجر عند حده ونلزمه بعدم الرفع إلا بأمر من المحكمة باعتبارها أعلى سلطة».
ويضيف: «قضية الإيجارات من القضايا المدنية، وصلاحياتنا فيها محدودة ولا نستطيع التدخل فيها أكثر من اللازم إلا في حالة قيام صاحب البيت بقطع الماء أو الكهرباء أو أخذ الطاقة الشمسية أو نهب إحدى ممتلكات المستأجر عندها نستطيع أن نردعه».
ويدعو جميل مُلاك العقارات إلى تقدير ظروف المرحلة والأزمة التي يمر بها الوطن والمواطن بسبب العدوان، وأن يغلبوا الجانب الإنساني على المادي.
رأفة بالمؤجرين لا بالمستأجرين
كانت مصلحة الضرائب أصدرت في نوفمبر 2019 قراراً بتأجيل تحصيل ضرائب ريع العقارات السكنية والتركيز فقط على مطالبة أصحاب العقارات التجارية، دعماً لتنفيذ قرار منع أي زيادة في مبالغ إيجارات العقارات السكنية على المستأجرين.
كما أن القرار يأتي تنفيذاً لتوجيهات المجلس السياسي الأعلى، مطلع نوفمبر قبل الماضي، للجهات المعنية بشأن الإيجارات وارتفاعها قضت «بوضع آلية مناسبة تحفظ حق المؤجر والمستأجر وتمنع جشع بعض المؤجرين واستغلال نزوح المواطنين جراء العدوان».
القرار تم تعميمه على السلطات المحلية ومكاتبها في جغرافيا السيطرة الوطنية، والتي بدورها أصدرت تعميمات إلى سلطات المديريات ومشائخها وعقال الأحياء والحارات قضت «بعدم السماح لملاك العقارات السكنية برفع الإيجارات في هذه الفترة، ومنع تأجير العقارات بالدولار والالتزام بالعملة الوطنية»، ولايزال القرار ساريا حتى اليوم، لكنه لم يمنع ملاك العقارات من رفع الإيجارات على المستأجرين بصورة سنوية خصوصاً في بداية هذا العام 2021م.
ويرى مراقبون أن هذا القرار لم يخدم سوى المؤجرين فقط، لأنه يعفيهم من دفع الضريبة السنوية وفي الوقت نفسه لا يلزمهم بعدم رفع الإيجارات.
ويضيفون: «كان يفترض أن يتم ربط مسألة الإعفاء من الضريبة بعدم رفع الإيجارات، لكن ما صدر عن مصلحة الضرائب من قرار كان رأفة بالمؤجرين وليس بالمستأجرين». مطالبين الحكومة وأجهزتها المعنية بضرورة اتخاذ إجراءات رادعة ضد مُلاك العقارات لعدم التزامهم بالتوجيهات الخاصة بعدم رفع أسعار إيجارات العقارات السكنية.
تحقيق: مارش الحسـام – صحيفة “لا”