فصل جديد من فصول استهداف السيادة اليمنية، سيدشَّن من قِبَل تحالف السعودية والإمارات في خلال الفترة المقبلة.
فالمملكة التي مَنحت اليمن وديعةً بقيمة مليارَي دولار، مطلع عام 2018، تعتزم دعم حكومة الفارهادي، بثلاثة مليارات دولار لتأمين العملة الوطنية المنهارة في المحافظات الجنوبية والشرقية.
لكنّ دعم السعودية الذي تحدّث عنه رئيس الحكومة الجديد، معين عبد الملك، في لقاء جمعه إلى مسؤولي المصرف المركزي في عدن، لن يكون من دون مقابل، ولا سيّما أن الرياض التي احتلّت محافظة المهرة، قبل ثلاث سنوات، عقب إعلانها تقديم الوديعة المالية الأولى، تعتزم، هذه المرّة، تهيئة الظروف للبحريتَين الأميركية والبريطانية لإنشاء قواعد عسكرية جديدة لهما على سواحل بحر العرب.
وعلى رغم التفاؤل الكبير الذي أبداه عبد الملك مطلع الأسبوع الحالي إزاء تحسُّن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، وتأكيده حصول حكومته على وعود من قِبَل المملكة بدعم الاقتصاد، إلّا أنه أغفل الحديث عن مصير الإيرادات اليمنيّة التي يجري تناهبها على أيدي الجماعات الموالية للسعودية والإمارات في المحافظات الجنوبية والشرقية، بل اكتفى بتقديم الشكر لـ”دول دعم تحالف الشرعية”، كما سمّاها، لدى زيارته لـ”المركزي” في عدن، والذي فشل، من جهته، في وقف تدهور الريال اليمني أمام الدولار (720 ريالاً للدولار الواحد).
وعبد الملك الذي بنى علاقات واسعة مع السفارة السعودية في أعقاب مشاركته في مؤتمر الحوار الوطني الذي رعته الرياض ما بين عامَي 2012 و2014، أصبح، أخيراً، أحد أهمّ المقرّبين لهذه الأخيرة، خصوصاً بعد اشتغاله على تنفيذ أجندتها في المهرة، خلال العامين الماضيين.
وبعد رفض رئيس الحكومة السابق، أحمد عبيد بن دغر، أيّ تدخّل عسكري من دون التنسيق مع حكومته، واشتراطه انحصار التدخل العسكري لـ”التحالف” في معركة إعادة “الشرعية”، جرى احتجازه من قِبَل الإمارات أثناء زيارة قام بها لجزيرة سقطرى في أيار/ مايو 2018، فيما أدّى اعتراضه على دخول قوّات سعودية إلى المهرة، في العام ذاته، إلى إقالته من منصبة منتصف تشرين الأول/ أكتوبر من ذاك العام.
وجرت مكافأة عبد الملك، الذي كان وزيراً للأشغال في حكومة بن دغر، بتعيينه رئيساً للحكومة التي منحت السعودية الضوء الأخضر لتكريس نفوذها العسكري في المهرة تحت مبرّر مكافحة تهريب الأسلحة إلى صنعاء، والوجود، عبر قوات خفر سواحل، في سواحل نشطون في المحافظة الشرقيّة. كذلك، لم يبدِ أيّ اعتراض على تسليم القوّات السعودية في أرخبيل سقطرى الجزيرة للإمارات في مطلع أيار/ مايو الماضي.
استراتيجية الرشوة
وبدأت السعودية، التي ترى أن الحرب الاقتصادية أقلّ كلفة من تلك العسكرية، تغيّر استراتيجيتها، عبر استخدام المال أداة للحرب لتصعيد الجبهات العسكرية ضدّ قوات صنعاء، وتنفيذ أجندة استعمارية جديدة تتطلّب تحسين صورتها في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة هادي، بعدما تصاعدت المطالب الشعبية،
الشهر الماضي، في تعز ومأرب وحضرموت وعدن ولحج، برحيل دول العدوان التي تتّهمها بالوقوف وراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في اليمن، إلى جانب ارتفاع الأصوات المناهضة للوجود العسكري السعودي والإماراتي في المحافظات الجنوبية، وتحديداً في محافظتَي المهرة وسقطرى.
على هذه الخلفية، تفيد مصادر مقرّبة من حكومة المستقيل هادي بأن السعودية وعدت الحكومة الجديدة بوديعة مالية مشروطة بقيمة ثلاثة مليارات دولار، لوقف تدهور سعر صرف العملة في تلك المحافظات، فيما تطالب بإقالة مجلس إدارة المصرف المركزي في عدن، وبالكشف عن صفقات فساد طاولت عمليّة سحب الوديعة السابقة.
وعلى رغم قيام السعودية برفع الحظر المفروض على السحب من الوديعة المالية السابقة المقدّرة بمليارَي دولار، وموافقتها، الأسبوع الماضي، على سحب “المركزي” ما تبقّى من الوديعة (93 مليون دولار)، في موازاة إعلان اعتزامها إنشاء مشاريع عبر برامج إعادة الإعمار التي يرأسها سفيرها لدى اليمن، محمد آل جابر، بقيمة 90 مليون دولار،
إلّا أنها لم تسمح للحكومة الموالية لها باستئناف تصدير الغاز المسال من ميناء بلحاف النفطي الواقع تحت سيطرة قوات إماراتية وسعودية في شبوة منذ ثلاث سنوات. وهي بذلك تحرم الاقتصاد اليمني من مليارَي دولار سنوياً من عائدات الغاز المسال، و1.9 مليار دولار كإيرادات سنوية من مبيعات النفط الخام.
وردّت على مطالب وزراء سابقين في حكومة المستقيل هادي بتحرير الموانئ والمطارات الواقعة تحت سيطرة تحالف العدوان في السواحل الغربية والجنوبية والشرقية كالمخا في تعز وبلحاف في شبوة والضبة في حضرموت ونشطون في المهرة، وكذلك مطارَي الريان الدولي في المكلا والغيظة المحلّي في المهرة اللذين تحوّلا إلى قواعد عسكرية تحتوي غرف عمليات أميركية وبريطانية، بتعزيز حضورها العسكري في الموانئ الأربعة والمطارَين المغلقَين منذ سنوات، متجاهلةً أي مطالب هادفة إلى استعادة نشاط تلك الموانئ المهمّة التي كانت تغذّي خزينة الدولة بمئات ملايين الدولارات.
ويؤكّد خبراء اقتصاديون أن الاقتصاد اليمني تكبّد 88.8 مليار دولار كفرص ضائعة نتيجة نهب الموارد والثروات وإغلاق الموانئ والمطارات من قِبَل العدوان ومرتزقته. ومع ذلك، تستغلّ السعودية تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد، لتمرير مخططات استعمارية جديدة على سواحل بحر العرب.
ويشير الخبراء إلى أن الوديعة السعودية السابقة لا تزال ديناً عاماً على اليمنيين، على رغم فشل المملكة في تحسين الاقتصاد والوضع المعيشي للمواطنين. في هذا الوقت، تسعى الرياض إلى تهدئة الأوضاع بوديعة جديدة وافقت عليها مبدئياً مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في مقابل تهيئة الظروف لإنشاء قواعد عسكرية أميركية تحت مبرّر “مكافحة الإرهاب”، وإنشاء قاعدة عسكرية بريطانية وسعودية على شواطئ محافظة المهرة تحت ذريعة مكافحة القرصنة البحرية والتهريب.
وكان السفير الأميركي، كريستوفر هنزل، توجّه إلى محافظة المهرة، مطلع الشهر الماضي، من دون علم حكومة هادي، في زيارة تزامنت مع تصاعد التحركات البريطانية قبيل تأليف الحكومة الجديدة، ومزاعم لندن حول تعرّض إحدى سفنها للقرصنة.