لا حديث اليوم لدى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية إلا الحديث عن المصالحة الخليجية، ولا توجد فئة أكثر فرحاً بهذا الحدث كحزب الإصلاح، فكعادته الملازمة له يفرح لفرح الخليجيين ويبكي لبكائهم، وقد يكون ربما بفعل المال.
بعيداً عن التحليلات والتأويلات لأصحاب ربطات العُنق، وعقالات بلا عقول، وبعيداً عن التهاني والتبريكات الإخوانية الممزوجة بالقلق والحيرة.
المشاهد ما قبل سلسلة الأحداث أو الخلاف بين ممالك “البترودولار” يؤكد المؤكد، وهو أنه متى ما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية جمع فرقائها جمعتهم ومتى ما أرادت تفريقهم فرقتهم وفق مقتضيات واحتياجات البيت الأبيض.
في منتصف العام 2017 بدأ “كوشنير” زياراته الرسمية للمنطقة بعد تعيينه من قبل والد زوجته “ترامب” مستشاراً له، ووكيله في قضايا الشرق الأوسط.
زيارة بدأت معها ما يقال عنها الأزمة الخليجية (قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة) ووصلت كما هو معروف إلى قطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع قطر.
أبرز الأسباب لمقاطعة قطر وفق الإعلام السعودي والإماراتي أن الدوحة تحولت مأوى للإرهابيين على حد وصفهم وداعماً رئيساً للتنظيمات الإخوانية التي تمثل أرقاً للنظام الإماراتي والسعودي.
ما يقارب من أربعة أعوام ووسائل الإعلام السعودية والإماراتية والمصرية، تهاجم قطر ليلاً ونهاراً، ووصل الأمر لحد الشتم بالأعراض وقذف والدة أمير قطر الشيخة موزة.
أربعة أعوام كُشفت فيها سوءة العقل الخليجي حاكماً ومحكوماً، أربعة أعوام من الحديث عن الوساطات وتدويل الأزمة التي أدارها “كوشنير” عن بُعد من البداية، فيما يخدم إدارة عمه ترامب، الذي حصل على صفقات أسلحة من الدول الثلاث بتريليونات الدولارات، ما كانت لتتم إلا بهذه الطريقة.. سياسة فرق تسد لحلب الأموال الخليجية.
مع تحقيق المراد الأمريكي، كان لزاماً أن تنتهي المرحلة الأولى من اللعبة، والانتقال للمرحلة الثانية، فكان يجب أن تُختتم المشاهد بلقاء وقبلات بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتميم آل ثاني أمير قطر، وإن أشعل المنظر غيرة ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، وأدمى قلوب الإخوان في اليمن أو في فنادق “الرياض”، إلا أن السيناريو يجب أن يكون كذلك.
هناك من يرى أن هدف المصالحة مؤشر على ضربة لإيران ومقدمة لحرب كبرى على مستوى المنطقة، ولن يتم هذا إلا بفتح الأجواء السعودية والإماراتية لقطر لأهمية القواعد الأمريكية فيها، لاسيما مع تنامي قوة محور المقاومة وربما الرأي صائب ولكن الوقت اليوم ليس ملائماً.
ديمومة المصالحة بين ممالك الخليج لن تدوم، ولن تكون إسرائيل كرت ضمان للمصالحة لأن كل مرحلة لها أوراقها، باعتبار أن قطر ستنجر لقطار التطبيع الخليجي مع أنها من أوائل الدول الخليجية التي فتحت مكتباً تجارياً مع إسرائيل في العام 1996م، بالرغم أنها أعلنت إغلاقه في العام 2000م، وهو الأمر الذي نفاه عضو الكنيست الإسرائيلي والرئيس السابق لمكتب التمثيل التجاري في العاصمة القطرية الدوحة “إيلي أفيدار”، حيث قال: إن قطر لم تقفل المكتب، وإنها كذبت على الدول العربية مدعية بأنها أقفلت المكتب، بينما كنتُ هناك، وطلبوا مني أن أصمت وألا أغادر البيت.
ووفق ما ذكرته قناة «سكاي نيوز» فالسعودية منذ زمن تريد أن تضم قطر لأراضيها كون نزعاتها التوسعية معروفة، كما أن الإمارات يسيل لعابها للاستيلاء عليها وهو ما ذكرته تقارير سابقة، ليكون إعلان المصالحة طوق نجاة مؤقت للنظام القطري.
لن تدوم المصالحة إلى ما لا نهاية، ومع ذلك يبدو أن القبلات بين «بن سلمان وتميم» أدخلت الإصلاح أو فرع الإخوان في اليمن في غيبوبة سياسية، خصوصاً بعد مباركة الحزب ببيان لما أسماه اللُحمة الخليجية والأمل من دور فاعل في القضية اليمنية، ليستمر انحطاط الفكر الإخواني ورهانه الدائم على الخارج.
المؤكد أن اليمن أصبح رقماً ومعادلة صعبة على مستوى المنطقة، ولو كانت قطر تمثل وزناً عسكرياً فقد كانت ضمن التحالف لكنها خرجت بعد احتقارها من السعودية وليس صحوة ضمير، وعليه فإنها ستظل هامشاً في أي معادلة عسكرية فيما يخص الحرب على اليمن.
حزن أبناء الإصلاح سيدوم ما دامت المصالحة قائمة، فسلاح قطر (الجزيرة) سيحجب صوتهم في الوصول لمسامع ابن سلمان، ولن يقلب الطاولة لصالحهم في الساحة اليمنية، وما مضى دليل لا شك فيه.
كما أن كل خسائر الإصلاح في كوم، ومشهد تبادل القُبلات بين الأميرين كوم ثقيل، مثل أكبر خسارة موجعة، وهو ما يجعل اليمن تستمر في الربح بعيداً عن أكاذيبهم.