يبدو أن طبول حرب عالمية ثالثة قد دقت، ولكن هذه المرة أخذت شكلاً مختلفاً وذلك عن طريق النقر على لوحات المفاتيح، وبرامج التهكير والقرصنة والاختراق الالكتروني والسباق المحموم بين الدول الكبرى لتطوير تكنولوجيا السلاح وحرب البيانات.
ويرى عدد من النقاد والباحثين المتخصصين أن ثمة ميدان يشتعل بالفعل بالحروب، ولم يلقى اهتماماً ولم يلتفت نحوه الكثيرون، ميدان تسقط فيه الأرواح وتفقد فيه الجيوش والطائرات قدرتها على القتال قبل أن تتحرك أصلا من قواعدها، كان كل ذلك يحدث في ساحة مظلمة تُسمى القرصنة أو “الحرب الإلكترونية”.
يقول محمد المنشاوي وهو باحث وكاتب متخصص في الشؤون الأمريكية، عمل في عدد من مراكز الأبحاث بواشنطن، وفق ما نشرته الجزيرة نت “يدفع التقدم التكنولوجي السريع لتغيير الخارطة الجيوستراتيجية للعالم بصورة سريعة لم تتضح طبيعتها بعد؛ لكن من المؤكد أن علاقة التكنولوجيا والسياسة والتفاعل والتأثير المتبادل بينهما يمثل أحد أهم محددات هذا العالم الجديد”.
ويضيف” يبشر العالم الجديد بتوازناته الجيوستراتيجية المتسارعة بتحولات اجتماعية وسياسية جذرية تغير صورة العالم وعلاقات التنافس فيه بطرق جديدة غير تقليدية وغير مفهومة، مع احتمال حدوث عواقب لا رجعة فيها على شكل التنظيم الدولي وعلى شرعية وطبيعة الدول القومية في الحكم”.
ويتابع “ويتطور منذ فترة ليست طويلة مصطلح “تكنو بوليتيكس” (Techno Politics) ليشير إلى علم أو منهج أو موضوع يتناول الشأنين السياسي والتكنولوجي في صورته المتغيرة، من خلال الصراع بين القوى الكبرى من جانب، وبين صراع الإفطار والتطبيقات التكنولوجية وعلاقتها بحياة البشر وأسواق المال من جانب آخر”.
هجوم على أمريكا
وتعرضت وكالات حكومية أمريكية مؤخراً لهجوم وقرصنة وخرق إلكتروني “خطير” اتهمت واشنطن مجموعة مدعومة من حكومة أجنبية بالقيام به وتمكنت من سرقة معلومات.
ونقلت شبكة “سي. إن. إن” الإخبارية الأمريكية عن وزارة التجارة الأمريكية، مطلع الشهر الماضي، أنها كانت ضحية لعملية قرصنة للبيانات.
وقالت وزارة التجارة، في بيان “يمكننا تأكيد حدوث خرق في أحد مكاتبنا لقد طلبنا من وكالة الأمن السيبراني ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) التحقيق، ولا يمكننا التعليق أكثر في هذا الوقت”.
وذكرت شبكة “سي. إن .إن” سابقاً أن المجموعة التابعة لروسيا، والمعروفة باسم APT29، هي المتهم المشتبه به وراء القرصنة واختراق فاير آي، نقلاً عن مصدر مطلع على الأمر.
وأكدت وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية التابعة لوزارة الأمن الداخلي حادث قرصنة أمن البيانات.
وقالت وكالة الأمن السيبراني، في بيان لشبكة “سي إن إن” “لقد عملنا بشكل وثيق مع شركائنا من الوكالات فيما يتعلق بالنشاط المكتشف مؤخراً على الشبكات الحكومية”.
وتابعت الوكالة أنها “تقدم المساعدة التقنية للكيانات المتضررة لأنها تعمل على تحديد وتخفيف أي حلول وسط محتملة”.
وقالت التقارير أن وزارة الخزانة الأمريكية تعرضت مؤخراً لخرق إلكتروني عالي المستوى قامت به مجموعة تسلل مدعومة من حكومة أجنبية، بحسب مصادر مطلعة في الولايات المتحدة وتمكنت من سرقة معلومات.
وأفاد أحد المصادر بحسب وكالات الأنباء أن الاختراق كان خطيراً لدرجة دفعت لعقد اجتماع لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض السبت الماضي.
وأشارت مصادر مطلعة بالولايات المتحدة إلى أن مجموعة تسلل إلكتروني عالية المستوى مدعومة من حكومة أجنبية سرقت معلومات من وزارة الخزانة ومن وكالة مسؤولة عن تحديد سياسة الإنترنت والاتصالات.
وقد تعهدت واشنطن بالرد على ما يعتقد أنه أكبر وأخطر هجوم إلكتروني (قرصنة) يستهدف الولايات المتحدة، في حين واجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتهاما بالخيانة بعد تبرئته روسيا من الاختراق الضخم الذي أكد مسؤولون أمريكيون أن احتواء تداعياته قد يستغرق سنوات.
ونقلت وكالة رويترز حينها عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون أوليوت أن بلاده سترد بشكل مناسب على من يقف وراء القرصنة والهجوم الإلكتروني.
وأضاف أوليوت أن المجلس يركز على التحقيق في الظروف المحيطة بالهجوم السيبراني، والعمل مع الوكالات الأخرى لاحتواء الموقف.
ويأتي هذا التعليق بعد ساعات من نشر الرئيس دونالد ترامب تغريدتين على تويتر خالف فيهما وزير خارجيته مايك بومبيو الذي وجه اتهاما مباشراً لروسيا بالضلوع في عمليات القرصنة الإلكترونية واسعة النطاق التي استهدفت وكالات حكومية أمريكية، من بينها إدارة الأمن النووي، ووزارات الخارجية والدفاع والخزانة والطاقة، وشركات خاصة مرتبطة بالحكومة الفدرالية.
وبينما وصف مسؤولون أمريكيون الهجوم الإلكتروني بالخطير، وبأنه ربما يكون الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، هوّن ترامب من شأنه، قائلاً إن قضية القرصنة الإليكترونية ليست ضخمة كما تدعي ما وصفها بوسائل الإعلام المزيف.
وقال الرئيس المنتهية ولايته إن الاتهام يوجه دائما لروسيا لأن وسائل الإعلام، ولأسباب مالية، تخشى الإشارة إلى الصين التي يمكن أن تكون هي المسؤولة عن ذلك، على حد تعبيره، كما قال إنه على اطلاع كامل على القضية، وإن كل شيء تحت السيطرة.
ويتزايد الكلام كل يوم عن احتمال انجرار العالم في أتون حرب عالمية ثالثة بين التحليلات والتصريحات في القنوات الرسمية وغير الرسمية وحول العالم ومنهم من دق طبول الحرب.
حرب عالمية ثالثة
وتشير المعطيات بهذا الخصوص إلى أن حرب عالمية ثالثة ستقوم حتما بسبب التنافس المحموم على تطور التكنولوجيا خاصة في مجال سباق الأسلحة الفتاكة بين الدول الكبرى لكن ليس في الوقت الحالي.
كما تشير المعطيات إلى أن الولايات المتحدة لن تدخل في حرب شاملة مع أي قوة مناهضة لها في العالم، إلا في حال التهديد المباشر لنفوذها في أي مكان في العالم وخاصة في الشرق الأوسط ، أما في حالة بقاء “منظومة نفوذها” في المنطقة تعمل وتوفر لها درجات مقبولة من الأمن والعائدات، فهي لن تتدخل في صراعات في دول المنطقة تدخلها في مستنقع قد يكون من الصعب الخروج منه فيما بعد.
ويقول الشيناوي إنه “لم تكن تلك هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها الولايات المتحدة لهجوم سيبراني واسع من قراصنة محترفين تابعين لدول خارجية يجمعها العداء بالولايات المتحدة…وقبل ذلك اخترق قراصنة من كوريا الشمالية عام 2014 شركة “سوني” (SONY)، وبعد عامين، استطاع قراصنة تابعين لروسيا من شن هجوم كبير على الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
ويتابع “وفي كل حالة عزا صقور السياسة الخارجية الأمريكية إلى أن تلك الهجمات حدثت بدون أن يكون هناك تكلفة؛ بسبب غياب رد الفعل الأمريكي.
واعتُبرت إستراتيجية “الدفاع للأمام” ناجحة، فقد منعت التدخل في انتخابات الكونغرس 2018 وانتخابات 2020؛ لكنها فشلت تماماً حتى في الكشف عن الاختراق الأخير، والذي تعتقد أغلب التقديرات الاستخباراتية بوقوف روسيا وراءه.
لكن لا ينبغي أن يعتقد البعض أن الولايات المتحدة من جانبها لا تقوم بمهاجمة أعدائها إلكترونيا، فواشنطن تشن هجمات سيبرانية على بعض الأهداف حول العالم، ويتم الإعلان عن عدد محدود من هذه الهجمات، في حين يفضل الكثير من الأطراف الصمت تجاه الكثير من الهجمات.
كما تتبنى واشنطن موقفا استباقيا في استراتيجيتها الدفاعية للهجمات الإلكترونية تسمى “الدفاع للأمام” (Defend Forward).
والفكرة الأساسية هي أن القيادة السيبرانية الأمريكية ستحافظ على وجود مستمر في الشبكات الخارجية المعادية؛ حتى تتمكن من مواجهة خصومها حين يشنون هجمات إلكترونية.