تزايد النفوذ الدولية والإقليمية في مسرح البحر الأحمر والقرن الأفريقي قد يجعل هذه المنطقة نقطة ساخنة مفتوحة على كل الاحتمالات، وخصوصا مع صعود مراكز صناعية منافسة تجاريا وصناعيا وتقنيا على السوق العالمية.
تظل منطقة الشرق الأوسط، ووسط آسيا هما البؤرتان الساخنتان في الصراع القادم، حيث كانت واشنطن وحلفاؤها يدركون حجم الخطر القادم بصعود القوى المنافسة اقتصاديا دول《النمور الآسيوية 》إلى اقتصاد السوق العالمية فراحت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001م إلى إنشاء قاعدة عسكرية واستخباراتية في جيبوتي.
بالإضافة إلى قواعد تدريب عسكرية في الصومال، كما احتفظت فرنسا بقاعدتها العسكرية في جيبوتي إحدى مستعمراتها السابقة، وعلى نفس الصعيد أنشأت الصين في 2017م قاعدة عسكرية في جيبوتي.
القائد السابق للقيادة الأمريكية في أفريقيا الجنرال “توماس والدهاوزر”، أمام الكونجرس عام 2019 يقول ” إن القاعدة الصينية في جيبوتي التي لا تبعد سوى أميال قليلة عن القاعدة الأمريكية تقلل من وصول الولايات المتحدة ونفوذها في المنطقة”.
كما توصلت روسيا مؤخرا إلى اتفاق مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر، وسوف يسمح الاتفاق، الذي تم الإعلان عنه في 8 ديسمبر 2020م لموسكو بوضع 4 سفن وما يصل إلى 300 فرد في بورتسودان, كما تسمح الصفقة، التي تسري لمدة 25 عاما لروسيا باستخدام المطارات السودانية لنقل الأسلحة والذخيرة والمعدات لدعم قاعدتها البحرية الجديدة.
ومن منظور بكين، فإن قاعدتها في جيبوتي لا تعني استعراض قوتها العسكرية على بعد آلاف الأميال من حدودها، ولكنها تحمي مصالحها التجارية الكبيرة في القرن الأفريقي، التي تشمل مئات الملايين من الدولارات في استثمارات الطرق والسكك الحديدية والطاقة ومشاريع البنية التحتية للاتصالات.
ويعد مشروع السكك الحديدية الذي يربط أثيوبيا وجيبوتي على وجه الخصوص جزءا من مبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة.
بالإضافة إلى ذلك بدأت شركة “سي إم بورت” الصينية في توسيع مرافق ميناء جيبوتي التي ستوفر للسفن الصينية أولوية التبادل ورسوم الإرساء المنخفضة.
ومما لا شك فيه أن القوى الكبرى الثلاث ستستخدم منشآتها العسكرية لمراقبة أنشطة بعضها البعض ما يجعل المنطقة نوعا من ساحات الحرب الباردة حتى الآن.
أبو ظبي الأكثر نشاطا في المنطقة على مدار الأعوام الماضية تسعى للسيطرة على الممرات الملاحية في المناطق الجنوبية والشرقية لليمن، وجزيرة بريم في مضيق باب المندب، وأرخبيل سقطرى في بحر العرب.
تجنيس المواطنين
الأمر اللافت أن العدوان الإماراتي على اليمن لجأ إلى أساليب احتلالية في استدعاء سياسة الاستعمار القديم في مقاربة تطبيق نموذج الاستعمار البريطاني للمحافظات الجنوبية، فقد لجأت إلى أساليب قذرة في محاولة تغيير الهوية الوطنية لانتماء السكان السقطريين بجنسيات إماراتية وإقامة علاقات تجارية مع سكان سقطرى.
وعندما رأت تمسك السقطريين بهويتهم اليمنية ذهبت للصومال ودفعت 20 مليون دولار بهدف إثارة الصراع بين اليمن والصومال ورفضت القيادة السياسية الصومالية أن تزج بها في هذا الصراع، وكان رد وزير الخارجية أحمد عيسى قويا وشجاعا عندما قال لهم : ” لسنا أدوات رخيصة لتنفيذ مطالبكم واليمن جار وشقيق، وله سيادته وكرامته وسقطرى أرض يمنية من قديم الأزل” .
لم تتوقف أبوظبي عند هذا السلوك الماجن، بل وبكل وقاحة تقدمت لمحكمة العدل الدولية في (لاهاي – هولندا) لترفع دعوى ضد اليمن تدعي بأن الجزيرة إماراتية .. هل رأيتم مثل هكذا وقاحة ؟
قاعدة عسكرية
وفي عدوان وقرصنة سافرة سيطرت على الجزيرة وأنشأت عليها قاعدة عسكرية، ونصبت أجهزة اتصالات للتنصت والتجسس، واستقدمت الخبراء الصهاينة إلى الجزيرة للقيام بأعمال مشتركة، كما انشأت على جزيرة ميون في باب المندب قاعدة عسكرية أخرى واحتلت جزيرتي حنيش وزقر في البحر الأحمر وتركزت بجيوشها الاجراء على الساحل الغربي بهدف فصله عن الجغرافية اليمنية.
وخارج اليمن أنشأت قواعد في كل من جيبوتي وأرض الصومال، وقامت باستثمارات كبيرة في مرافق الموانئ.
ويأتي تدخل الإمارات في هذا المجال جزئيا في إطار مواجهة تركيا وقطر اللتين أقامتا قواعد عسكرية وعلاقات مع الصومال.
مصر وتركيا
كما أنشأت تركيا قاعدتها العسكرية في العاصمة الصومالية مقديشو عام 2017، وبنت المدارس والمستشفيات والبنية التحتية وقدمت منحا دراسية للطلاب الصوماليين للدراسة في المؤسسات الأكاديمية التركية كوسيلة لبسط نفوذها في جميع أنحاء البلاد، وقدمت أنقرة تدريبا لوحدة شرطة صومالية.
وترى مصر في التواجد التركي في البحر الأحمر والقرن الأفريقي وفي ليبيا تهديدا إقليميا ليس فقط لدعمها جماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها كل من القاهرة وأبوظبي والسعودية منظمة إرهابية، ولكن أيضا لسعيها لتوسيع نفوذها في المنطقة.
وكانت تركيا قد توصلت في العام 2018م إلى اتفاق مع السودان لإنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن في البحر الأحمر ما يجعل تركيا لاعبا رئيسا في المنطقة.
موقع القيادة الأمريكية في أفريقيا أورد تصريحا لقائدها الحالي الجنرال “ستيفن تاونسند”، يقول فيه إن قيادته لن تعالج التهديدات الإرهابية فحسب، بل ستواجه أيضا تحديات من المنافسين الاستراتيجيين مثل الصين وروسيا الذين يواصلون توسيع نفوذهم في جميع أنحاء العالم بما في ذلك أفريقيا، وهو موقف من المرجح أن تتبناه إدارة “بايدن” القادمة.
وهذا الموقف يفسر وصول الغواصتين الأمريكية والإسرائيلية وبعض القطع الحربية إلى منطقة الخليج العربي حيث يرابط الأسطول الخامس الأمريكي.