المشهد اليمني الأول/
بعد إعلان اتفاق تطبيع المغرب مع الكيان الإسرائيلي مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالصحراء الغربية أرضاً مغربية، تنقلب كل المعادلات التطبيعية السابقة، وتنتهي بالضرورة كل الحجج التي قد تسوقها الدول العربية ضد ما قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سابقاً. ما يعني أن تطبيع الرباط بالتحديد، يؤسس لمرحلة قبولٍ بصفقة القرن وما سبقها وتبعها من قرارات أمريكية متعلقة بالمنطقة العربية.
بقبول المغرب المعادلة سالفة الذكر، تكون الدولة الأولى التي حفّزت واشنطن على اتخاذ إجراء أحادي في ملف متنازع عليه، بعد إسرائيل، وهو ما لم تفعله الإمارات العربية المتحدة مثلا مع جزرها الثلاث المتنازع عليها مع إيران؛ ما سيزيد بالضرورة تعقيد أي محاولة لاحقة لإلغاء اعتراف ترامب بالجولان المحتل أرضاً إسرائيلية أو حتى القدس عاصمةً لإسرائيل.
بهذا المعنى قد يكون مجرد اعلان تطبيع المغرب على هذه الأرضية، شرعنة لمختلف القرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي حول القدس والجولان والقضية الفلسطينية، رغم ان ملك المغرب محمد السادس هو رئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي والمعنية بحماية الطابع الإسلامي العربي للمدينة، وهو رئيس وكالة بيت مال القدس الشريف، المعنية بالصحة والتربية والإسكان والتراث في المدينة.
الرباط إذن، شرعنت خطوات ترامب السابقة عربياً بصورة أو بأخرى، وهنا ساق عدد من المغاربة وعلى رأسهم الأمير هشام العلوي الدلائل على “براغماتية المغرب” ودعمه للفلسطينيين بكل الأحوال، وتسابقت التحليلات والتصريحات التي تؤكد أن المغرب يقف إلى جانب الفلسطينيين.
ولكن.. هل أخطأ الأردن وهو يدعم المغرب في نزاع الصحراء؟
إشكال الخطوة الأخيرة، أنها لم تأتِ بصورة مفاجئة لأحد، وخصوصا الملكيات الثلاث المتحالفة مؤخراً بزعامة أبو ظبي (والحديث عن الإمارات نفسها إلى جانب الأردن والبحرين).
إذ كان الثلاثي قد بدأ من جهته ما يمثّل اعترافا بمغربية الصحراء وهو يفتتح قنصليات فخرية لكل من أبو ظبي وعمّان والمنامة في مدينة العيون الصحراوية المتنازع عليها، الأمر الذي يمثل خطوة اعتراف بمغربية الصحراء ويظهر انحيازاً لصالح المملكة المغربية، ما يمكن اعتباره جزءاً من مشروع إعادة احياء نادي الملكيات، ولكن على أساس العلاقة مع إسرائيل.
الصحراء مقابل التطبيع
“الصحراء مقابل التطبيع”، معادلة كانت قد تحدثت عنها تقارير إسرائيلية منذ بداية العام، إذ ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل تفاصيل صفقة إسرائيلية اعدّها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تقضي باعتراف امريكي بمغربية الصحراء مقابل التطبيع مع إسرائيل.
ذلك تعزز في حينه بتصريحات وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة الذي وبعد اعلان تفاصيل صفقة القرن، أعلن أن بلاده تهتم اكثر بقضايا الأمن القومي الخاصة بها والتي اولها قضية الصحراء الغربية.
بهذا المعنى، يكون ثلاثي الإمارات- الأردن- البحرين قد مهّد الطريق أمام تطبيع المغرب وإسرائيل، وبالتالي يكون وفق متابعين قد اختار ما يروّج له على انه براغماتية سياسية إزاء التحركات الامريكية التي تتوقع عمان ومعها أبو ظبي والمنامة والقاهرة ان إدارة الرئيس المقبل جو بايدن لن تتمكن من عكسها او تخفيفها حتى، بالنظر لاتجاهات بايدن نفسه وأعضاء فريقه بخصوص الصراع مع اسرائيل.
هنا تكون عمان وخلافا لموقفها المعلن منذ بدء ترامب اجراءاته في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ولاحقا الجولان واعلانه صفقة القرن، قد ايقنت أنها “لا تستطيع كسر اميركا وحلفائها في المنطقة، فقررت الانضمام اليهم”، وهذا مثل انجليزي يكرره مسؤولو الأردن الذين تحدثت اليهم “رأي اليوم” خلال الأيام الماضية والمقربين من القصر ومن رئيس الوزراء الحالي الدكتور بشر الخصاونة.
قد ينظر بالضرورة الى المنطق الأردني الأخير كمنطقي، وهناك كثر ممن يروجون له ويؤيدونه، ولكن اشكاليته تبدو بأنه لا يجيب على أسئلة جوهرية تتعلق بعمان، وأهمها التداعيات الكبرى في ملفي القدس واللاجئين، وهما ملفين يشكو الفلسطينيون من أنهما لم يُحلّا وان عمّان ومعها كل الدول المطبّعة لم تبحث فيهما بصورة تحمي ماء وجه القضية الفلسطينية، ولا حتى بصورة تعالج مخاوف الأردن الذي لطالما اعلن خشيته من تحوله لوطن بديل، ولطالما استخدم هذه الخشية في هندساته السياسية الداخلية.
إلى جانب ذلك، فإن عمان بدعمها غير المباشر لتطبيع المغرب مع اسرائيل، تحتاج ضمانات الوصاية على المقدسات الإسلامية والتي تشيع الانباء من إسرائيل انها تحولت لملف اغواء سواء لحلفاء عمان الرئيسيين وعلى رأسهم أبو ظبي التي تحدث عنها صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر بأنها ستكون بوابة زوار القدس، أو السعودية التي أكدت وسائل اعلام إسرائيلية ان ولي عهدها محمد بن سلمان طالب بالوصاية في الزيارة الأخيرة لنتنياهو لمدينة نيوم السعودية الجديدة، أو حتى اليوم بعلاقات بين المغرب وإسرائيل.
الأردن أدرك ان من الصعب كسر التحالفات مع إسرائيل في المنطقة، فاتخذ الموقف الذي روّج له عاهل البلاد منذ أشهر ونظر للنصف الممتلئ من الكأس، وهو نصفٌ على الأغلب لا ضمانات لكونه سيعود على عمّان ودورها الإقليمي بالخير فعلاً، وضمانات ان يعود على وضع الأردن الاقتصادي ببعض المكاسب لا تزال محدودة أصلا.
بكل الأحوال، تحالف الأردن استراتيجيا مع محور التطبيع منذ نهايات العام الماضي، وهذا معناه بالضرورة انعكاسات اكبر على ملف العلاقات الخارجية والترتيبات الداخلية بصورة موسّعة لعل تتبعها ليس صعباً أبدا، لا في ملف التطبيع ولا في شرق المتوسط وليبيا ولا في ملف نزاع إقليم ناجورني كراباخ بين أذربيجان وأرمينيا ولا حتى في العلاقة مع ايران وقطر وتركيا. كل هذا يترك سؤال “العوائد على عمان” مفتوحاً وعلى كل الاحتمالات بعد سنوات من الإصرار على سياسة الوسطية والتوازن.